صبيحة يوم 26سبتمبر 1962م كنت مرابطا بمدفعي في خزيمة لتأمين المنطقة


حاوره /أحمد الطيار –

الموقع الهام لليمن جغرافيا وسياسيا أثار الأطماع الإقليمية والدولية لتتدخل في شؤونه منذ الثورة حتى الآن

يجلس اللواء أركان حرب محمد الثلايا احد ابرز ضباط ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م كعادته بنادي ضباط القوات المسلحة بصنعاء صباح كل يوم يستنشق الهواء العليل بين الأزهار ويستمع إلى ترانيم العصافير وزقزقتها ويقول: انظر كيف تدب الحياة كل يوم وتستمر الحركة والنشاط دون أن يوقفها احد هكذا يبدو مبتسما وفي نفسه شعور عميق بالأمل في أن اليمن العظيم لن تؤثر في مجرى شؤونه الأحداث السلبية والمؤامرات التي تحاك ضده من قوى الرجعية والتخلف مهما حدث.
على مدى اثنين وخمسين عاما من عمر الثورة اليمنية ـ 26 سبتمبر ـ يتذكر اللواء الثلايا مراحل عدة من تاريخ النضال والعزيمة والشجاعة والوطنية التي تحل بها ذلك الرعيل الأول من المناضلين وهم يدافعون عن الوطن بدمائهم الزكية.
وبهذه المناسبة كان لنا هذا اللقاء الذي نفتخر أننا أجريناه معه ليقول لنا بشفافية ومصداقية جانبا من تاريخ عظيم لتحرر هذا الشعب العريق.

• بداية هل يمكن أن تمنحوا القارئ الكريم لمحة من تاريخكم النضالي العريق كقائد من قادة الثورة اليمنية المباركة 26 سبتمبر 1962م¿
– أنا من خريجي الكلية الحربية سنة 1961م وهي الدفعة الثانية وشاركت في ثورة 26 سبتمبر من ألفها إلى يائها بعد تخرجي من الكلية أصبحت قائدا للسرية الأولى مدفعية في الجيش الوطني وكنت متخصصا في جناح المدفعية وقائدا لكتيبة صف ضباط في المدفعية وبعدها قامت الثورة وكنت صبيحة يوم سبتمبر بمدفعي في منطقة خزيمة لتأمين المنطقة .
وبعدها أرسلت إلى حجة بطائرة هيلوكبتر خاصة للاطلاع على الموقف ومساعدة القائد الثائر العقيد علي سيف الخولاني ومجموعة من الضباط والجنود الذين كانوا مسجونيين في سجن نافع حجة والذين كانوا تمردوا على الإمام في تعز سنة 1959م .
وقد نزلت من صنعاء مرة أخرى ومعي عدة سرايا من الحرس الوطني إلى حجة وقد تمركزوا معي في منطقة القاهرة ونعمان والعرضي ومبين وحبران والأمان والطور حتى تم تأمينها .لكن التدخل الخارجي من قبل الجيران كان يغري المناطق بالتمرد على الثورة من خلال مدهم بالمال والذهب والسلاح وهو ما أدى إلى استمرار القتال بين الجمهورية والملكيين سبع سنوات.
نصائح
• بعد اثنين وخمسين عاما من قيام الثورة اليمنية لايزال اليمنيون مختلفين حول بناء الدولة برأيكم ما السبب¿
– التناقضات كثيرة والتدخل في شؤون اليمن على أشده وهذا هو الغريب وهذا هو السبب في ما نحن فيه الآن التدخل الإقليمي والدولي وهو المسؤول عن عدم الاستقرار في اليمن وبما أن بلادنا ذات مكانة مهمة على المستوى الجغرافي فهي مهمة سياسيا على مستوى العالم وهي بلاد هامة تزخر بكل الثروات الطبيعية الهامة والمهمة إضافة إلى كادرها البشري الكبير فكل واحد يتدخل في شؤون اليمن على أمل أن يتحقق من التهامنا ويريدون أن يجعلونا دائما نتقاتل بيننا البين لكي يستفيدوا هم من ضعفنا وهكذا ظل اليمنيون هم الضحية إلى يومنا هذا ونتيجة لذلك حكمنا أشخاص لم يكونوا في مستوى المسؤولية وفي مستوى الثورة وفي مستوى القيادة الحكيمة وفي مستوى الحس الوطني المسؤول ولذا وصلنا إلى مستوى الهمجية التي نعيشها اليوم والمتمثلة في حصار صنعاء من قبل جماعات مسلحة .
شعب عظيم
• الآن ونحن نمر في هذه الظروف بمنعطفات وطرق تؤثر على كيان اليمن ووحدته حيث يتصارع الفرقاء على الصعود للسلطة بشتى الطرق ماذا تقول لهم وأنت من المناضلين الشرفاء ¿
– أقول لهم اعلموا إن الشعب اليمني شعب عظيم شعب يريد أن يعيش بكرامة وشرف يريد أن لايمد يده للآخرين يريد أن يستفيد من ثروته ويستفيد من أرضه هو من سيلفظكم جميعا قريبا أو بعيدا.. هذا الشعب له قيم وكرامة وأخلاق رفيعة هو من سيحكم عليكم في ما بعد لن يسمح للغوغائية وللهمجية التي يتسم بها البعض أن توصله إلى هذا المستنقع .
• كيف يمكن حشد الرأي العام للوقوف صفا واحداٍ مع الجيش والأمن ومصلحة الوطن¿
– الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش وكذلك الأمن هما نسيج واحد لا تستطيع أن تفرق بينهما هما خليط ونسيج وطني واحد فعلى الوطنيين كل من موقعه تلقين الشعب الوطنية السليمة وقول الحقيقة للشعب وإذا قلنا للشعب الحقيقة عندها نكون قد وصلنا إلى نتيجة.. وصلنا إلى الأمن والاستقرار وسنصل إلى الحب والوئام بيننا البين .
اثنان وخمسون عاما من عمر الثورة أحدثت فرقا في تاريخ اليمن قبل الثورة لم يكن هناك سوى ثلاث أو أربع مدارس واليوم عندنا الآلاف من المدارس وعشرات الجامعات ومئات المعاهد الفنية المتخصصة فعلى الجميع أن يعمل على تلقين الوطنية من مركزه في المدرسة والجامعة حتى نصل إلى نتيجة مرضية ونترك الناس يعيشون في سلام وامن واستقرار نحن شعب حضارة يجب أن لا نضيع حضارتنا وقيمنا فلدينا مخزون حضاري وإنساني رفيع مشهور بين الأمم .
تلاحم
• ما الواجب على الشعب اليمني للخروج من هذه الأزمات التي تكاد تسعى لتمزيقه وطنه¿
– أنا رأيي أن الحزبية هي التي أنهت القيم والأخلاق السامية لليمنيين لم نكن بحاجة للحزبية والديمقراطية الخالية من المفاهيم الديمقراطية مستواها رفيع إذا لم يفهمها مثقف ولا مسؤول إلا فهماٍ أجوف فإنهم لم يفهموا شيئاٍ في الثقافة يفهمون الثقافة للمصلحة الشخصية فقط أما الثقافة الوطنية والأخلاقية والإنسانية فهي مفقودة .
أهداف
• في اعتقادكم هل حققت الثورة اليمنية 26 سبتمبر أهدافها¿
– لقد تداخلت الأمور فمن أول يوم للثورة المباركة كانت هناك أهداف ومبادئ عظيمة وضعها الثوار لكن المصلحيين والتدخل الخارجي أفقدها مبادئها وأهدافها .
– عناصر ضالة
• هل للعنصر المشيخي والحزبي دور في فقدان الثورة أهدافها ¿
– هؤلاء هم سبب من أسباب الانحطاط الأخلاقي والسلوكي والوطني والمعرفي في إجهاض الثورة هم كانوا السبب بنسبة 90% وما وصل إليه اليمن من خراب وتشرذم حتى الآن.
• الجيش الوطني في اليمن حدثنا كيف كان ومن انشأه¿
– هذا الجيش شكله البدر حين كان وليا للعهد ليكون بديلا عن الجيش النظامي أو ما كان يعرف بالجيش الاسكي كانت الفكرة تقوم على ان يكون هناك جيش وطني لكن لأن الأمور لم تجر بما تشتهي النفوس أصبح الجيش الوطني هو الجيش النظامي بنفس التخلف والشكيلة وبنفس الجهل لغباوة الأئمة ولم تكن هناك تحركات لإدخال أنظمة جديدة في التسليح والعتاد والتنظيم بل ولم توجد أي لوائح ولا حقوق غذائية وصحية ولاحتى مشرب للجنود .
• ما الذي كان يشد نظرك للشعب اليمني في الماضي وهل المعاناة كانت كبيرة أيام حكم الإمام¿
– الظلم الذي كان يعيش فيه الشعب اليمني أيام الإمام هو أصعب شيء كان يتعرض له الناس يوميا فقد كان الإمام يجيش عساكره على الرعية ويقومون بسلبهم خيراتهم وثرواتهم ويتركونهم جوعى وفي حالة فقر مدقع تخيل أن بعض المناطق كانت تعيش لتكون منتجة للغذاء وتسلمه للدولة تحت مسمى دفع الجزية حيث كانوا يدفعون السمن والعسل والحبوب والبن وكل ما ينتجون للدولة وهي تقوم بتسليمه للمدارس التي يتعلم بها طلبة العلم كغذاء لم تكن الدولة تدفع من جيبها أي فلس بل هؤلاء المساكين الذين يدفعون الجزية.
لا تعليم
– لم يكن هناك أي تعليم مجاني او مدفوع وكل ما في الأمر ثلاث مدارس هي الأيتام والمدرسية النظامية والمتوسطة والعلمية وحوالي ثلاث مدارس يدفع فيها الطلاب ماتيسر كل يوم خميس أما الذي كان له طموح في الدراسة فعليه الهرب إلى عدن وهناك كان للأحرار منظمة تقوم بإرسال الطلبة للتعلم في القاهرة ولبنان وسوريا عن طريق البحر .
معنى الإخلاص
• لماذا كان جيلكم مخلصا للوطن ويفكر فيه على عكس الجيل الحالي¿
– لان الناس كانوا وطنيين كل واحد يحافظ على سمعته وشرفه لم تمتد يد من أيدي الثوار والوطنيين إلى ريال واحد أو متر من الأرض بطريقة الغلط.
حقب للذكرى
• حدثنا عن جزء من نضالكم في حقبة نهاية الستينات وأيام حصار صنعاء ¿
– بعد خروج القوات المصرية في سبتمبر 1967م عادت الجماعة التي كانت محجوزة في القاهرة بقيادة حسن العمري ومجموعة الاثنين والخمسين الذين كانوا معهم وأنا منهم على أساس انه قد تم الصلح بينهم وبين المشير السلال رئيس الجمهورية ووصلت المجموعة بدون الإرياني في ذلك الوقت كان الموقف متوترا بين المجموعة العائدة من القاهرة والتي ذهبت لإقناع عبد الناصر بالمشاكل التي كانت موجودة بين حكومة السلال في ذلك الوقت واستمر التوتر حتى قامت حركة 5نوفمبر 67م على أساس أن السلال سيقوم بزيارة العراق لدعم موقفه لأنه خريج العراق وحصلت حركة 5 نوفمبر بإذاعة إنهاء حكم السلال ومنع عودته إلى البلاد وعندما كان السلال في العراق سمع خبر انتهاء حكمه من الإذاعة..
عصر الانفتاح
بعد إنهاء حصار صنعاء والذي استمر حتى 20 فبراير 1968م تدخل القدر بين الفئات المتقاتلة في القوات الجمهورية وانقذوا الموقف وتوحدت صفوف المتناحرين في صنعاء في ما بينهم البين وتوجهوا لقتال العدو الأكبر المتمثل في القوات الملكية المحاصرة لصنعاء وبعزيمة الرجال ونضالهم الدؤوب وتأملهم للعيش الكريم في وطنهم ناضلوا واستمروا في نضالهم حتى فتحوا طريق صنعاء الحديدة بفضل المشائخ المخلصين للثورة وقبائلهم والقوات المسلحة والأمن حتى وصلت المواد الغذائية لإنقاذ صنعاء من الهلاك وفتحت طريق صنعاء الحديدة وجرت هزيمة القوات الظلامية وانتهى ذهبهم وسلاحهم واضطروا للدخول في الصلح فحصل التفاهم بين الجمهوريين والسعودية لإنهاء النزاع وتقارب وجهة النظر بين الجمهوريين والملكيين وتم الاتفاق على إدخال خمسين شخصية من الملكيين وإشراكهم في الحكم وبعد أن تشكلت الحكومة وعاد الجيش الملكي الذي كان يقوده قادتهم أمثال قاسم منصر والهردي وقاسم سقل وقادة آخرين وقد قبلتهم الجمهورية هم والجنود بجميع رتبهم التي حصلوا عليها أثناء الحرب وكان عددهم 50 ألف فتم استيعابهم في معسكر المجراد «المطار الشمالي بالحصبة» وتم إدخال من كان يحمل رتبة ضابط من الملكيين الكلية الحربية ليدرسوا وهناك تعاون معهم الضباط في الاختبارات وأصبحوا في الأخير قادة المستقبل وكنت قائدا للمعسكر وتم التعامل مع الجنود بود واحترام ولم يرضوا يلبسوا البنطلون كي لايتشبهوا بالنصارى فاضطررنا لتفصيل ملابس عسكرية لهم بلدية خاصة بهم مكونة من مقطب كاكي وكوت كاكي وشميز كاكي وسماطع كاكي ومحزق به 50 طلقة واضطررنا لتسليحهم وصرفنا لهم البطانيات والمعاشات والتعيين ولكثرتهم عملنا لهم معسكراٍ من 500 خيمة وتم تعيين قادة لهم أكفاء من الكليات العسكرية وتعيينهم قادة سرايا وكتائب وفصائل وتوزيعهم على المناطق لعدم وجود قوات في تلك المناطق النائية التي هي بحاجة لحماية أما الضباط الآخرون الذين كانوا في الكليات في مرحلة التدريب والتأهيل فقد تعاطف معهم الضباط فسحبوهم إلى وحداتهم التي كانوا فيها مثل سلاح المدرعات والأغلب بحسب طلبهم لا بطلب القيادة وتمركزوا وتسلطوا وتقدموا القيادات بصفة أن سلاح المدرعات هم الأقوى في الجيش وتنفيذ استراتيجيتهم المستقبلية .

بطاقة تعريفية

اللواء محمد الثلايا:
– يجيد اللغة الانجليزية والروسية والفارسية
– درس دبلومات عسكرية في كل من القاهرة وطهران وموسكو
– خريج الكلية الحربية 1961م
– قائد سريا مدفعية
– قائد كتائب مدفعية
– عمل مديرا لنادي ضباط القوات المسلحة
– شاعر واديب معروف
– كابتن رياضي في الرياضة العسكرية

قد يعجبك ايضا