يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

الأمركة وحركة إضعاف الشعوب

 

ليس من شك في أن طرح قضية العولمة على مستوى التحليل ليس بالأمر الجديد، فهو يتداخل بشكل جوهري مع قضية الهويات الحضارية والثقافية للأمم منذ زمن تفجّرْ سؤال العولمة، تفجّرتْ في مقابله قضايا الهويات في مستويات متعددة، ذلك أن حركة المجتمعات تواكب حركة التغيرات والتبدلات التي تحدث في المستوى الحضاري المعاصر، ومن هنا يمكن رصد ظاهرتين بارزتين في المستوى الثقافي العربي الذي يواجه رياح العولمة ورمالها المتحركة في بعدين مهمين هما:

– بعد دفاعي بحت: وهذا البعد يرى في الحفاظ على الموروث خيارا استراتيجيا ويقول بتجميده في أشكال وقوالب ثابتة لا يمكن التخلي عنها، ويرى في التخلي عنها ضياعا وتيها وشتاتا.

– وبعد آخر يرى في الهويات الحضارية والثقافية قالبا متحركا ومفتوحا يخضع لحركة التاريخ وعوامل التطور، ويأخذ في اعتباره تطورات المعرفة الإنسانية والتقنية الحديثة التي أصبحت جزءا أساسيا من مفردات الحياة.

وبين هذين البعدين تدور الصراعات اليوم في واقعنا العربي، وهي صراعات تدار من قبل الأجهزة الاستخبارية العالمية لتحقيق غايات، أملا في الوصول إلى حركة توازن دولي يضمن مصالح البعض من خلال خضوع الكل، فالعولمة الثقافية التي تسعى الرأسمالية للترويج لها بشتى الوسائل التكنولوجية الحديثة لفرض نموذج محدد للثقافة، ستكون بالضرورة نتيجة حتمية وملازمة للعولمة الاقتصادية، فالثقافة في مفهوم العولمة هي ثقافة استهلاكية موجهة في جوهرها لخدمة العمل الاقتصادي والتجاري، فهي تنشط في مجال الدراما السينما وعالم الموضات والفنون بمختلف أشكالها وأقرب مثال محسوس على ذلك النموذج التركي ولعل الذاكرة ماتزال يعلق بها مسلسل “مهند ونور “ و” حريم السلطان “ و” مراد علمدار” “ وقيامة آرطغرل” وعلاقة ذلك بالبنية التجارية والاقتصادية وهو النموذج نفسه الذي ينتهجه تيار العولمة، ولم تكن تركيا إلا نموذجا للإسلام المعتدل الذي يتفاعل مع الظاهرة وفق استراتيجية “راند”.

كل هذا الاشتغال الذي نراه اليوم في واقعنا العربي بالذات وكل حركة الصراعات، قضايا تتعلق بالعولمة وفي جوهرها بالنظام الرأسمالي العالمي، إذ أن القوة الاقتصادية تريد أن تجعل من الكونية هدفا لها، بحثا عن سوق عالمية ومستهلك كوني.

فالرأسمالية تريد دولا ضعيفة وغير فاعلة تعاني التشظي والانقسام حتى يسهل عليها فرض ثنائية الخضوع والهيمنة ولذلك تدير حركة الانقسامات والحروب في المنطقة العربية.

نحن اليوم أمام ظاهرة جديدة وحركة اضطرابات تعم المنطقة العربية قد ينتج عنها واقع جديد، هذا الواقع يدركه المفكر والاستراتيجي الأمريكي والصهيوني ويعمل جاهدا بالمال العربي المسلم وبالدم العربي المسلم، على محاولة السيطرة عليه والتأثير فيه، بالقدر الذي يكفل له المصلحة المرسلة وثنائية الخضوع والهيمنة على النظام العالمي الجديد، هم يقولون إن الصين قوة اقتصادية كبيرة اليوم، ويرون ضرورة الحوار معها حتى لا تفقد أمريكا مقاليد السيطرة على العالم.

العالم من حولنا يتشكل ويصوغ مفردات وجوده ونحن في المنطقة العربية نتجزأ ونتحول إلى كيانات صغيرة قابلة للفناء والتحلل في تراب النظام العالمي الجديد، ولذلك لا بد من صحوة حتى نعي ما الذي حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟ وأين نحن؟ وتلك أسئلة جوهرية لا بد لنا من الوقوف أمامها إن أردنا وجودا في خارطة العالم وفي بنيته العامة ونظامه العام.

قد يعجبك ايضا