تمثل ثورة 21 سبتمبر 2014م علامة فارقة في تاريخ اليمن الحديث، ليس فقط باعتبارها حدثاً سياسياً عابراً، بل لكونها تحوّلت إلى ثورة تصحيحية جاءت في زمانها ومكانها المناسبين، حين بلغ الانحراف عن أهداف ثورة 26 سبتمبر ذروته، وفقدت الدولة اليمنية استقلالها وسيادتها.
فحين اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962م كان الهدف الأساس هو إقامة دولة يمنية قوية، حديثة، ذات سيادة تحقق الرفاهية للشعب، غير أنّ عقوداً من الزمن أظهرت عجز هذه الثورة عن تحقيق ما وعدت به. فقد تحولت الدولة تدريجياً إلى ساحة نفوذ خارجي، وبات القرار الوطني مرتهناً للجنة الخاصة السعودية، ولتدخلات السفارات الغربية والصهيونية في صنعاء، الأمر الذي أفقد اليمن استقلاله وهيبته، وأضعف كل مؤسسات الدولة.
ومع مرور الوقت، عملت القوى الدولية – الأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص – على صناعة شبكة معقدة من العملاء عبر الأحزاب والتنظيمات السياسية، إضافة إلى بعض منظمات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية المشبوهة. هذه الشبكة لم تكتفِ بالتدخل في القرار السياسي، بل حاولت سلب الهوية الإسلامية والوطنية لليمنيين، وتفريغ القيم من محتواها الأصيل.ولم يقتصر التدخل الخارجي على الجانب السياسي، بل امتد إلى المجال الأمني والديني من خلال دعم الحركات المتشددة التي رعتها أمريكا والغرب لتشويه صورة الإسلام الصحيح. وقد شهد اليمن سلسلة من الجرائم المروّعة تمثلت في التفجيرات التي استهدفت المساجد كمجزرة جامع الحشحوش، ومركز بدر، والاعتداءات على قوات الأمن المركزي وجريمة العرضي، إلى جانب عمليات اغتيال لقيادات الجيش والأمن والسياسيين المخلصين.
إلى جانب ذلك، شجّعت القوى الخارجية على خلق مراكز قوى فاسدة، نهبت المال العام، واحتكرت ثروات الشعب من النفط والغاز والموارد الوطنية. ومع تفشي الفساد، تحوّل السياسيون في اليمن إلى مجرد وكلاء للخارج يقدّمون ثروات البلاد ومقدراتها على طبق من ذهب، تاركين الشعب في فقر ومعاناة مستمرة.
والمؤلم أن اليمن، الذي كان قبل ثورة 26 سبتمبر أفضل حالاً من كثير من بلدان الخليج، أصبح – بفعل الفساد والارتهان – في مؤخرة الركب. فقد تخلف عن جيرانه الذين شيّدوا دولاً مستقرة، بينما غرق اليمن في الصراعات والانقسامات. وأصبح اليمني يبحث عن تأشيرة سفر للهجرة والاغتراب بحثاً عن لقمة العيش، فيما هوامير الفساد ينهبون ثروات البلاد بلا رقيب أو حسيب.
أمام هذا المشهد المظلم، جاءت ثورة 21 سبتمبر بقيادة الأحرار المخلصين الذين وضعوا رؤوسهم على أكفهم دفاعاً عن الوطن وكرامته. لقد كانت الثورة استجابة طبيعية لحاجة الشعب في لحظة تاريخية فارقة، هدفها استعادة القرار الوطني، وإنهاء الوصاية الخارجية، وبناء دولة حقيقية تعبر عن طموحات اليمنيين.
لقد جسدت ثورة 21 سبتمبر إرادة اليمنيين الحرة في مواجهة التبعية والفساد، وأكدت أن الشعب قادر على حماية هويته الإسلامية والوطنية، مهما تكالبت عليه القوى الخارجية وأدواتها الداخلية.
إن قيام ثورة 21 سبتمبر أزعج الصهيونية العالمية ودول الاستكبار وعلى رأسها أمريكا، وأذنابها من منافقي العرب، خاصة بيضة الثعبان الإنجليزي: السعودية والإمارات. هؤلاء ومعهم لوبي الفساد في اليمن، لم يكتفوا بمعارضة الثورة، بل شنّوا حرباً عدوانية شعواء على اليمن أرضاً وإنساناً.
ورغم ما تسبب به العدوان من دمار ومعاناة، إلا أن اليمن صمد شعباً وقيادة، وانطلقت الثورة في مسارها وأهدافها، متجاوزة العراقيل والعقبات، خصوصاً تلك التي يضعها أذناب التحالف السعودي-الإماراتي-الأمريكي-الإسرائيلي. وقد أثبتت الأيام أن اليمن عصيّ على الانكسار، وأن الله غالب على أمره، ولكن أكثر المنافقين لا يعلمون.
إن ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد حركة احتجاج، بل كانت ثورة وعي وسيادة وكرامة. لقد أعادت الاعتبار للشعب اليمني، وأثبتت أن هذا البلد العريق قادر على حماية هويته وقراره، مهما تكالبت عليه قوى الاستكبار العالمي وعملاؤها. وسيبقى الأحرار الذين قادوا هذه الثورة وضحوا في سبيلها، منارات تهدي الأجيال القادمة نحو التحرر والاستقلال، حتى يتحقق لليمن دولته العادلة، القوية، المستقلة.