البلطجة والإمعان في العربدة الإسرائيلية لم يأتيا من فراغ. إنَّ ما نراه اليوم من توسعٍ في العدوان، وجرأةٍ على استباحة الدول والسيادات وصولاً إلى استهداف دولة عربية مثل قطر، هو ثمرةُ سياسةٍ عربية وإسلامية اعتمدت طوال سنوات على الكلمات والبيانات والخطابات فقط – توقيعات على أوراق، بيانات تضامن تُذاع ثم تُنسى، واتصالاتٍ دبلوماسية تُقاس بالعبارات لا بالأفعال. هذه المقاربة ليست مجرد خطأ سياسي، بل هي «استراتيجية غباء مفرط» تُسهّل على العدوّ أن يصعد ويعيث في الأرض فساداً دون ثمن يُذكر.
في كل دول العالم ومؤسساته، لا تُقبل استراتيجيةٌ تقابل انتهاك السيادة وارتكاب المجازر بخطاباتٍ مصاغةٍ بعناية ثم تُرمى في رفّ النسيان. ذلك لأن الفطرة البشرية والمنطق الاستراتيجي يرفضان أن تُترك كرامة الشعوب ومقدساتها لردودٍ لفظيةٍ لا تردع الجريمة ولا تحاسب المعتدي. أن تُقابل إبادةً جماعيةً، وقتلًا، وخرقًا لسيادة الدول ببياناتٍ تُقرأ ثم تُنسى، فهذا عمى سياسي ونكوص أخلاقي لا يُبرِّره أي مبرر.
الأمر الذي يُزيد الطين بلّة، أن استشعار الخطر أو إعلان الغضب لا يصاحبهما بناء على خيارات عملية: مواقف فعّالة، مواقف دبلوماسية رادعة، مقاطعات اقتصادية وجغرافية، أو حتى تحالفات إقليمية منطقية تُعيد للمدى السياسي ثقله. غياب هذه الأدوات وتحويل السياسة إلى تعابير عاطفية على الورق يمنح المعتدي شعورًا بأنه يملك «المجانية» في العدوان، فيتجرأ على التوسع؛ وهذا ما نراه واضحًا مع محاولات توسيع معادلة الاستباحة لتشمل دولًا خليجية وعربية أخرى. تقارير وأحداث الأيام الأخيرة، ومنها الضربة التي استهدفت مقرًّا في الدوحة أثناء اجتماع يضم الوفد المفاوض لحركة حماس، تؤكد أن الاعتداء بلغ مستوى بالغ من الاستهانة بسيادة الأمة العربية والإسلامية.
واستطرادًا: ما قيمة البيانات إذا لم تترافق مع خطوات ملموسة تُجهزها الدول العربية والإسلامية؟ وما قيمة قممٍ تندِّدُ بالاعتداء إذا بقيت أدوات التنفيذ غائبة؟ إنَّ الاستمرار في منطق «الورقة والبيان» هو تسليمٌ عمليّ لمنطق القوّة العارية، وهو ما سماه السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الكلمة الأسبوعية «استراتيجية الغباء المفرط»: غباء يترك المجال للكيان كي يكبر، ويُظهر العجز حيث يجب أن يكون الحزم.
خلاصة القول: إذا أرادت الأمة أن تحمي مقدساتها وكرامتها، فإنها مطالبة بتحويل الخطاب إلى فعل سيادي حاسم — سياساتٍ رادعة، عقوباتٍ حقيقية، مواقفٍ موحدة قابلة للتنفيذ، وربما إعادة ترتيب أولويات التحالفات بما يضمن ثمنًا حقيقيًا لكل اعتداء. مواصلة السير في مسلك التصفيق اللفظي وحده ليس خيارًا؛ بل هو وصفةٌ لاستمرار الإهانة وتوسُّعها. الأمر لا يتعلق بمزيدٍ من الكلمات، بل بمزيدٍ من المواقف العملية التي تكفُّ عن منح المعتدين «الغطاء» الذي يحتاجونه ليستمروا في غيّهم.
Prev Post