خطاب السيد القائد.. بوصلة المواجهة الاستراتيجية في وجه ” إسرائيل الكبرى “

سند الصيادي

 

خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يوم الخميس ١٩ ربيع الأول لا يقتصر على توصيف واقع العدوان الإسرائيلي في غزة وسوريا ولبنان، بل يكشف بوضوح عن طبيعة المشروع الصهيوني–الأمريكي الذي يستهدف المنطقة برمتها، والخطاب جاء تحذيرًا استراتيجيًا من مرحلة جديدة يسعى فيها العدو لفرض “معادلة الاستباحة”، بالاستفادة من حالة الانقسام الداخلي العربي والإسلامي، والتواطؤ الدولي والإقليمي.

• العدوان على سوريا.. بوابة التوسع

الغارات الإسرائيلية المتصاعدة على سوريا ليست مجرد ردود فعل أمنية، بل تعبير عن نية توسعية واضحة، و”ممر داوود” الذي تحدث عنه السيد القائد يمثل خطة استراتيجية لربط النفوذ الإسرائيلي بالوجود الأمريكي في الفرات، وبالتالي فتح المجال أمام السيطرة على عقد جغرافية حيوية تربط العراق بسوريا والأردن، هذا التحرك، إذا نجح، سيحوّل سوريا إلى خاصرة رخوة تمكّن الاحتلال من التمدد نحو الشرق العربي.

• لبنان والمقاومة.. معركة السلاح

الضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح المقاومة ليست معزولة عن مشهد الحرب على غزة أو الغارات على سوريا، بل هي خطوة مكمّلة لضمان أمن الكيان الصهيوني على حدوده الشمالية، وتجريد الشعب اللبناني من عنصر الردع الوحيد، والمفارقة التي أشار إليها السيد القائد واضحة: العرب يُجردون من وسائل الدفاع، بينما تُغرق واشنطن تل أبيب بأحدث الأسلحة، إنها محاولة لصياغة معادلة مختلة تمنح الاحتلال اليد الطولى دون مقاومة.

• العراق والأردن.. أهداف مباشرة

تحذير السيد القائد من أن الخطر الإسرائيلي يمتد إلى العراق والأردن، يؤكد أن المخطط الصهيوني لا يتوقف عند حدود فلسطين أو الجولان، بل يستهدف المجال الحيوي الممتد من الفرات إلى البحر الأحمر، والسيطرة على هذا المجال تعني عمليًا تطويق دول الجوار، وإعادة رسم الخريطة بما يخدم مشروع “إسرائيل الكبرى”.

• الموقف الأمريكي.. عقيدة لا تكتيك

ومن النقاط المحورية في خطاب السيد القائد، كشفه “الخلفية العقائدية” للموقف الأمريكي، فواشنطن لا تدعم إسرائيل بدافع مصالح سياسية فقط، بل تنظر إلى تمكين الصهيونية كمهمة دينية مرتبطة بمعتقدات توراتية وإنجيلية متطرفة، هذا ما يفسر الانحياز المطلق، ورفض أي حلول عادلة، مستدلا بما حدث ويحدث، وآخرها معاقبة السلطة الفلسطينية نفسها ومنعها من الحضور في المحافل الدولية، هنا يؤكد السيد القائد أن الرهان على أمريكا هو “سراب”، وأنها شريك أصيل في المشروع الصهيوني لا مجرد وسيط.

• الدلالات الاستراتيجية للخطاب

لم يكن السيد القائد بصدد توصيف أحداث متفرقة، بل كان يرسم بخطوط واضحة صورة الصراع الكبرى، لقد أراد بإيمان خالص ووعي واسع، أن يوسّع مدارك الأمة ويجمع وعيها على حقيقة أن ما يجري في غزة ليس منعزلاً عمّا يحدث في سوريا والعراق ولبنان؛ إنها جبهة واحدة ومعركة واحدة، وعدوّ واحد يتنقل بين الساحات ليُحكم الطوق على المنطقة كلها.

ولأن البصيرة أسبق من البندقية، جاء التحذير المبكر: “ممر داوود” ومشروع “إسرائيل الكبرى” ليسا مجرّد أوهام، بل حقائق يجري العمل عليها بخطوات متسارعة، وجاء هذا الخطاب بمثابة ناقوس خطر يدوّي في أرجاء الأمة، ليقول إن الزمن لا يعمل لصالح المتخاذلين، وإن إدراك المؤامرة قبل اكتمالها هو نصف طريق النجاة.

في صلب الموقف، ثبّت السيد القائد معادلة لا لبس فيها: المقاومة هي الخيار الوحيد، فلا واشنطن تحمل خلاصاً، ولا موائد المفاوضات إلا سراباً، ونقده لمسار السلطة الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسي، بل إعلان واضح أن من يراهن على العدو وأعوانه يضيع نفسه ويضيع قضيته.

وحدها المقاومة، بوعيها ودمائها، قادرة على كسر المشروع الصهيوني، بعد أن تكشفت ازدواجية المعايير الدولية واكتملت الصورة، فالأمم المتحدة والجامعة العربية، والمؤسسات الإقليمية لم تعد سوى ستار لعجز فاضح أو تواطؤ مكشوف، ومن يضع آماله فيها، كمن يركض خلف السراب في صحراء قاحلة.

والخلاصة، إن ما قدّمه السيد القائد لم يكن خطابًا عاطفيًا يستدر المشاعر، بل رؤية استراتيجية تُشخّص الداء وتكشف طريق العلاج، إنها صرخة في وجه الجهل والتظليل، ما يحدث اليوم في غزة وسوريا ولبنان ليس إلا بداية لمسار يريد أن يبتلع العراق والأردن ومصر وسائر الأمة، والرسالة الأخيرة كانت بليغة وحاسمة: إما أن تنهض الأمة بوعيها وإيمانها ومسؤوليتها، أو تُفرض عليها معادلة الاستباحة، والخيار الأول أعز وأشرف وأضمن وأن بدت كلفته باهظة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا