الهوية الإيمانية أساس تماسك الأمة ومشروعها للتحرر والعزة

عبد الله الجرادي

 

 

تتمتع كل أمة على وجه الأرض بهوية تميزها عن غيرها، وقد تكون هذه الهوية صحيحة أو مختلطة، بل وقد يشوبها أحيانًا الانحراف والخرافة. وتمثل الهوية، بما تحمله من عقائد ومفاهيم وقيم وعادات، العامل الجامع الذي يحفظ تماسك الأمم، ويصون كيانها، ويمنحها القدرة على الصمود والاستمرار في مواجهة التحديات.
ومن هنا، تبرز أهمية الإيمان والهوية الإيمانية بوصفهما عنصر قوة حقيقيًا، وحاجة مصيرية للأمة المسلمة. فالإيمان، بمفهومه القرآني الصحيح، ليس مجرد شعور داخلي أو انتماء شكلي، بل هو منظومة متكاملة تشكل عنصر خلاص وحرية، وركيزة أساسية لتماسك الأمة وقدرتها على مواجهة الأخطار وتصحيح مسارها.
إن العناية بالهوية الإيمانية وترسيخها ليست شأنًا نظريًا أو خطابًا وعظيًا مجردًا، بل هي عملية تربوية وسلوكية شاملة، تتجسد في نمط الحياة والمواقف اليومية. فالإيمان في الإسلام عقيدة وسلوك ومسؤولية عملية، يترك أثره في النفس، ثم ينعكس في الواقع موقفًا وثباتًا واستقامة.
ومن أعظم نعم الله تعالى على الأمة المسلمة، وعلى الشعب اليمني على وجه الخصوص، أن تكون هويته هوية إيمانية أصيلة. فإذا ما حُفظ هذا الانتماء في الوعي والالتزام، ونُقّي من الشوائب الدخيلة في الفكر والسلوك، كان أعظم ركيزة للتماسك والبقاء، وأهم مصدر للقوة والعزة والكرامة.
وفي المقابل، فإن فقدان الهوية الإيمانية يعني فقدان كل شيء؛ فالأمة التي تنسلخ عن هويتها تفقد كيانها ومنعتها وروابطها الداخلية، وتتحول إلى كتلة بشرية مستسلمة، فاقدة للإرادة والاستقلال، وسهلة الاستغلال والهيمنة، بلا مشروع ذاتي ولا كرامة حقيقية.
وتتجلى أهمية الهوية الإيمانية في كونها العامل الأهم في تحقيق الثبات والصمود، لا سيما في أوقات الشدائد والاعتداءات. فكلما ترسخ الإيمان في القلوب، وتعزز الارتباط بالله سبحانه وتعالى، انعكس ذلك وضوحًا في المواقف، وثباتًا في السلوك، وقوة في تحمّل المسؤولية. ولا يمكن أن تكون ثمرة الإيمان ضعفًا أو ترددًا، إذ إن الإيمان الحقيقي يولّد الشجاعة، ويحرر الإنسان من الخوف إلا من الله.
وفي واقعنا المعاصر، تتعرض الهوية الإيمانية لهجمة ثقافية وفكرية ممنهجة، تستهدف فصل الأمة عن ارتباطها بالله ورسوله وكتابه، عبر حملات الإساءة والتشويه، والهيمنة الفكرية والثقافية من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وتعتمد هذه الهجمة على التضليل والإفساد القيمي، بهدف تفريغ الأمة من وعيها، وتحويلها إلى أمة بلا مشروع ولا إرادة.
وأمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى عمل جاد ومسؤول لترسيخ الهوية الإيمانية، وذلك من خلال تعزيز الصلة بالله سبحانه وتعالى، وتوثيق الارتباط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتمسك بالقرآن الكريم، والاهتمام بالتربية الإيمانية في التعليم والإعلام والمجتمع، والتحصن بالوعي في مواجهة الغزو الثقافي.
وقد شرف الله الشعب اليمني بهذا الانتماء الإيماني حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الإيمان يمان، والحكمة يمانية»، وهي شهادة عظيمة تدل على تجذر الإيمان في هذه الأرض المباركة، وتجعل من هذا الشرف مسؤولية إيمانية وحضارية قبل أن يكون مجرد انتساب تاريخي.
إن الهوية الإيمانية ليست عنوانًا ثقافيًا أو شعارًا مرحليًا، بل هي مشروع حياة متكامل، يشمل كل مجالات الوجود الإنساني. والحفاظ عليها هو حفاظ على الكينونة والقوة والكرامة، وهو الطريق الحقيقي للتحرر من كل أشكال العبودية لغير الله سبحانه وتعالى.
ويؤكد الله تعالى هذا المعنى في قوله عز وجل: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ… فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، لتؤكد الآية أن الإيمان الحق يبدأ بالله، وينتهي بالموقف الواضح في مواجهة الباطل، وأن الإيمان في الإسلام عقيدة حية، ومسؤولية عملية، لا تنفصل عن الواقع ولا تنعزل عن ميدان الحياة.

قد يعجبك ايضا