الدستور الجديد يصون وحدة وعقيدة الجيش ويمنح المرأة والشباب مساحة اكبر في المشاركة


إعداد / هشام المحيا –

ثورة سبتمبر مهدت لواقع جديد أصبحت لليمنيين فيه حقوق مكفولة دستوريا

منذ أن أمسك الأئمة بزمام الحكم في اليمن عام 1918م وحكموه بالحديد والنار والمحاولات الثورية لم تتوقف حتى قيام النظام الجمهوري في 26سبتمبر 62م الذي جاء ليضمن لليمنيين عبر دستور جمهوري الحياة الكريمة بكل تفاصيلها وبعد حوالي 52عاما من عمر الثورة قرر اليمنيون ــ بعد نضال طويل ــ وضع دستور جديد قائم على أسس وأبجديات حديثة تضمن لهم ما عجز عنه الدستور السابق وبعيدا عن مربع الأخطاء السابقة وذلك بعد أن ساءت أوضاعهم المعيشية وعجزت الدولة عن إحداث نهضة شاملة أيضا … في السطور التالية تقرأون كيف ناضل اليمنيون من أجل دسترة حقوقهم منذ قيام الثورة حتى اليو..وماهي مضامين الدستور الجديد الذي تتهيأ الدولة الاتحادية لاستقباله:

في العام 1918م استقلت اليمن عن الإمبراطورية العثمانية وأسس الإمام يحيى بن حميدالدين دولته الجديدة وهي الدولة المتوكلية ولم تسع هذه الدولة منذ نشوئها أو حتى سقوطها عام 1962م على يد الثورة السبتمبرية إلى وضع دستور أيِاٍ كان شكله يضمن للشعب أبسط مقومات الحياة بل على العكس تماما إذ عملت على تجهيل الشعب وإذلاله وتجويعه وإهانته بمختلف الوسائل وحكمه بالحديد والنار فضلا عن تغييب كامل للبنية التحتية من كهرباء وماء وطرق ومدارس ومستشفيات ولذلك فقد كان أسلوب حياة المواطن اليمني حينها لا يختلف كثيرا عما كان عليه الإنسان البدائي الذي عاش قبل آلاف السنين .
ظلم الدولة آنذاك للشعب جعل النخب المثققة في البلاد والقبائل المساندة لها تتحمل عبء إخراج اليمن من هذا الوضع المأساوي بوضع دستور واضح المعالم يضمن للمواطن الحياة الكريمة بكل تفاصيلها والذي لن يكون إلا بقلع عروق النظام القائم ولذلك فقد توالت المحاولات الثورية وكان أبرزها انتفاض القوى المؤثرة من نخب مثقفة وقبائل مساندة في المناطق الوسطى “تعز وإب “ضد الحكم الامامي وذلك في العام 1919م أي بعد عام واحد فقط من عمر دولة الإمام يحي إلا أن الثورة فشلت ولم تكن المناطق الوسطى هي الوحيدة ففي العام 1928م انتفضت المناطق الغربية “تهامة” وباءت ثورتهم أيضا بالفشل وسجن ثوارها وفي العام 1944م شهدت اليمن اعتقالات واسعة اشتهرت آنذاك بـ”اعتقالات الأحرار” وذلك لتصفية الشباب والمثقفين الدعاة إلى التغيير وفي العام 1948 م أعلن الثوار قيام ثورة الدستور وشكلت على أثرها حكومة دستورية بعد أن قتل الإمام يحيى واثنين من أولاده وأحد أحفاده ورئيس وزرائه غير أن هذه الثورة أجهضت كسابقاتها بعد أن قام الإمام أحمد نجل الإمام يحيى بثورة مضادة نجح فيها وأعدم على إثرها الثوار وبدون محاكمات ..
توالت المحاولات ولم ييأس ثوار اليمن ففي العام 1955م قاد “الثلايا” انقلابا ضد الإمام احمد وفشل الانقلاب واعدم قائده واستمر السخط المتزايد ضد حكم الإمامة وظل الثوار في عراك مستمر معه حتى لاح فجر التحرر بإعلان قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ومنذ ذلك الحين بدأ اليمنيون وضع لبنات الدستور الثوري الجديد والذي قرر أن يكون نظام الحكم في اليمن نظاماٍ جمهورياٍ اعترف بأن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها وضمن للشعب توفير الأركان الأساسية لبناء المجتمع وهي التعليم والصحة والأمن والخدمات الاجتماعية على اختلافها وذلك عبر رسم سياسية اقتصادية تقوم على أساس التخطيط العلمي المدروس ولم يقتصر الدستور الجمهوري على ضمان إشباع الحاجات الأساسية للمواطن فقد تعدى إلى ما هو أبعد من ذلك إذ نص على ضرورة الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص للجميع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وكذا الحرية والعدالة والمساواة.
وحتى يتمكن الشعب من الحصول على حقوقه كاملة فقد عمل دستور الثورة ومن بعده دستور الوحدة بما فيه من التعديلات التي أجريت عليه على سن تشريعات تضمن ذلك فأقر أن يكون شكل نظام الحكم في اليمن رئاسياٍ ويتكون هذا النظام من سلطات ثلاث الأولى السلطة التنفيذية وهي الرئيس والحكومة والمجالس المحلية بعد التعديل الدستوري في العام 2001م على أن ترسم الحكومة السياسة العامة للدولة وتنفذها المجالس المحلية ويشرف على سير عملية التنمية رئيس الجمهورية ويْمنح الحق في تشكيل الحكومة للحزب الفائز بأغلبية المقاعد النيابية وتتولى السلطة الثانية في النظام السلطة التشريعية وهي مجلس النواب إقرار السياسة العامة للدولة في مختلف المجالات والموازنة العامة والحسابات الختامية ويتم انتخاب مجلس النواب بالاقتراع الحر المباشر من الشعب وتتنافس على مقاعده الأحزاب السياسية ويحق للحزب الفائز بالأغلبية تشكيل الحكومة وقد حددت عدد مقاعد المجلس بناءٍعلى عدد الوحدات الإدارية في البلد والتي قسمت بناء على الكثافة السكانية لا حسب المساحة الجغرافية وذلك بهدف تمثيل جميع أطياف الشعب لأن المستهدف بالتنمية هو المواطن أولا وليس الأرض فيما تقوم السلطة الثالثة في الدولة وهي السلطة القضائية بالقيام بدورها في الفصل بين الخصومات وقد نص الدستور على ضرورة استقلالها ماليا وإداريا لضمان أداء مهامها بالشكل المطلوب .
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تمكنت ثورة سبتمبر من تحقيق بعض أحلام اليمنيين فعلى سبيل المثال بلغ عدد المدارس في الجمهورية اليوم أكثر من 16 الف مدرسة في الوقت الذي كانت المدارس أيام الإمامة لا تعد بالأصابع فضلا عن التوسع الهائل في التعليم الجامعي وفي الصحة أيضا تطور هذا القطاع كما وكيفا..أما على الصعيد السياسي فقد فتحت الجمهورية المجال أمام الشعب في المشاركة السياسية وتعدى عدد الأحزاب أكثر من 40حزبا فيما وصل عدد منظمات المجتمع المدني إلى حوالي 11الف منظمة تعمل في اتجاهات متعددة .
صراع سلطوي
على الرغم من أن الجمهورية حققت منجزات كبيرة مقارنة بما كانت عليه اليمن قبل الثورة إلا أنها لم تتمكن من تطبيق نصوص الدستور الذي ضمن للشعب الحياة الكريمة بكل تفاصيلها وذلك لأسباب عدة أبرزها ــ بحسب مختصين ـــ الصراع المستمر على السلطة منذ قيام الجمهورية وحتى اليوم وقد أدى ذلك إلى تجاهل الأهداف الحقيقية للثورة ومن حينها وحتى اللحظة تراكمت المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولم تتمكن الدولة من استيعاب التنوع الثقافي والاجتماعي في ظل توسع الحركات الدينية التي لعبت دور المحرك للحروب والصراعات المجتمعية عبر ورقتي التخوين والتكفير الأمر الذي مهد لخلق ثقافة مجتمعية ورسمية بعدم الاعتراف بالآخر وحقه بالاختلاف ونتج عن ذلك دورات عنف وقمع وإقصاء لشرائح اجتماعية وقوى سياسية أفضت في الأخير إلى الإخلال بمبدأ المواطنة المتساوية وتعميم الفوضى وتفكيك النسيج الاجتماعي وإحياء ثقافة الثارات والنعرات المناطقية والمذهبية .
من جهة أخرى فإن عدم تطبيق مواد الدستور فيما يخص الاقتصاد ومكافحة الفساد جعل السلطة تتعامل مع الوضع الاقتصادي بشكل عشوائي أدى إلى تدهور الاقتصاد الوطني يوما تلو الآخر وبشكل مقلق للغاية ..كما أدى الانتقال إلى السوق المفتوح بعد الوحدة إلى تراجع مستوى المعيشة للمواطنين بشكل كبير ولذلك فقد عجزت الحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة عن توفير أبسط الحاجات الأساسية للمواطنين عامة فضلا عن كونها عجزت تماما عن إحداث نهضة تنموية في كافة المجالات فنسبة البطالة بين الشباب اليوم وصلت إلى 70% والجهل إلى 41% وتقع نسبة كبيرة من السكان تحت خط الفقر .
وبالتالي ظلت طموحات الناس مشدودة إلى دستور نافذ بعيدا عن الأخطاء أخطاء التقنين كما في المثال التالي : يشترط الدستور في مادته 64 على عضو مجلس النواب أن يجيد القراءة والكتابة فوضع شرط مثل هذا لمجلس يمثل السلطة التشريعية في الدولة ويتولى مهام إقرار السياسات العامة للدولة اقتصاديا وسياسيا .. إقرار الموازنات العامة والحسابات الختامية والرقابة على أداء عمل الحكومة أمر في غاية الخطورة وقد ساعد ذلك على فقدان المجلس أهميته وعدم قدرته على مزاولته مهامه .
كسر حاجز الصمت
لقد تنامى التذمر الشعبي بسبب تردي الأوضاع المعيشية خصوصا بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وأدى ذلك إلى على توسع دائرة السخط الشعبي على النظام حتى كسر حاجز الصمت في العام 2007م وهو العام الذي انطلق فيه الحراك الشعبي السلمي في الجنوب والذي تزامن مع تحركات شعبية في الشمال لا سيما بعد إقرار الجرعة التي فرضت في ذلك العام وهكذا ظل الوضع مشحونا بالسخط الشعبي المستمر حتى بلغ أوجه بدخول اليمن في أزمة العام 2011م والتي كادت أن تعصف به وبالوحدة الوطنية التي تحققت في العام 90م لولا الحنكة التي تمتعت بها القوى السياسية آنذاك وفي مقدمة تلك القوى الحزب الحاكم آنذاك الذي عمل على تسليم السلطة حقنا لدماء اليمنيين بعد مبادرة تقدم بها مجلس التعاون الخليجي وكان أبرز ما تضمنته المبادرة بعد تسليم الرئيس السابق علي عبدالله صالح للسلطة دخول اليمن في مرحلة انتقالية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي يعقد فيها مؤتمر حوار وطني شامل تتضمن مخرجاته دستوراٍ جديداٍ للبلد .
جاء قرار إعداد دستور جديد لليمن لضمان بناء دولة مدنية حديثة تلبي طموح اليمنيين دون استثناء بعد دخول كافة القوى مؤتمر حوار وطني شامل أسسوا فيه لبناء عقد اجتماعي جديد خالي من الأخطاء التي كانت في السابق وقد أقر المؤتمر تغيير منظومة الحكم في اليمن بانتقاله من النظام اللامركزي إلى النظام الاتحادي الفيدرالي وبناء عليه فقد قسمت اليمن إلى ستة أقاليم اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال وذلك للحفاظ على الوحدة الوطنية من جهة وبناء الدولة بأبجديات وأسس جديدة تضمن للشعب الوصول إلى ما يصبو إليه.
ولضمان ذلك فقد نص الدستور الاتحادي على ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث وكذا بناء سلطة تشريعية بأسس ومعايير جديدة إذ تتكون السلطة التشريعية في النظام الاتحادي من ثلاثة مجالس وهي مجلس النواب والمجلس الاتحادي والجمعية الوطنية وقد حددت الأسس الدستورية مهام واختصاص كل منهم اما بالنسبة للسلطة القضائية فسيكون لها كيان خاص أي مستقلة استقلالا تاما وقضت المخرجات ــ أيضا ــ على تبعية الأجهزة المساعدة للقضاء وهي الشرطة القضائية مصلحة السجون السجل العقاري الأدلة الجنائية الطب الشرعي للسلطة القضائية أما ما يخص السلطة التنفيذية وهي الرئيس والحكومة فقد تم تحديد شروط عديدة لمنصب رئيس الجمهورية أبرزها أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية وألا يكون من المنتسبين إلى المؤسسة العسكرية والأمنية ما لم يكن قد ترك عمله قبل عشر سنوات على الأقل وألا يكون من النافذين الذين لا يستطيع القانون الوصول إليهم وألا يمارس عملا تجاريا أثناء فترة عمله وفي الجانب الانتخابي فقد تم تغيير النظام الانتخابي إذ اعتمدت القائمة النسبية المغلقة وضمان وصول نسبة % 30 على الأقل من النساء للمجالس الانتخابية و50% للجنوب وكذا في كافة مؤسسات الدولة .
ويشترط الدستور الجديد أن يكون المرشح للسلطة التشريعية حاملا ــ على الأقل ــ شهادة الثانوية علما بأن الدستور السابق كان يشترط القراءة والكتابة فقط .
مكافحة الفساد
كان للفساد المالي والإداري عوامل كبيرة في وصول اليمن إلى هذا الوضع ولذلك فقد عمل الدستور الاتحادي على تجنب هذه الظاهرة باتخاذ مجموعة من القوانين أبرزها اتخاذ سياسة اقتصادية علمية جديدة وإلغاء بعض الوزارات وتحويلها إلى هيئات مستقلة واستحداث هيئات جديدة تفرض عليها الرقابة من قبل الدولة ومن ذلك : هيئة للخدمة المدنية وهيئة للأوقاف وللإعلام ولحقوق الإنسان وهيئة عليا للغذاء والدواء وهيئة عليا للتعليم والتدريب والبحث العلمي وللواجبات الزكوية وللافتاء ولشؤون الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
وعلى الصعيد الأمني أقرت المخرجات تحديد الحجم الأنسب للقوات المسلحة طبقاِ للنسب المعمول بها عالمياِ (%1.5) من عدد السكان قوات عاملة ومن (%2.5) قوات احتياطية وأكدت على ضرورة تحييد المؤسسة العسكرية والأمنية عن الانتماءات الحزبية والقبلية والمناطقية وكذا تجريم العمل الحزبي فيهما ولا يحق مطلقا تعيين أي من أقارب وأصهار الرئيس أو رئيس الوزراء في المؤسستين حتى الدرجة الرابعة وكذا إنشاء جهاز مخابرات داخلي وخارجي يتولى رصد التهديدات التي تهدد الأمن القومي للبلد في ذات السياق تم تجريم تمرد منتسبي القوات المسلحة والأمن والمخابرات واعتصاماتهم ومسيراتهم في وحداتهم وخارجها مهما كانت الأسباب والمبررات وذلك لإلغاء الصورة التي ظهرت بها القوات المسلحة والأمن في العام 2011م و فيما يخص تطويرها تم اعتماد البحث العلمي كوسيلة لذلك .

قد يعجبك ايضا