يعكس حراك الاردن الدبلوماسي المكثف وموقفه الحازم حيال الوضع القائم في القدس تمسكا بدوره التاريخي تجاه المسجد الأقصى الذي رأى محللون ان أي إضرار به “يمس شرعية” النظام الهاشمي وامن المملكة.
وعقد وزير الخارجية الاميركي جون كيري في عمان الخميس الماضي اجتماعا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل ان يلتقي عاهل الاردن عبد الله الثاني ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو اللذين اتفقا على خطوات “لنزع فتيل التصعيد” في القدس و”اعادة بناء الثقة”.
وجاءت الاجتماعات بعد أسبوع على استدعاء المملكة التي تشرف على مقدسات القدس سفيرها من تل أبيب احتجاجا على “انتهاكات اسرائيل المتكررة” في المدينة وتلويح عمان بمراجعة معاهدة السلام الموقعة مع اسرائيل عام 1994م.
ويقول عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية لوكالة الأنباء الفرنسية: ان “استدعاء السفير الاردني من اسرائيل والحراك الدبلوماسي النشط اوصل رسالة حازمة لاسرائيل بأن الأقصى في كفة ومعاهدة السلام في كفة”.
واضاف: ان “كيري لم يكن ليأتي الى المنطقة ويقطع جدول اعماله المزدحم لولا ادراك واشنطن ان الوضع على المسارين الاردني والفلسطيني في العلاقة مع اسرائيل يتدهور”.
واوضح ان “الانتهاكات التي تعرض لها الأقصى تمس مباشرة بالقيادة الاردنية وتضرب صدقيتها وشرعيتها وقدرتها على الوفاء بالتزامات الرعاية واحراجها امام شعبها بما يهدد امن المملكة واستقرارها”.
ورأى ان “ما جرى ينتهك الوصاية الهاشمية التاريخية ومعاهدة السلام مع اسرائيل ويشكل ضربا للاتفاق الفلسطيني الاردني الذي كرس الرعاية الهاشمية”.
ويقول الرنتاوي: ان الاتفاق “كرس وضعا قائما ورعاية الأقصى جزء من الشرعية الدينية للهاشميين منذ ان فقدوا رعاية الحرمين في مكة والمدينة (بالسعودية)”.
ووقع عاهل الاردن والرئيس الفلسطيني في مارس 2013م اتفاقا يكرس وصاية الأردن على مقدسات القدس المتفق عليها شفويا عام 1924م في عهد الشريف حسين بن علي الهاشمي المدفون في القدس والذي اغتيل نجله ملك الاردن عبد الله الأول عام 1951م على اعتاب المسجد الاقصى.
وتعترف تل ابيب بموجب معاهدة السلام مع الاردن بوصاية المملكة على المقدسات في القدس الشرقية التي كانت ضمن مدن في الضفة الغربية تخضع للسيادة الاردنية قبل ان تحتلها اسرائيل عام 1967م.
ويتفق المحلل السياسي محمد أبو رمان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الاردنية مع الرنتاوي. وهو يرى ان “رد الفعل الاردني شكل رسالة صارمة والحديث عن مراجعة معاهدة السلام رسالة واضحة”.
ويضيف: ان “الاعتداءات على الأقصى تمس بشكل مباشر بالقيادة الاردنية وصورتها وعلاقتها مع المجتمع وترتبط بأسئلة تصل الى حد الشرعية في رؤية الشارع الاردني وحتى العربي للاردن ودوره”.
واكد ان “قضية المسجد الأقصى بالنسبة للاردن قضية داخلية لاعتبارات عدة اولها اتفاقية الوصاية وهي جانب رمزي مهم للعائلة الهاشمية وثانيها ان هناك تفاعلا كبيرا مع القضية في الاردن لاسباب دينية واجتماعية لوجود نسبة كبيرة من المواطنين الاردنيين من اصول فلسطينية”.
ويشكل الاردنيون من أصول فلسطينية نحو نصف عدد سكان المملكة البالغ قرابة سبعة ملايين نسمة.
واوضح ابو رمان ان “الانتهاكات في الأقصى بهذا التوقيت تشكل احراجا كبيرا للقيادة ولموقف المملكة التي دخلت معركة ضد التطرف والارهاب في الاقليم وتفرض سؤالا شعبيا: لماذا يسكت عما يحدث في الأقصى الذي هو تحت الوصاية أليست هذه المعركة أولى بأن تكون معركة الاردن¿”.
واعلنت عمان في سبتمبر الماضي انضمامها لحلف دولي تقوده واشنطن يشن ضربات جوية ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
ورأى ابو رمان ان هناك “تفهما اميركيا للموقف الاردني وضغوطا مورست على اسرائيل التي ارسلت عدة رسائل تخفف فيها من نتائج الحدث على علاقاتها مع الاردن”.
وفي مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الثلاثي الذي ضم الملك عبد الله وكيري ونتانياهو الخميس الماضي قال وزير خارجية الاردن ناصر جودة: ان نتانياهو اكد احترامه للوصاية الهاشمية في القدس وان لا نية لدى اسرائيل لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.
واكد جودة ان “القدس خط احمر” مشيرا الى ان استدعاء السفير من تل ابيب “رسالة الى اسرائيل بأن الامور قد بلغت ذروتها”.
واعتبرت الحكومة الاردنية ان ما شهدته القدس من اضطرابات خلال الاسابيع الاخيرة شكل “طعنة في كل تفكير بالسلام” مع اسرائيل مؤكدة ان سفيرها لن يعود إلا ان رأت تجاوبا اسرائيليا وزالت اسباب استدعائه.
من جهته قال محمد المومني وزير الدولة لشؤون الاعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة: ان “الاردن يحترم معاهداته واتفاقاته ويتوقع من الطرف الآخر ان يحترم معاهداته واتفاقاته”.
واضاف: ان “رسالتنا كانت واضحة وحازمة وتحدثنا بقوة وصراحة بأن كافة خيارات الاردن القانونية والدبلوماسية متاحة لاجل وقف التصعيد الاسرائيلي ضد الاماكن المقدسة الاردن لن يقف مكتوف الايدي ولن يتهاون مع الانتهاكات الاسرائيلية”.
وسمحت اسرائيل امس الاول للمسلمين من كافة الاعمار بدخول باحة المسجد الاقصى لاداء صلاة الجمعة وذلك لاول مرة منذ زمن طويل.
وتشهد القدس الشرقية توترا حادا والسبب الاكبر في تفاقم التوتر يعود الى سعي اسرائيل الى زيادة الاستيطان في المدينة وتخوف الفلسطينيين من ان تقوم بتغيير الوضع القائم في الاقصى او السماح لليهود بالصلاة فيه.
وتسمح السلطات الاسرائيلية لليهود بزيارة باحة الاقصى في اوقات محددة وتحت رقابة صارمة لكن لا يحق لهم الصلاة فيها.