هل رأيتم يوماً حظيرة الخراف والأبقار التي يبنيها الفلاح حول قطيعه؟
أسوارٌ تحيط بها من كل جانب، تحميها من المفترسات، وتمنعها من الهرب في الوقت نفسه.
يطعمها، ويسقيها، ويرعاها.. لكن ليس حبّاً بها، بل ليسمّنها قبل الذبح، أو يُخرجها إلى الحقل لتعمل في خدمته.
تلك الصورة الريفية البسيطة تختصر حقيقة غزة، كما أرادها الإسرائيليين.. حظيرةً بشريةً مسوّرة، يحيطونها بالأسلاك والكاميرات، ويفتحون لها البوابة فقط لتعمل وتكدّ وتنتج بأبخس الأثمان.
يُدخلون إليها الطعام حين يشاؤون، ويقطعونه حين يشاؤون، يقتلون من يشاؤون ويتركون من يشاؤون، تماماً كما يفعل الراعي حين يختار من قطيعه من سيُضحّى به أولاً.
هكذا كانوا ينظرون إلى الفلسطينيين، كحيواناتٍ خُلقت لخدمتهم، ففي تلمودهم المحرّف يصفون العرب بأنهم “حمير خلقها الله ليركبوها، وإذا مات أحدهم جاءوا بعربي آخر ليركبوه.”
أيُّ إنسانٍ يقبل أن يعيش بهذه النظرة؟
كيف يرضى أن يكون مخلوقاً بلا كرامة، يُطعم فقط ليُستعبد، ويُسمن فقط ليُذبح؟
ثم يأتينا البعض، بعد كل هذا، ليعرض صور غزة قبل الحرب وبعدها، كأنّها شاهد إدانة على من تمرّدوا! ويتناسون أنّ غزة تلك لم يبنها الاحتلال ولا المنح الأجنبية، بل بناها أبناؤها بعرقهم وبحوالات المغتربين.
كانت مدينةً تنهض رغم الحصار، تعمّر رغم الجوع، وتُرعب العدو بنهضتها وصمودها.
من يقبل أن يعيش كالحيوان داخل حظيرةٍ مغلقة، ينتظر الذبح في أي لحظة؟ قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”.
لم يكن 7 أكتوبر انفجاراً من فراغ، بل ثورة من أجل الحياة بكرامة، ثورة قالت: لسنا قطيعاً في حظيرة، نحن شعبٌ يريد أن يعيش حرّاً، حتى لو كان الثمن دمه كله.
في السابع من أكتوبر..خرج الفلسطيني من بين الأسلاك كفجرٍ انبثق من رحم الظلام، ليقول للعالم: لم يخلقنا الله قطيعاً نُربّى للذبح، بل خلقنا أحراراً، وسنحيا أحراراً، وسنموت أحراراً.