ورة التغيير والبناء

يكتبها اليوم /  عبدالرحمن مراد

– الإهداء : إلى حكومة التغيير والبناء بمناسبة مرور عام على تشكيلها

لقد ازداد الشعور اليوم بأن الأخلاق الاجتماعية هي أساس أخلاق التغيير الاجتماعي وأصبح على المجتمع الحركي أن يشجع العقلانية حتى نصل إلى قناعة بأن المستقبل الاجتماعي قائم على البراعة لا قدراً مقدوراً، وفرص النجاح هي في الإنجاز لتحقيق النفع العام للبشر وفي العدل وفي القدرة على تقديم النموذج الأمثل لا في الجمود .

‬فالعقلانية‮ ‬ترى‮ ‬أن‮ ‬طريق‮ ‬التفكير‮ ‬والعمل‮ ‬هي‮ ‬الأدوات‮ ‬التي‮ ‬نحقق‮ ‬بها‮ ‬المقاصد، وبها ينجح‮ ‬الرجال‮ ‬أو‮ ‬يفشلون‮ ‬باختبار‮ ‬ما‮ ‬ينجزونه‮ ‬في‮ ‬الحياة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

يقول أحد المفكرين : إن الحداثة السياسية تقتضي عقلنة السلطة، واستبدال عدد كبير من السلطات التقليدية، بسلطة سياسية وطنية عقلانية ، ويعني هذا التغيير في المفهوم أن الحكومة هي من إنتاج الإنسان وليس من إنتاج غيره.

ومن الخطأ كما يقول- أحد المفكرين – : “ أن نستنتج أن الحداثة تعني – في الممارسة – عقلنة السلطة، وتمايز البنية، وتوسيع المشاركة السياسية، هناك فرق أساسي يجري تجاهله أحياناً بين الحداثة السياسية المعرفة بالتحرك من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، والحداثة السياسية، المعرفة بالمظاهر السياسية، والتأثيرات السياسية للحداثة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تضع الأولوية للاتجاه الذي يجب أن يتحرك نحوه التغيير السياسي نظرياً، وتصف الأخيرة التغييرات السياسية التي تحدث فعلياً في بلاد آخذة في الحداثة، الفجوة بين الاثنين عادة واسعة، تقتضي الحداثة في الممارسة دائماً تغييراً، وعادة تفسخاً في النظام السياسي التقليدي، ولكنها لا تقتضي بالضرورة حركة ذات أهمية في اتجاه نظام سياسي حديث، ومع ذلك كان الميل إلى افتراض أن ما هو صحيح للعملية الاجتماعية الأوسع للتحديث هو ايضاً صحيح للتغييرات السياسية‮ “.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

فدول الغرب مثلا اشتغلوا على قضايا التنمية والتحديث، وحصلت مجتمعاتهم على ميزات اجتماعية من القوة، والثروة، والمهارة، والعقلانية وهم أنفسهم لم يتنكروا للمنتج الحضاري الإسلامي ويكاد يكون ابن رشد هو المشكاة التي أضاءت ظلام العصور الوسطى فانطلقوا منها، وطالما ونحن نتحدث عن رسالة خاتمة، وعن عالمية هذه الرسالة فالنتيجة برمتها هي إنسانية، وليست نطاقاً قومياً يمكن التقوقع فيه، بالمعنى القريب يمكننا الاستفادة من تجارب المجتمعات الحديثة وذلك ليس عيبا ولا منقصة .

ما هو ثابت أن المجتمع الإنساني هو من خدم الإسلام لغة، وبلاغة، وحديثاً، وفكراً، واستنباطاً، وتفسيراً، وقياساً وفقهاً وتشريعاً، وفكراً وحين تلاقحت المعارف الإنسانية أصبح هناك تراث معرفي إسلامي صنع حضارة، وقف الآخر مبهوراً بها وأرسل من أبنائه من يطلع عليها، ويتعلم منها ,كما تشير إلى ذلك النصوص التاريخية الثابتة، وحين حاولنا الاستغراق في الذات ذهبت ريحنا وصغرنا، وشغلنا أنفسنا بباب الطهارة والنجاسة، وعقود البيع ,وزواج “فرند”، و”المسيار”، وغبنا عن التفكير في القضايا الجوهرية التي تشغل الإنسانية جمعاء، وغاب تفكيرنا عن بناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم .

علينا أنْ نؤمن أن الحكومة هي من إنتاج الإنسان وليس من إنتاج غيره، ولذلك فالتحديث الذي نتخوف منه هو القول باستبدال السلطات التقليدية ، بسلطة سياسية وطنية عقلانية تأخذ بأسباب المعارف الحديثة وبالتقنيات والتطبيقات الاجتماعية التي تتسق مع مجتمعنا وقيمه.

فالعقلانية لا تعني أكثر من الخروج من سلطة النص وفهم التراث من منطق التراث إلى التجريب وفق أسس المنهج العلمي في القضايا التي لها علاقة بحركة الانتقال والتطوير للمجتمعات ,ومثل ذلك كله يتمّ خارج التصور العقائدي والروحي الذي يظل الاشتغال عليه من الضرورة التي تخلق التوازن النفسي والروحي , في مقابل مفردات الواقع وتجلياته وحركة انتقاله وتطوره في المكان ,وهذا يقودنا إلى القول بضرورة التفكير النقدي الذي يعرفه الفلاسفة بالقول: إنه تفكيك المهمات الذهنية الفرعية التي تشمل تحليل الحقائق، وتنظيم الأفكار, والدفاع عن الآراء، وعقد المقارنات والخروج بالاستنتاجات وتقييم الحجج وحل المسائل واتخاذ القرارات, وآخرون يرونه ملكة ذهنية، يصفها البعض بأنها غريزة هادفة وواعية وإرادية، وهي وليدة التعليم والتدريب والالتزام بالانضباط الفكري، وتشمل أدوات التفكير النقدي: التأول وتقييم المعلومات والخبرات، وتتدخل فيه مجموعة من الميول النفسية والقدرات الذهنية التي تعمل على ترشيد رؤي المجتمع على أساس عقلاني يحقق المصالح المرسلة للأمة .

إذن التفكير النقدي شرط ضروري لتجديد العقل العربي وتحديث الفكر العربي، وبه ومن خلاله نستطيع تغيير الوضع وكسر قيود التقليد والاستغراق في التبعية، يقول الجابري:

“إن القراءة العصرية للتراث التي نقترحها ونطبقها هدف إلى جعل المقروء معاصراً لنفسه على صعيد الإشكالية النظرية والمحتوى المعرفي والمضمون الآيديولوجي أي قراءته في محيطه الاجتماعي التاريخي من جهة، وفي ذات الوقت جعله معاصراً لنا من جهة أخرى على صعيد الفهم والمعقولية.. وهذا فيما أعتقد هو المعنى الحقيقي والعميق للاجتهاد كما مارسه كبار علماء الإسلام ولكن مع تلوينات وتنويعات وتفريعات تختلف باختلاف الموضوعات. أما القوالب الجاهزة الجامدة، سواء أكانت قديمة أم حديثة، فهي لا تملك أنْ تقدم غير شيء واحد هو القراءة التراثية للتراث التي تجر حتماً إلى القراءة التراثية للعصر: قراءة عصرنا بنفس تراثنا أو بتراث آخر وثقافة أخرى..) .

وحكومة التغيير والبناء وهي تودع اليوم عامها الأول- معنية أن تقف على أطلال عامها الأول وهي تدرك تمام الإدراك أن تقويض المجتمع التقليدي وبناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم يتطلب كما يقول – دانييل ليرنر- مؤسسات حديثة لا آيديولوجيات حديثة، وسلطة حديثة لا غايات حديثة وثروة حديثة لا حكمة حديثة، وسلعاً استهلاكية حديثة لا أساليب منحرفة حديثة.

وأن تعمل على تفعيل دور العقل النقدي على اعتبار أنه تفكيك المهمات الذهنية الفرعية التي تشمل تحليل الحقائق، وتنظيم الأفكار، وعقد المقارنات، والخروج بالاستنتاجات وفق أسس علمية وتقييم الحجج , وحل المسائل واتخاذ القرارات.

 

 

قد يعجبك ايضا