المخطوطات اليمنية.. هوية مغمورة وثروة مهدورة !!

تحقيق/ سارة عبدالله الصعفاني –
■ الألمان استقبلوا تمثال “ذمار علي” بــــ 21 طلقة ونحن سحبناه برجله إلى المتحف في صنعاء
■ د. الأحمدي: مجالس مقيل بعض المسؤولين بها تماثيل حميرية ولديهم متاحف في البدروم

■ د. عـلـي سـعـيـد: تهريب المخطوطات مرتبط بنافذين ودبلوماسيين.. والرقم الوطني خطوة أولى لحفظها

■ 100 مليون ريال مديونية دار المخطوطات وعجزت عن دفع ثمن 2000 مخطوط منذ 2006م

● دار المخطوطات في أي بلد تعد أرشيفاٍ وذاكرة أمة والمفترض أن تحظى بالاهتمام من قبل الدولة وفي اليمن – تأسست الدار بتمويل ألماني عام 1980م – إلا أن المخطوطات تعاني الإهمال والاندثار حيث تتعرض للتلف والتهريب لعدم صدور قانون يحميها ولغياب الرقابة وقلة الميزانية . وطبقا للمعلومات التي حصلنا عليها من مختصين فإن الدار لم تشرع في فهرسة المخطوطات إلا من مارس1981م بمبادرة ألمانية انتهت في سبتمبر 1985م .
وحصرت المبادرة الألمانية نحو 8000 قطعة ووثيقة أما بقية المخطوطات فلم ترمم أو تفهرس إلا عام 2008م ولم تنته الفهرسة حتى اللحظة ..وتشير مصادر في الدار إلى أنه خلال الحصر تبين اختفاء عدة مخطوطات ..
كاتبة التحقيق اقتربت من الواقع المؤلم للمخطوطات وحاولت قرع جرس الخطر الذي يهدد المخطوطات اليمنية..ويحدث هذا في ظل تعقيدات واجهها الباحثون إذ أن الدار موصدة الأبواب أمامهم منذ عقود..مما يثير علامات استفهام كثيرة تحتاج لإجابات مقنعة تفك عقدها المغلقة.

يمتلك الوطن تراثاٍ إنسانياٍ وإسلامياٍ وحضارياٍ لكنه يعاني إهمالاٍ متعمداٍ ولا مبالاة رسمية حيث تتعرض مخطوطاتنا لعبث وتهريب سماسرة وتجار المخطوطات فبيعها وتهريبها جار على قدم وساق نتيجة الفقر وغياب الحس الوطني وزاد الوضع سوءاٍ الانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية والسياسية, كما تعد بلدان الجوار الأكثر شراء للآثار والمخطوطات اليمنية حيث تم خلال الفترة الماضية شراء مخطوطات بـ 25 مليون ريال من المهربين خوفاٍ من تهريبها خارج الوطن وفي ظل غياب الوعي بأهمية المخطوطات كمادة تراثية وفكرية وعلمية وتشتت أماكن وجودها وجهل الدولة والمجتمع بل حتى موظفي دار المخطوطات بطرق حمايتها وقصور الدور الإعلامي والرقابي كل هذا يؤدي إلى تلف مخطوطاتنا وتهريبها وبيعها وبمبالغ زهيدة جهلاٍ بأهميتها وقيمتها .
وحسب مختصين فقد ساعد على ذلك عدم وجود حصر شامل للمخطوطات المتناثرة في مختلف أنحاء اليمن فضلاٍ عن إهمال دار المخطوطات ما أدى إلى فقدانها كما أن مخطوطاتنا اليمنية منتشرة في معظم مكتبات العالم منها : مكتبة الأمبروزيانا في إيطاليا التي تضم 7000 مخطوط يمني هربها سماسرة وتجار إيطاليون منهم جوزيبيكابروتي وكيل إحدى الشركات الإيطالية في اليمن ومكتبة أميري في تركيا ويوجد فيها حوالي 2000 مخطوط يمني ومكتبة برلين ويوجد فيها 250 مخطوطة جلبت عبر المستشرق الألماني إدوردجلازر ومكتبة المتحف البريطاني بلندن ويوجد بها حوالي ألف مخطوط ..
وعن إمكانية عودتها يقول د/ علي سعيد – أستاذ الآثار بجامعة صنعاء إنه من الصعب استرداد المخطوطات الموجودة في المكتبات الغربية لأنها خرجت بطريقة غير شرعية لكن بوجود اتفاقية بين اليمن وبين هذه الدول يمكن على الأقل أخذ صور لها ووضعها في دار المخطوطات على أنها مخطوطات يمنية .
وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات د/مقبل الأحمدي أكد أن ما في المكتبات الغربية يمكن استرداده لكن في ظل ضعف الدولة وغياب الإجراءات الرادعة وعدم صدور القانون وقلة الوعي صار عدم الاسترداد مكسباٍ لأنها ستعود مجدداٍ إلى أيدي المهربين والعابثين .
واستشهد بما حدث لتمثال “ذمار علي” مؤسس دولة حمير عندما عثر عليه حيث قال : “كان الناس سيكسرونه لأنه صنم فاحتفظت به الدولة وكان فيه بعض الأذى فأخذوه إلى ألمانيا وهناك استقبلته المستشارة الألمانية بـ 21طلقة وأحيط المكان بحراسة لمدة 3 سنوات تحت الترميم والصيانة وبعدها رجع وفد ألماني رفيع المستوى وسلمه إلى مندوب الآثار فسحبه برجله إلى المتحف الحربي”!
وقال : إن الجهات الأمنية تضبط بين فترة وأخرى مخطوطات مهربة عبر المنافذ والحدود وفي مطارات بعض البلدان العربية منها ضبط الأجهزة الأمنية اللبنانية لـ 76مخطوطة يمنية نادرة يتجاوز عمرها 400سنة والمفارقة أن السلطات اللبنانية حكمت على المتهم بتهريبها بالسجن 3سنوات ليس بتهمة التهريب لأن القانون اللبناني يسمح ببيع المخطوطات وإنما بتهمة حيازته قات !
واستنكرد/ الأحمدي تسابق عدة جهات حكومية منها الأمن القومي ووزارة الداخلية في مطار صنعاء على أخذ المخطوطات المستردة بقوله: “أين كان كل هؤلاء عندما هْربت من نفس المطار! “.
وشهدت فترة السبعينيات والثمانينيات عملية تهريب واسعة حيث نهبت المخطوطات النادرة من الأضرحة والتوابيت والمساجد منها :سرقة مكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة عدة مرات وسرقة مصحف الإمام المتوكل اسماعيل من شهارة ونهب 47 مخطوطة نادرة من بينها رسائل مكتوبة بين الدولتين الفاطمية والصليحية من مكتبة جامع الملكة أروى الصليحي وتعرضت قبة محمد بن الهادي في مدينة ثلا لسرقة 98 مخطوطة نادرة تتضمن مصاحف قرآنية وكتباٍ مخطوطة في الفقه والتاريخ الإسلامي .
وأكد أحد المختصين أن عملية التهريب مرتبطة بشبكة متنفذين وأن بيوتهم متاحف ولديهم آثار نادرة لا نجدها في المتاحف الوطنية وأكد كلامه وكيل وزارة الثقافة د / مقبل الأحمدي بقوله ” لا توجد لدينا دولة فمجالس مقيل المسؤولين فيها تماثيل حميرية ولديهم متاحف في البدروم “.
الدار لا تحمي المخطوطات
واستناداٍ إلى معلومات وثقتها كاتبة التحقيق من مختصين (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) فإن الصورة داخل دار المخطوطات تبدو كالتالي :رغم وجود أجهزة حديثة وكاميرات مراقبة إلا أن دار المخطوطات لا تقوم بترميم وتجليد وصيانة وحفظ وتوثيق المخطوطات كما ينبغي لمحدودية الخبرة والعشوائية وقصور الرقابة كما تشكو المخطوطات بطء الإنجاز ما يعرضها للتهريب والتلف ولا تستخدم الدار غالباٍ حاملات مخطوطات لضمان نقلها بطريقة سليمة إلى قسم الترميم أو المطالعة أو التصوير كما يتم تناول المأكولات والمشروبات داخل أماكن وجود المخطوطات وهناك قصور في توفير أجهزة الضبط للحرارة والرطوبة والضوء والتهوية ما يعرض أوراق وجلود المخطوطات للتلف كما تعاني المخطوطات سوء الترتيب وملاصقة المقتنيات للجدران مما يؤدي إلى تأثر المخطوطات بالطلاء وانعدام التنظيم كعوامل أساسية تؤدي إلى تلفها .
وعلى الصعيد المالي للدار ميزانية متواضعة وهذا ما يفسر عجز الدار عن دفع الأموال لأصحاب المخطوطات أو اعطائهم الثمن على فترات متباعدة وبمبالغ زهيدة ما دفع الكثيرين إلى بيع مخطوطاتهم للأجانب وللمسؤولين والمشايخ أو إبقائها بحوزتهم.
وعن إمكانيات الدار ذكر د/ الأحمدي أن معظمها يأتي بها مانحون دوليون وبالمقابل يلتقطون صوراٍ للمخطوطات .
وأضاف “في الوقت الذي تأتي البعثات لدراسة مخطوطاتنا تأخذ معها صوراٍ لكل مخطوطات الدار فلا تصدقوهم حين يقولون إنهم حريصون على المخطوطات فقد أخذ الألمان والمصريون والإيرانيون وغيرهم نسخاٍ كاملة لمخطوطات الدار فيما الباحث اليمني يواجه صعوبات للحصول على صورة مخطوطة”.
مسؤولو دار المخطوطات ¿!
لم تجد كاتبة التحقيق تجاوبا من مسؤولي الدار ولم يسمح لها في آخر زيارة بالدخول إلى دار المخطوطات حيث لا تعد الهوية الصحفية عندهم تصريحاٍ !
حينها التقيت الأمين العام المساعد لشؤون الترميم والصيانة أحمد مسعود وفي حواري معه أرجع عدم الانتهاء من الفهرسة منذ عام 2008م إلى أنها في البداية قام بها مواطنون لا علاقة لهم بالفهرسة وذكر أن مخطوطاتنا قد فهرسها الألمان والإيرانيون وغيرهم .
وعن ميزانية الدار قال : منذ 2006م لم تتمكن دار المخطوطات من دفع ثمن 2000 مخطوطة ومديونية الدار 100مليون ريال في حين الميزانية المخصصة للاقتناء 5 ملايين ريال في العام .
وتحدث أحمد مسعود عن إصدار المحاكم أحكام تعويض لمهربين مقابل الحصول على المخطوطات مستشهداٍ بصدور أحد الأحكام العام الماضي لمهرب بـ 9 ملايين ريال بعد أن ضبط وبحوزته مخطوطات وأضاف : إن مهربي المخطوطات العائدة من لبنان يطالبون المحكمة بتعويضهم! وأن من مشكلات الدار عدم وجود ميزانية كافية وفوضى الصلاحيات فعند العثور على مخطوط يتسابق على أخذه عدة أشخاص .
وأكد مسعود وجود سوق سوداء بالقرب من دار المخطوطات بالتعاون مع مسؤولين ومشائخ لكن لعدم صدور قانون المخطوطات يباع تراث وحضارة الوطن ويشترى كسلعة ! و قال ” نعطيهم أسعاراٍ أفضل من السوق يعني المخطوطة التي تباع بـ 50 ألفاٍ ندفع لهم فيها 150 ألفاٍ تشجيعاٍ لهم ” ! ولفت الى أن أخطر تهريب للمخطوطات النادرة يقوم به دبلوماسيون عبر السفارات بعد التنقيب عنها في الأماكن الأثرية أو شرائها من المواطنين ..ومؤخراٍ فقط تم اكتشاف حوالي 1250 مخطوطاٍ في ضريح الإمام صلاح الدين المنصور بصنعاء القديمة .
وإلى أن يصدر قانون المخطوطات دعا التجار ورجال الأعمال لشراء المخطوطات من الأسواق السوداء وإهدائها للدار لحماية تاريخنا من التهريب والتلف.
فهرسة المخطوطات
ويقول وكيل قطاع المخطوطات:”أثناء تحضيري الدكتوراه في دمشق عن شعراء حمير في الجاهلية أردت الحصول على مخطوطات بعضها هنا والبعض الآخر في ألمانيا, فطلبت المخطوطات الموجودة في اليمن ومنذ عشر سنوات لم تصل إلي بينما في ألمانيا أرسلت لهم الكلفة وحصلت عليها بعد ثلاثة أيام فقط”.
وتعد فهرسة المخطوطات خطوة أولى للحفاظ على المخطوطات من التهريب والسرقة والتلف وتوفر عناء البحث عنها وتمكن الحكومة من استعادتها في حال اختفت من الدار أو غادرت الوطن .
وينوه د/علي سعيد الى أن إعطاء رقما وطني لكل مخطوطة في اليمن سيحد من مشكلة التهريب وأن تدوين بيانات كل مخطوطة وإعطاء نسخة من أرقامها الوطنية للمنظمات الدولية يعد نوعاٍ من الحماية بحيث لو وجد المخطوط في بلد ما يمكن إعادته ومحاسبة من يملكه وأضاف: إلى الآن لا توجد إحصائية بعدد المخطوطات اليمنية .
قانون المخطوطات
قبل إقرار مجلس الوزراء مشروع قانون المخطوطات في مايو2013م لم يكن هناك قانون خاص بالمخطوطات وإنما مادة ضمن قانون الآثار ولم تكن منصفة لأن العقوبة السجن لمدة خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن قيمة الأثر المهرب على أن لا يقل المبلغ عن10 آلاف ريال أو بالعقوبتين معاٍ فيما اعتبر القانون (ما يزال حبيس أدراج البرلمان) ! – تهريب المخطوطات جريمة يعاقب عليها  بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة مالية تساوي القيمة الحقيقية للمخطوط لكل من هرب مخطوطاٍ إلى خارج اليمن وتضاعف العقوبة بتعدد المخطوطات المهربة وسجن كل من عاد إلى ارتكاب جريمة تهريب المخطوطات مدة لا تقل عن عشر سنوات وغرامة مالية تساوي القيمة المالية للمخطوط إلا أن هناك اعتراضاٍ من قبل بعض أعضاء البرلمان بحجة انتهاك بعض مواد مشروع القانون للدستور وأحكام الشريعة الإسلامية فإحدى مواد المشروع تنص على “لا تكتسب ملكية المخطوطات بطريقة الشراء أو الاستيلاء أو الإهداء أو التنازل أو التبرع أو بالعثور عليه إلا للدولة ممثلة بالوزارة”.
واحتج بعض أعضاء البرلمان بأن في هذا انتهاكاٍ للشريعة الإسلامية التي كفلت حق الإهداء والإرث والبيع .
فيما مادة أخرى تنص على “عدم نقل المخطوط من مكان حيازته وحفظه إلى مكان آخر داخل الجمهورية إلا بإذن كتابي سابق من الوزارة لمعرفة سبب نقله والمكان الذي سينقل إليه المخطوط لتوفير جهة تحمي المخطوط أثناء نقله” لكنهم اعتبروا الحصول على إذن من الوزارة انتهاكاٍ للدستور الذي ينص في إحدى مواده على أن”حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن”!
وكيل وزارة الثقافة د/مقبل الأحمدي استنكر ذلك بقوله ” هِم البلد همنا نحن وليس هم من يمتلكون الآثار والمخطوطات فهم من أكلوا لقمة العيش وهم من صادروا التاريخ والتراث فكيف ننتظر منهم أن يسنوا لنا قوانين تحمي التراث وهم سرقته¿!
من جانبه يقول أستاذ الآثار علي سعيد : القانون يحافظ على المخطوطات سواءٍ الموجودة في حوزة الجهات الرسمية أو المكتبات الخاصة ويحفظ حقوق مالكي المخطوطات مادياٍ ومعنوياٍ ويمكن الجهات المعنية من استرداد المخطوطات المتواجدة في الخارج فضلاٍ عن توثيق وحصر المخطوطات .
فيما يعود الدكتور الأحمدي إلى القول: ” بالقانون نحاسبهم ويْفترض أن تْدرج المخطوطات والآثار تحت ما يسمى بالمجلس الأعلى للثقافة من أجل أن يكون جهة سيادية ليس لوزير أو مسؤول سيطرة عليه” .
وتبقى محدودية الرقابة وضعف تطبيق القانون الحالي وعدم صدورالقانون الجديد وعدم وجود حصر شامل للمخطوطات وتشتت أماكن وجودها وقلة الوعي بأهميتها والأوضاع المضطربة التي تمر بها اليمن والفقر جمعيها أسباب دفعت باتجاه تهريب المخطوطات إلى خارج الوطن ,لذا يجب توفير مبنى آمن يضم جميع المخطوطات بعد فهرستها وحصرها وإقرار قانون المخطوطات وتطبيقه ضد كل من يقوم بسرقة أو بيع أو تهريب المخطوطات وإلزام الجهات المعنية بدفع مبالغ مغرية لأصحاب المخطوطات مقابل بيعها لهم والتوعية بأهمية المخطوطات وكيفية الحفاظ عليها ويجب محاكمة كل المتورطين في جرائم تهريب الآثار والمخطوطات .
ختاماٍ : إذا كانت مخطوطات الدار تأسست عام 1980م ولم تحصر أو تفهرس إلا مرتين في عامي 1981و2008م وإذا كان هذا واقع مخطوطاتنا فليس أقل من لفت أنظار أصحاب القرار والجهات الرسمية للقيام بواجبهم في الحفاظ على تراثنا فمن لا ماضي له .. لا حاضر ولا مستقبل له والمخطوطات هوية وطن وذاكرة أمة .

قد يعجبك ايضا