اليمن بحاجة إلى 200 ألف فرصة عمل سنويا ونسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى 52 %

الوضع السياسي الذي يمر به اليمن انعكس سلباٍ على أداء الاقتصاد الوطني وخاصة قطاع الاستثمار الذي دخل مرحلة الموت السريري وهو ما أجبر الكثير من الشركات والمؤسسات على الإغلاق وتسريح الأيدي العاملة.
هذه القضية طرحتها “الثورة” في لقاء مع الدكتور عامر عبدالحافظ القباطي أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة صنعاء والتي حاولت من خلالها التعرف على أثر الواقع السياسي على الاقتصاد الوطني.. فكانت الحصيلة التالية:
* بداية.. ما هي تداعيات الوضع السياسي الذي يمر به البلد على الاقتصاد الوطني¿
– لا شك أن حالة عدم الاستقرار التي يعيشها اليمن قد أثرت على مختلف مجالات الحياة, ولكن التأثيرات الاقتصادية تبقى هي الأكثر أهمية وخطورة, وأول تداعيات هذه المشاكل الاقتصادية تتجلى في تزايد معدلات البطالة وانخفاض مستويات الدخول واتساع نطاق الفقر وزيادة حدته.
هناك دائماٍ علاقة سببية مزدوجة وخطرة بين الفقر والبطالة وبين الأزمات والاضطرابات السياسية, فمن ناحية تتزايد البطالة بسبب ضعف النشاط الاقتصادي بتأثير المشاكل السياسية, ومن جهة أخرى فإن البطالة, وخصوصاٍ بين الشباب, توفر بيئة تستغلها الأطراف السياسية المتصارعة والجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة, وبالتالي تولد المزيد من الاضطرابات والمشاكل السياسية.
وهناك أيضا خطورة مماثلة في مواجهة الأزمات السياسية, إذ تتغير أولويات الإنفاق العام نحو الأهداف السياسية, وتهمل الأهداف والأغراض الاستثمارية والتنموية, وفي حالات كثيرة قد نجد أن الحكومات تحت ضغوط سياسية تلجأ إلى التضحية بالمصالح الوطنية لحل مشاكلها ولا تجد من يردعها بسبب الأزمات وانشغال المجتمع بالصراعات.
الحكومة والمجتمع
* هناك عدد من الشركات والمشاريع الاستثمارية توقفت.. بالتالي تم تسريح عدد كبير من العمال والموظفين.. ما أثر هذا على الحكومة والمجتمع¿
– في مثل هذه الظروف تتزايد درجة المخاطرة التي تواجهها المشروعات الاقتصادية وترتفع تكاليف الإنتاج بدرجة كبيرة وتضاف إليها تكاليف جديدة ذات صلة بالحماية والنقل والتسويق والتأمين وما شابه, ومن جهة أخرى تواجه انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين وتراجع المبيعات, لهذا فلا تستطيع الصمود والبقاء إلا المشروعات القادرة على التكيف مع هذه المتغيرات بينما تضطر نسبة كبيرة منها إلى تقليص نشاطها أو إغلاق أبوابها وتسريح قواها العاملة.
أثر هذه المتغيرات على الحكومة يمكن النظر إليه من عدة زوايا, فمن الطبيعي أن انخفاض معدل النمو الاقتصادي يعني انخفاض إيرادات الدولة كما ستواجه مشكلات في ميزان المدفوعات والميزان التجاري, وتزداد الضغوط على أسعار الصرف وكلها تأثيرات ستؤدي في النهاية إلى مخاطر كبيرة إذا استمرت هذه الأزمة لوقت أطول.
صحيح أن هذه الحكومة هي حكومة انتقالية لها مهام محددة تتمثل في إنجاز الاستحقاقات المتعلقة بنقل السلطة والوصول إلى وضع سياسي مستقر وفق مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة, إلا أن بإمكانها أيضا ومن مسؤوليتها أولاٍ الحيلولة دون حدوث المزيد من التدهور الاقتصادي ومكافحة الفساد وتوفير الظروف المناسبة لاستكمال ما تبقى من الاستحقاقات وأهمها الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية, قد يبدو هذا الحديث بعيداٍ عن الشأن الاقتصادي, لكن الحقيقة أن المدخل الصحيح للحديث عن الاستثمار والبطالة والفقر وإلى ما هنالك, هو وجود بيئة سياسية ودولة حقيقية قادرة على إدارة شؤون البلاد بكفاءة وضمان بيئة تنافسية شفافة وعادلة في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, كون الدولة بسلطاتها الثلاث هي الضامن لحقوق كل الأطراف سواءٍ كانوا أفراداٍ أو جماعات وفئات متواجدة ضمن النسيج الوطني, عندها سيتجه الناس نحو تحقيق مصالحهم وتحصيل أرزاقهم.
إن غياب وضعف الدولة يمكن أن يترجم اقتصاديا في اتجاهين: الأول ظهور بدائل قبلية أو جهوية أو تشكيلات من الجماعات المسلحة تكون بمثابة منتج للخدمات التي يفترض أن تقدمها الدولة وبالتالي هناك استثمارات كبيرة توظف في تقويها وكأنها مشروع استثماري ربحي, والثاني تحول هذه المشروعات السياسية الصغيرة إلى كيانات سياسية تترسخ جغرافيا واجتماعيا ومذهبيا مما يؤدي إلى تمزيق الوطن وتفككه.
200 ألف فرصة عمل
* هل تستطيعون التحدث بالأرقام حول هذا الموضوع¿
– في التقرير الصادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي أن عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل في اليمن بلغ عام 2010 حوالي 228 ألف نسمة جاء ثلاثة أرباعهم من الخريجين والمتسربين من مؤسسات التعليم وأن اليمن بحاجة إلى 200 ألف فرصة عمل سنوياٍ, مشيراٍ إلى أن نسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى 52 %.
و في تقرير صادر عن الأمم المتحدة قال: إن ذلك المعدل وصل إلى 60 % في 2011م, وتحتاج اليمن إلى توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل سنوياٍ لاستيعاب الأعداد المتزايدة للحفاظ على معدل البطالة عند مستواه الحالي وكشف أيضاٍ عن ارتفاع نسبة الفقر في اليمن إلى 54.5 % من مجموع السكان الذين يزيد عددهم عن 22 مليون نسمة بسبب الأزمة السياسية في عام 2011م.
الفترة القادمة
* ما يجب على الحكومة الجديدة عمله خلال الفترة القادمة¿
– تقع على الحكومة الجديدة مهام تاريخية بكل معنى الكلمة, المطلوب منها أن تظهر للشعب أنها حكومة اليمن كله وأن مشروعها هو المشروع الوطني الجامع لكل أبناء اليمن, وباعتقادي أن إشارات بسيطة في هذا الاتجاه من وزارات هامة كالوزارات العسكرية والأمنية, والوزارات الخدمية مع خطاب إعلامي وطني نزيه وعقلاني يجمع ولا يفرق ويركز على الأهداف العليا للمجتمع, فإنني على ثقة بأن الشعب اليمني سيحتضنها ويقف وراءها تاركاٍ المشروعات الصغيرة وحدها. نقول هذا لأننا نعتقد أنه في هذه اللحظة فإن الأولوية هي لحل المشكلة السياسية والعودة إلى المشروع الوطني الجامع ألا وهو تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بدرجة مقبولة إن لم يكن بالإمكان تنفيذه بحذافيره.
نقول هذا بناءٍ على خلفية نظرية اقتصادية تؤكد بأن السلوك الاقتصادي للناس يتأثر بدرجة كبيرة بتوقعاتهم المستقبلية وبحالتهم النفسية من حيث التفاؤل أو التشاؤم, فالإنسان سواءٍ كان مستهلكاٍ أو منتجاٍ ومستثمراٍ, تختلف قراراته وتصرفاته الاقتصادية بتغير الظروف السياسية, فعلى سبيل المثال ستجد الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود بسبب توقعات أو مخاوف قد تكون نتيجة إشاعات وتزدهر السوق السوداء لهذه المواد, وسيتهافت الناس على تكديس وتخزين المواد الاستهلاكية في حالات الاضطرابات السياسية والاجتماعية, ومن الجانب الآخر ستجد أن المستثمرين وأصحاب الأعمال يتصرفون بحذر أكبر ويلجأون إلى تخزين واحتكار البضائع تحسباٍ لارتفاع الأسعار, وكل هذا بالتأكيد يؤثر سلبا ويضيف أعباءٍ جديدة على الاقتصاد. ولذلك فإن أي إشارات إيجابية من طرف الحكومة الجديدة ستجد لها أصداءٍ قوية لدى شعب تواق إلى بصيص من الأمل لاستعادة حياته الطبيعية وانفراج أزماته, وسينعكس ذلك إيجابياٍ على الأسواق المختلفة بما فيها سوق العمل, وستتحسن الحوافز على الاستثمار مع الاستقرار التدريجي في البلاد.
معوقات الاستثمار
* ما هي معوقات الاستثمار في البلد.. وهل يساهم المستثمرون في خفض أو رفع نسبة البطالة في اليمن¿.. وكيف¿
– معوقات الاستثمار كثيرة ومتشعبة وهي مشكلة قديمة كانت موجودة قبل نشوب الأزمة, ولعل أهمها تشوه بيئة الأعمال وضعف التنافسية والحوكمة, وسوء أداء المؤسسات الحكومية وغياب الشفافية والحكم الرشيد . كما أن نقص البنية التحتية والخدمات وضيق الأسواق وانخفاض القدرة الشرائية وتخلف أساليب الإنتاج وغيرها تعد من أهم معوقات الاستثمار في أي مكان.
ويجب أن يذكر للحكومة وللسلطة الانتقالية أنها رغم كل هذه المشكلات وطول المدة التي عاشتها البلاد في حالة عدم الاستقرار منذ 2011 إلا أنها استطاعت المحافظة على الاستقرار في المؤشرات الاقتصادية الكلية كالتضخم وأسعار الصرف مما ساعد إلى حد كبير في التخفيف من آثار الاضطرابات السياسية على النشاط الاقتصادي وعلى الاستثمار, ولو حدث ولا سمح الله إذا انخفض سعر الصرف للريال اليمني مقابل الدولار فإننا سنشهد كارثة اقتصادية واجتماعية مؤكدة.
الدول المانحة
* هل يمكن الاستفادة من دعم الدول المانحة في التخفيف من البطالة وتشغيل الأيادي العاملة التي تم تسريحها خلال الفترة الماضية¿
– لدى اليمن فرصة كبيرة في الحصول على الدعم من المانحين ولا زالت نسبة كبيرة من التعهدات في انتظار إيفاء اليمن بالاشتراطات الموضوعة من قبل المانحين وحالت ظروف البلاد دون تحقيقها, إن الاستفادة من هذا التمويل في حل مشكلات التشغيل والبطالة مرهون باستخدامها في نوعية من المشروعات تتميز بالتكثيف في عنصر العمل سواءٍ كانت مشروعات ضخمة كمشروعات البنية التحتية أو المشروعات الصغيرة.

قد يعجبك ايضا