
أكد خبراء اقتصاد أن السياسة طغت على الاقتصاد في برنامج الحكومة المقدم إلى مجلس النواب.. داعين الحكومة إلى دراسة الوضع الاقتصادي بشكل دقيق لتشخيص ووضع أولويات تكون منطلقة من رؤية واضحة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلد.
“الثورة” أجرت استطلاعا مع عدد من الأكاديميين وخبراء اقتصاد لمعرفة قارءتهم لبرنامج الحكومة المقدم لمجلس النواب من الناحية الاقتصادية ومعرفة مدى تناوله للجانب الاقتصادي مقارنة بالجانب السياسي.
البداية كانت مع الدكتور أمين ناجي –أستاذ اقتصاد- الذي قال: الملاحظ على برنامج الحكومة المقدم لمجلس النواب كأنه وضع بصورة مستعجلة من أجل أخذ الثقة من قبل الحكومة لكن الكثير مما يحتويه البرنامج لا يمثل وجود أهداف وسياسات وإجراءات مكتملة للاهتمام بالجانب الاقتصادي فنجد مثلاٍ أن البرنامج أشار إلى أنه سيعتمد في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية على اللجنة الاقتصادية المشكلة من قبل رئيس مجلس الوزراء.. وهذه اللجنة لا زالت حتى الآن لم تجتمع ولم تناقش وتدرس طبيعة الوضع الاقتصادي أو تقدم توصياتها في هذا الجانب وهذا يعني أن السياسات المقترحة في الجانب الاقتصادي في كثير من الحالات ستعتمد على مخرجات هذه اللجنة الاقتصادية وهناك ملاحظة على اللجنة الاقتصادية أنها لم تتضمن ممثلين عن القطاع الخاص وهنا تكون مشكلة إذا كنا نريد تحسين الوضع الاقتصادي بصورة عامة يفترض أن يوجد فيها ممثلون عن جميع الأطراف العملية الاقتصادية والقطاع الخاص جزء مهم جدا في هذه المرحلة من أجل أن يعرفوا كيف يمكن أن تتم عملية تحفيز القطاع الخاص للمشاركة في العملية الاقتصادية من أجل تحفيز الاستثمارات الخاصة والذي تنعكس عليها استثمارات خارجية.
وأضاف الدكتور أمين: الملاحظ أيضا أن البرنامج تمت الإشارة فيه إلى بعض المؤشرات الاقتصادية التي استعان بها البرنامج لإعطاء صورة عن طبيعة الأوضاع خاصة الاقتصادية الموجودة في البلد فأتى بمؤشرات مثلا عن مستوى البطالة ومستوى عجز الموازنة العامة للدولة وحجم الدين الخارجي الذي تجاوز حجم الإيرادات الداخلية الذاتية للدولة نفسها.. بالمقابل وضع مؤشرات أخرى من ضمنها انخفاض معدل الناتج المحلي الحقيقي ونمو الاقتصادي وعملية الاستثمار.. وهذه المؤشرات كان يفترض أن يتبعها معرفة طبيعة السياسات التي سوف تستخدم للخروج من هذا الوضع الاقتصادي المزدوج.. وفي هذه الحالة إما تعمل سياسات مالية توسعية للخروج من حالة الركود أو تستخدم سياسة مالية تقشفية للخروج من حالة التضخم.. لكن المقترحات الموجودة في البرنامج توجد فيها خلط وهناك ازدواج وهناك مقترحات تدخل ضمن السياسة المالية التقشفية وهناك مقترحات تدخل ضمن السياسة المالية التوسعية.. وهذا أيضاٍ من المستحيل القيام به أو اعتباره مخرجاٍ للوضع الاقتصادي القائم.
البيئة الأمنية
فيما يقول الدكتور عدنان الصنوي –رئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية: بدون شك أن أوليات الحكومة هو الجانب الأمني والاستقرار السياسي, لأن الوضع الاقتصادي مرتبط ارتباطاٍ تاماٍ بالوضع الأمني ولا يمكن أن تبدأ الحكومة ببرنامج اقتصادي قبل تهيئة البيئة الامنية والسياسية وخاصة خلال هذه المرحلة فظهور الحكومة بتصريحات حول تحسين الوضع الاقتصادي خلال هذه الفترة هو ضرب من المحال ما لم يسبقه تحسين في الوضع السياسي وتجاوز المرحلة الانتقالية بكل استحقاقاتها بنجاح لأننا إذا تجاوزنا هذه المرحلة بسلام فسيتحقق الامن والاستقرار وستنفتح الاجواء الاقتصادية للبلد.
وأضاف الدكتور الصنوي: خلال السنوات الثلاث الماضية منذ عام 2012م وحتى 2014م بلغ خسائر الحكومة نتيجة للاعتداءات المتكررة على خطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء إلى ما يقارب تريليوناٍ واربعمائة واثنين وثمانين مليار ريال يمني بما نسبته 94 % من اجمالي العجز الصافي لهذه السنوات بالإضافة لما تتكبده الحكومة من خسائر نتيجة للانفلات الأمني وقد أدى عدم الاستقرار السياسي الى تكوين بيئة طاردة للاستثمار وأضف إلى ذلك تكبد الحكومة ملياراٍ ونصف المليار دولار سنويا وذلك في دعم المشتقات النفطية ولا ننسى أيضا المؤشرات الاقتصادية التي توضح ارتفاع حجم البطالة فوق 50 % ونصف السكان يعيشون تحت خط الفقر.
خطوة جيدة
وقال رئيس مركز بحوث التنمية: يمثل برنامج الحكومة خطوة جيدة في طريق تحقيق الاستقرار السياسي والذي سينعكس بشكل إيجابي على الوضع الاقتصادي في البلد ويعتبر هذا البرنامج مثله مثل غيره من البرامج الرائعة ولكننا في هذا البلد نفتقد إلى التنفيذ وإلى الخبراء المتخصصين فكم من الخطط والقرارات كانت لدغدغة العواطف, ويجب على الحكومة استقطاب الكفاءات والبدء الفوري بمكافحة الفساد والتي تتمثل بالشفافية المطلقة أمام الشعب فالمرحلة صعبة ولا تحتمل أي فشل آخر ويجب أن يكون عنواناٍ لهذه المرحلة النجاح أو النجاح فلا مجال للفشل الذي أن حصل ستكون له عواقب كارثية.. وأشير هنا الى أموال المانحين والتي لا يمكن للحكومة أن تستوعبها أو توظفها مالم يكن هناك استقرار أمني فيعتبر الاستقرار الأمني هو ركيزة أساسية في بناء أي بيئة اقتصادية جذبة, وجميل ما ذكر في برنامج الحكومة حول تصحيح الأوضاع الأمنية واستعادة هيبة الدولة واعتبرتها من الخطوات الطارئة المستعجلة ولكن المشكلة كما ذكرنا تكمن في التنفيذ وعليه نطلب من الحكومة في ترجمه برنامجها الى خطط تفصيلية وإجرائية وذلك من خلال تشكيل لجان متخصصة وتمارس مهامها في العلن وتحت اطلاع الشعب, فمعظم بنود برنامج الحكومة رائعة ولكنها تفتقر الى الآلية للتنفيذ ويجب أن تكون الآلية واضحة ومزمنة. وفي الأخير نتمنى للحكومة التوفيق والنجاح في مهامها المنوطة بها واشدد مرة ثانية هنا يجب على الحكومة أن تترجم برنامجها الى خطط تنفيذية مفصلة وواضحة لكي يتكلل برنامجها بالنجاح.
برنامج صعب
من جانبه قال الدكتور شاكر الشايف –أستاذ أكاديمي بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية: بالنسبة لبرنامج الحكومة اليوم برنامج شبه صعب على الحكومة تنفيذه نتيجة للأوضاع الأوضاع السياسية تفرض الأمر الواقع على الجانب الاقتصادية فالجانب الأمني له دور كبير في عملية الاستقرار الاقتصادي في البلاد التدهور الاقتصادي الحاصل نتيجة لعدم قدرة الدولة على جمع إيراداتها المحلية أو المركزية أدى إلى نوع من التدهور الاقتصادي في البلاد.
وأاف الدكتور الشايف: عندما نقوم بوضع برنامج اقتصادي أو تقوم الحكومة بالتركيز على إنعاش الاقتصاد الوطني في ظل عدم وجود استقرار سياسي وأمني لا يمكن أن نقوم بالتنمية الاقتصادية بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة على جمع إيراداتها المالية بالإضافة إلى عدم القدرة على حماية أنابيب النفط.. ولذلك لم تهمل الحكومة الجانب الاقتصادي بشكل رئيسي لكن التنمية الاقتصادية اليوم في البلاد تعتمد بشكل أساسي على المساعدات والهبات الأجنبية بشكل كبير جدا وتعهدات المانحين ومن أجل استقرار اقتصادي كامل يجب أن نقوم بإعادة الاستقرار الأمني والسياسي على المستوى الوطني وأعتقد أن الحكومة تعتبر أداة لتنفيذ السياسة العامة للدولة وفقاٍ للاحتياجات التي تراها الإدارة العامة للدولة بمعنى أنها لا تقوم برسم أشياء غير موجودة كما أنها تعتمد على بيانات وإحصائيات موجودة ومرفوعة من الجهات الإدارية للدولة.
اختلالات
من جانبه يقول الدكتور عبدالله الخولاني –أستاذ الاقتصاد رئيس مركز البرامج الخاصة بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية: لا شك أن الحكومة الجديدة تواجه تحديات جسيمة للغاية كونها قد تشكلت في ظروف خطيرة وصعبة يمر بها الوطن على المستويين السياسي والأمني ألقت هذه الظروف أعباءٍ ثقيلة على كاهل الاقتصاد الوطني بشقيهº الجزئي والكلي ففاقمت الاختلالات الاقتصادية وكذا الأمنية التي توارثتها الحكومات المتعاقبة لاسيما خلال الفترة المبتدئة باشتعال الثورة الشبابية الشعبية وامتدادها إلى يومنا هذا بل وربما إلى ما هو أبعد من ذلك. وهذا يجسد الحظ العاثر للحكومة الحالية أيا كانت تركيبتها تكنوقراطية أم توافقية خصوصا بعد أن تبددت هيبة الدولة واهترأ تماسكها الهيكلي حتى باتت الوحدة الوطنية مهددة هي ذاتها بالتشظي الجغرافي والسكاني على أسس مذهبية ومناطقية وربما إثنية.
وأضاف الدكتور الخولاني: ومهما أْحúكمت صياغة برنامج الحكومة في جانبه الاقتصادي –وهذا ما لاحظته من قراءتي السريعة للبرنامج- فإن تنفيذ ما ورد فيه هو الأهم اليوم. وهذا الأمر يعتمد على توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة لذلك أنا –شخصيا- لست قلقا من الادعاء بأن الجانب الاقتصادي قد تعرض للإهمال في برنامج الحكومة لمصلحة الجانبين السياسي والأمني… فعلى الرغم من أن الاقتصاد هو الأساس بل إن معاناة المواطنين يكمن شقها الأكبر في الجانب الاقتصادي بيد أن الحقيقة الدامغة والتجارب التأريخية التي مر بها اليمن والبلدان الأخرى تؤكد على أن السياسة والأمن هما الحاضن الرئيس للاقتصاد فليس هناك ثمة اقتصاد قوي ولا تنمية شاملة بدون توفر بيئة سياسية يتمتع فيها الأفراد والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بقدر كاف من ممارسة الحرية السياسية بمفهومها الديمقراطي وإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية المعبرة عن الحرية الاجتماعية لأن ضمان تحقق الحرية بجناحيها السياسي والاجتماعي يفضي إلى تضييق التناقضات السياسية والاجتماعية في مجتمع يتدنى فيه الوعي السياسي والاجتماعي كونه مازال يحبو بصعوبة من أجل التحرر من قيود اجتماعية ومراكز قوى متخلفة تْضِيق عليه الخناق كلما حاول أن يتقدم باتجاه بناء الدولة المدنية الحديثة التي –لا ريب- تشكل تهديداٍ لمصالح القوى التقليدية وهو ما يدفع هذه القوى – على الرغم من تناقض مصالحها- إلى التحالف في النهاية من أجل عرقلة أية خطوة جادة باتجاه تحقيق حلم شباب الثورة.
السياسة
ويقول أستاذ الاقتصاد: يجب ألا يسيطر على الحكومة هاجس الجانبين السياسي والأمني على حساب الاقتصاد مع التسليم بأهميتهما وإنما بالإمكان أن تتزامن بعض جوانب الإصلاح الاقتصادي مع الإصلاحات السياسية وتوفير البيئة الآمنة للممارسة الاقتصادية وذلك من خلال تطبيق بعض الإجراءات الاقتصادية التي أعتبرها إجراءات إسعافية تمنع من تفاقم الاختلالات الاقتصادية بل وتعفي الحكومة الوليدة من اللجوء إلى ما لمحت إليه في برنامجها من إصلاحات سعرية قد تؤدي إلى مزيد من الاختلالات الأمنية والسياسية مثلما حدث مع الحكومة السالفة.