تعيش ليبيا في الظرف الراهن حالة حرب أهلية ارتفعت وتيرتها مؤخرا شملت كافة أنحاء البلاد زادت من تدني وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وأخذ الصراع الجاري داخل المشهد السياسي الليبي يتداخل بين ما هو إقليمي ودولي وسط تنامي الاعمال الارهابية التي باتت تهدد أمن واستقرار ذلك البلد العربي حيث ناشد رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبدالله الثني المجتمع الدولي المساهمة في الحرب على التطرف الإسلامي والإرهاب .. داعيا إلى رفع الحظر على السلاح للجيش الحكومي وقطع امدادات السلاح عن الجماعات الاسلامية المتطرفة وردع الدول التي قال أنها تدعم تلك الجماعات.
وتأتي تلك المناشدة عقب تصريحات سابقة اطلقها وزير الدفاع الفرنسي خلال الأيام الماضية بضرورة القيام بتدخل عسكري قائلا إن جنوب ليبيا أصبح ملاذا للجماعات المتطرفة ولا بد من عمل عسكري لدحر الإرهاب.
وعند إجراء مقاربة سريعة بالنظر لما تشهده ليبيا من فوضى أمنية وتنامي الأعمال الإرهابية يؤكد أن التغيير الذي حدث داخل ذلك البلد لم يكن نتاجا طبيعيا أو أنه نتيجة حتمية مثلا لانتخابات اشتراعية أو ما شاكل ذلك في النظم الليبرالية وإنما نتيجة للعمليات العسكرية التي نفذها حلف الناتو لفترة لا تقل عن ستة أشهر ما يعني أن التسوية السياسية التي حصلت بعد اسقاط النظام السابق ليست إلا تهدئة أولية تعقبها مشاكل داخلية كما هو حاصل الآن إلى جانب تدخل بعض القوى الإقليمية لتأجيج الصراعات فالصراعات الداخلية والمليشيات المسلحة المنتشرة في كافة أرجاء ليبيا تعتبر من أكبر المعضلات الرئيسية التي تواجه السلطات الليبية بالظرف الراهن حيث أثرت سلبا على مسار التطور الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي ما جعل من ذلك المشهد يسير من سيئ إلى أسوأ وهذا لا يعني تبرئة للنظام السابق من الارتهان والتبعية المطلقة للقوى الدولية وإنما تأكيد أن ما يجري على صعيد المشهد السياسي الليبي ليس إلا مجاميع محسوبة على محاور إقليمية ودولية وبالمقابل من ذلك تعزز تلك القوى من أطروحاتها بضرورة تدخل عسكري إضافي على النحو الذي قام به حلف الناتو سابقا..وهذا يتطابق فكرا وسلوكا مع أطروحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عن سبل وإمكانية غزو ليبيا من الداخل بأدوات محلية فالتدخل الخارجي يعمل على تغذية الصراعات وهو من يقف وراء المليشيات المسلحة ومن ثم تدعو بضرورة القيام بعمل عسكري لأن من مصلحة القوى الداخلية أن تظل ليبيا في حالة تشظ سياسي واحتراب داخلي لكي يتم غض الطرف وصرف الانتباه إزاء ما تقوم به تلك القوى من نهب لثروات وإمكانيات ذلك البلد.
الأمر الذي يجعل ليبيا في مواجهة مشكلتين أساسيتين هما تنامي البعد الخارجي المهيمن على شؤونها الداخلية وظاهرة المليشيات المسلحة وإذا لم يتمكن فرقاء العملية السياسية داخل ذلك البلد من إيجاد رؤية جديدة لبحث جذر المشكلة وأساسها والاتفاق على صيغة سياسية كمدخل لإنهاء التدخلات الأجنبية والتخلص من المشكلات الاستعمارية القديمة والجديدة فإن النزاعات الداخلية وكذا التدخلات الخارجية ستظل تتجاذب ليبيا وتؤثر على أمنه واستقراره لأن الحديث عن حلول ومعالجات في ظل غياب الاستقلال الوطني إنما هو ضرب من الترف الذي لا يقبله لا عقل ولا منطق وعلى القوى الفاعلة أن تعي وتدرك ذلك جيدا.
Prev Post
قد يعجبك ايضا