خبراء وقيادات امنية يؤكدون: الاستقرار والديمقراطية والحكم الرشيد مرتكزات هامة لجيش وطني قوي


استطلاع/ محمد العزيزي ـ وائل شرحة –

( القبيلة الاختلاف والسياسي) عوائق حالت دون بناء جيش مهمته حماية مكتسبات الثورة

عدم استقرار وزارتي الدفاع والداخلية ومنتسبيهما مالياٍ أثر على ولائهما

إيجاد جيش وأمن قوي مرتبط بتنمية شاملة لكافة أجهزة الدولة

مما لا سبيل فيه للشك أن أي دولة نجحت في إنشاء وإيجاد جيش رمزه القوة والوطنية ولاؤه, قد واجهت خلال خطوات وطرق بناء ذلك الجيش معوقات وصعوبات داخلية وخارجية, وكان تجاوزها والتغلب عليها يتطلب إرادة قوة وجادة من قبل قيادة الدولة والحكومة, ولا شيء يقف أمام إرادة حقيقية.
المؤسستان العسكرية والأمنية اليمنية ومنذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن مرتا بمراحل صعبة وحروب قبلية ومعوقات محلية وإقليمية ودولية حالت بين إيجاد جيش وأمن قوي, رغم اهتمام ثورة 26 سبتمبر 1962م بهذا الأمر.
وبمناسبة الذكرى الـ52 لثورة سبتمبر التقت الثورة بعدد من القيادات والخبراء الأمنيين والعسكريين وعادت بشريط ذاكرتهم إلى زمن ليس ببعيد.. لنفتش عن المعوقات التي واجهتها الحكومة اليمنية المتتابعة في تكوين قوات مسلحة وأجهزة أمنية قوية تحمي الوطن من أي اعتداء خارجي أو داخلي.. وكانت الحصيلة التالية:

كثيرة هي البلدان التي انهارت جيوشها خلال المعارك والحروب, لا سيما تلك التي شاركت في الحروب العالمية الأولى والثانية, إلا أنها وبإرادة جادة لدى قيادتها وشعوبها تمكنت وفي خلال وقت وجيز من إعادة بناء قواتها المسلحة لتعود إلى مراكزها العظيمة من القوة والهيمنة والمسيطرة على قرارات العالم.
وللحديث حول المعوقات التي وقفت ـ وما زالت ـ حجر عثرة أمام الحكومات المتتالية لبناء جيش وطني التقينا مدير عام التخطيط والتنظيم بوزارة الداخلية العميد الدكتور/ عبد منعم الشيباني والذي قال: باعتقادي أن غياب الرؤية الوطنية التي تتفق مع أهداف ومبادئ ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر هي التي تقف وراء عدم السعي لبناء جيش وطني قوي كما أن الأسس والمعايير التي قامت عليها مؤسسة الجيش لا تتفق مع المعايير الوطنية وغلب عليها الولاءات القبلية والمناطقية ومن ثم غابت العقيدة العسكرية القائمة على الولاء لله ثم للوطن ولم يتم تكريسها في أذهان وعقلية منتسبي هذه المؤسسة الوطنية الهامة. ولذا برأيي أن عدداٍ كبيراٍ من منتسبي هذه المؤسسة لم يلتحقوا بها رغبة في الجندية وخدمة أرض وتراب الوطن وإنما أشبه ما يكون بالبحث عن الضمان الاجتماعي.
وأضاف “ أنا شخصيا اعتبر أن التخلي عن خدمة الدفاع الوطني أثر تأثيراٍ سلبياٍ كبيراٍ على إيجاد جيش وطني قوي وأضعف من قيم الولاء لدى الشباب وجعلهم عرضة لاستقطاب الجماعات الإرهابية والمسلحة التي تمس بأمن وسلامة الوطن حيث أعطتهم هذه الجماعات جرعة من الجندية التي تشعره بالرجولة والقدرة على مواجهة العدو (وفقا لرؤية هذه الجماعات) !! لكنها للأسف الشديد جرعة غير وطنية”.
وعن كيف يتم التغلب على تلك المعوقات والصعوبات تحدث الدكتور الشيباني قائلاٍ: “الاختلال الحاصل في بنية المؤسسة العسكرية التي أضعفت والفشل إزاء فرص بناء جيش وطني قوي يستوجب وضع استراتيجية عميقة تعيد تقييم الوضع الحالي وتجاوز نقاط الضعف وتكريس ثقافة جديدة قائمة على أسس ومعايير وطنية وبناء عقيدة عسكرية تقدس الولاء لله ثم للوطن والنأي بها عن الحزبية والمناطقية والولاءات الضيقة.
وشدد العميد الشيباني على ضرورة إعادة فتح الباب لخدمة الدفاع الوطني الإلزامي لما لذلك من أهمية كبرى في تزويد الشباب بجرعة من الجندية والقدرة على الدفاع عن الوطن ومواجهة المهددات والمخاطر المحدقة بأمن الوطن واستدعائهم وقت الحاجة.. مشيراٍ إلى أنها تسهم بشكل كبير في تعزيز قيم الانتماء لدى الشباب وتبث فيهم روح الوطنية وتبعدهم عن الاستقطاب للجماعات المسلحة التي تجندهم لمصالحها الضيقة.
وعن كيف لنا أن نستغل الذكرى الـ 52 لثورة الـ26 من سبتمبر في إعادة بناء جيش وأمن وطني الانتماء مجرد من الحزبية والولاء¿ أجاب الدكتور الشيباني بالقول: علينا دائما وأبدا أن نستحضر أهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ونتذكر دماء الشهداء الأحرار وتضحياتهم ونضالهم الوطني الرائع من أجل بناء يمن جمهوري قوى وموحد وعادل ومتحرر ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍلاﺳﺘﻌﻤﺎﺭ وبعيداٍ عن الطبقية والسلالية وﺑﻨﺎﺀ ﺟﻴﺶ ﻭﻃﻨﻲ ﻗﻮﻱ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺣﺮﺍﺳﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﻣﻜﺎﺳﺒﻬﺎ. وغيرها من الأهداف. وعلينا أيضا أن نستحضر تلك الأهداف قولاٍ وعملاٍ كما ينبغي ان تكرس هذه الأهداف والمبادئ الثورية في أذهان وعقول منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية وأن تطرق مسامعهم وعقولهم في كل حين ووقت وجعلها سلوكيات مستدامة تصاحبهم في كل مهمة وطنية يقومون بها.
العسكرية.. أسس
في السياق ذاته قال قائد الشرطة الراجلة سابقاٍ العقيد عبدالغني الوجيه: رغم بعض اﻷسس التي كانت خطوات في طريق بناء جيش وطني قوي إلا أن عوامل مصاحبة حالت دون اكتمال مشروعه وأهمها إهمال الإلتزام بمعايير الإنتساب وهي العائق اﻷكبر الآن .
وأكد العقيد الوجية انه للتغلب على تلك المعوقات يجب الالتزام بكل المعايير الصغير منها قبل الكبير كون العسكرية بنيت على أسس إذا أهمل بعضها انكسر اﻵخر والطاعة فيها ( عمياء ) وهي واجبة وصاحبها بالتأكيد حساب وعقاب إذا أخفق القادة.. لافتاٍ إلى أنه إذا ما تم تفعيل هذه المعايير ,رغم أنها في لوائح الجيش والشرطة, ولكي نبني جيشاٍ قوياٍ يجب أن نلتزم بها جميعها .. مشيراٍ إلى أن الجيش القوي حصن للبلاد وحماية لحدودها البرية منها والساحلية.. مضيفاٍ “انظر كم يعاني وطننا من آثار تهريب البشر والمخدرات والآثار والتهرب الجمركي وغيرها كل ذلك بسبب ضعف أداء الجيش”.
وقال العقيد الوجيه: ذكرى ثورة سبتمبر المجيدة ( فرصة ذهبية ) لتصحيح الخلل الذي ربما كانت الظروف المحيطة بإعادة الهيكلة سببا في وجوده لابد من تدخل جهاز الرئاسة بقوة وبنية صادقة ﻷن التصحيح سيكون من اﻷعلى وهذا يحتاج الى قرارات جريئة وإجراءات على الواقع .
.. الحرية
من جانبه تحدث عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة الدكتور محمد الحرازي في بداية حديثنا بالقول : في البدء أتوجه بأسمى آيات التهاني والتبريكات لشعبنا اليمني العظيم بمناسبة أعياد الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر و 30 نوفمبر التي تخلص الوطن اليمني فيها من أوضاع تفوق في معاناتها وتحدياتها ما نعيشه هذه الأيام من أزمات وتصارع على مصالح ضيقة.و ذكرى أعياد وطنية تؤكد على أن هذا الشعب العظيم على مر العصور لا زال يحمل في جيناته الوراثية عنفوان الحرية وعدم الخنوع والاستسلام للظلم والتخلف والاستعمار مستلهماٍ ذلك من تاريخه العريق وهويته العربية والإسلامية.
وأضاف “ لم تكن المؤسسة العسكرية اليمنية إلا شريكاٍ لأفراد الشعب في هذه الرؤى والقناعات خاصة بعد ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر التي تحولت معها هذه المؤسسة الوطنية من أداة متخلفة تأهيلاٍ وتسليحاٍº بيد الأئمة في الشمال والمستعمر في الجنوب إلى مؤسسة وطنية حديثة ومتطورة بيد الشعب تعمل على حماية الأمن والاستقرار في ربوع الوطن والدفاع عن كيانه ووحدته من أي طامع قريب أو بعيد, وشأنها شأن الكثير من الأشياء الجميلة التي يزخر بها وطننا اليمني التي لم تسلم من التشويه شابت عملية بناء جيش وطني قوي ومؤسسة أمنية كفؤة بعض المؤثرات المرتبطة بمتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة مر بها الوطن اليمني عبر حقب زمنية تقف في صدارتها المؤثرات المناطقية والحزبية الضيقة التي لم تسلم منها هذه المؤسسة الوطنية سواءٍ في شمال الوطن أو جنوبه قبل الوحدة وحتى بعد إعادة تحقيقها”.
وواصل الدكتور الحرازي حديثه قائلاٍ: “ويضاف لتلك المعوقات تعرض هذه المؤسسة الوطنية لبعض مؤثرات الفساد المالي والإداري التي للأسف تحولت خلال عقود من الزمن إلى ظاهرة وثقافة تعاني منه معظم مؤسسات الدولة وهو الأمر الذي أعاق كثيراٍ تطور هذه المؤسسة بالشكل الذي يتلاءم مع الإمكانيات المرصودة لها في ميزانية الدولة والآمال المعقودة عليها من أفراد الشعب”.
وعن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الخاصة بإعادة بناء الجيش والأمن قال : لقد مثِل مؤتمر الحوار الوطني الشامل تجلياٍ رائعاٍ للحكمة اليمنية بعد عقود من الخصومة مع المنطق والعقل والمصلحة الوطنية العليا حيث جاءت مخرجاته لتدلل على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للانتقال إلى المستقبل بروح جديدة طويت معها صفحات مريرة من الاختلاف والتنازع..وفيما يتعلق بالمؤسستين العسكرية والأمنية تضمنت الكثير من مخرجات مؤتمر الحوار قرارات وتوصيات رائعة لتطوير هاتين المؤسستين على أسس وطنية حديثة إلا أنها تظل حبر على ورق إذا لم تتوافر الشفافية الكافية والإرادة الصادقة لدى الجميع على تنفيذها وأن يرافق ذلك إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد والحد من ممارساته المقيتة.
ونوه الدكتور محمد الحرازي بأن الظروف أصبحت مواتية وقناعات الجميع صارت متوافقة على تحقيق ذلك حيث واستشراف المستقبل والإجراءات التي اتخذتها القيادة السياسية تبعث على التفاؤل الكبير لدى أبناء الوطن كافة وأبناء المؤسستين العسكرية والأمنية في أن القادم سيكون أفضل مما مضى ومما نعيشه حالياٍ.. متمنياٍ من المولى تعالى أن يحقق لوطننا الغالي وشعبنا العظيم مزيداٍ من الأمن والاستقرار والتطور والازدهار.
انتقاء العناصر الجيدة
رئيس رابطة منتسبي الشرطة العقيد/ عبدالسلام الزمر كان لنا معه حديث حول كيفية بناء جيش وطني قوي إذ قال يجب انتقاء العناصر الجيدة بعيدا عن أي مؤثر وإعدادها الإعداد الأمثل علميا وثقافيا وبدنيا عبر الكليات والمعاهد العسكرية وتعهدها بالدورات التدريبية العلمية والمعنوية والبدنية المستمرة وعدم إتاحة الوقت لتلقي أي مؤثرات غير وطنية.. مشدداٍ على ضرورة احترام الاقدمية في التعيين في المناصب القيادية المختلفة دون أي تدخل مناطقي او حزبي او قبلي او ما شابهه وكذا ضرورة توفير احتياجات منتسبي القوات المسلحة ومن يعول عليهم بشكل كامل وحتمية العدل بينهم في كافة الحقوق والواجبات..
الخبير والباحث في الشؤون العسكرية والأمنية الدكتور أمين الحذيفي أكد أن الجهل والمؤامرات الخارجية والداخلية وعدم استقرار وزارتا الدفاع والداخلية وعدم اعطاء أفراد القوات المسلحة والأمن رواتب مالية تحفظ وتضمن لهم العيش الكريم لهم ولأسرهم وطغيان الانتماءات القبلية والحزبية والطائفية في أوساط الجيش كان من أهم وأبرز أسباب انعدام جيش وطني قوي.. مشدداٍ على ضرورة تعزيز الولاء الوطني لدى منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية كونه الأهم لإيجاد جيش وطني.
وقال: عدم استقرار اليمن منذ 26 سبتمبر 1962م وحتى اليوم بسبب الصراعات والحروب الداخلية مروراٍ بالحروب الوسطى والتشطير وغيرها من المعارك القبلية والحزبية والطائفية التي ما تزال قائمة حتى وقتنا الراهن, كل ذلك وغيره ساعد وساهم في غياب جيش وأمن قوي.
وعن الحلول التي نستطيع من خلالها تجاوز ومعالجة تلك الصعوبات أكد الحذيفي على أهمية أن تكون هناك عملية تنموية شاملة لكافة أجهزة وأجزاء الدولة من ضمنها المؤسستان العسكرية والأمنية.. مشيراٍ إلى أنه إذا تم انتعاش التعليم ونفذت حملات توعوية للمجتمع سنحصل على جندي وأمني مثقف ولاؤه لله وللوطن وليس للقبيلة أو الحزب أوالطائفة.
وشدد الدكتور الحذيفي على أهمية توحيد النسيج الاجتماعي لما له من أهمية في توحيد الجيش والأمن.. لافتاٍ إلى أن اختلال القوة العسكرية والأمنية بمثابة انكسار ناموس الدولة وغياب دورها بين الأمم.. منوهاٍ بأن أهمية وجود جيش وأمن قوي يتمثل في ابرز في علو كعبها بين الدول ورفع معنويات اليمني بين الشعوب الأخرى ووضع حد من تعرضه للانتهاكات سواءٍ كان في الداخل أو الخارج وكذلك بسط نفوذ الدولة وتطبيق النظام والقانون.

قد يعجبك ايضا