ثمة مسار جدلي حافل بالتناقضات اكتنف أرض الإسراء والمعراج حيث القدس والأقصى وكنيسة القيامة، حيث نبت وكان (جذع نخلة) ( السيدة مريم) الذي هزته فتساقط لها رطبا جنيا، هناك حيث ولد (يسوع المسيح) روح الله الذي تكلم في المهد صبيا..
هي فلسطين أرض الرباط وحاضنة الأنبياء والرسل ومسرى رسول البشرية الخاتم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام الذي اختاره الله ليُسري به إليه من هذه الأرض المباركة والتي بارك الله حولها، لم يسرى برسول الله من (مكة) حيث بيت الله وهي أول بيت وضع للناس والتي جعلها قبلة للمسلمين، ولم يسرى به من (المدينة المنورة) حيث المسجد الذي كان أول (قصر لحكم المسلمين) ومنه دانت للإسلام قبائل وشعوب بلغت فارس ووسط آسيا وحتى بحر الصين.. لكن الله سبحانه وتعالى اختار لمسرى نبيه الخاتم فلسطين لينطلق منها إلى سدرة المنتهى حيث لم يصل إليه أحد قبل محمد ولن يصل إليه أحد بعده..
على مدى قرون كانت فلسطين ولا تزال نقطة جغرافية يتطلع لامتلاكها والسيطرة عليها غزاة الأرض وأباطرة الإمبراطوريات المتعاقبة على سطح الكوكب.. طيب لماذا فلسطين بالذات..؟!
لأن لهذه الرقعة الجغرافية من خارطة الأمة العربية قدسية ورمزية ذات صلة وثيقة بالقيم الروحية لدى أتباع كافة الأديان السماوية الثلاثة ثم إن من يمتلكها يسيطر على قرار الأمة وهويتها ومصيرها، ولذا كانت هناك كثير من المحاولات الاستعمارية الأجنبية التي تقاطرت على فلسطين بهدف امتلاكها من قبل (العماليق) وبعدهم، ومن قبل الإسلام وبعده، فكانت أكثر المحاولات من قبل ( الاستعمار الصليبي) الذي رفع راية (الصليب) وتحت رايتها وراية (المسيح عيسى ابن مريم) الذي اتخذ منه الغزاة شعارا لخداع مسيحيي الشرق وبزعم حمايتهم من (البرابرة المسلمين) لكن كان مسيحيو الشرق في طليعة من تصدوا للحملات الصليبية القادمة من خلف البحار بهدف استعماري، ثم بعد فشل (تسع محاولات صليبية) الاستيلاء على فلسطين.. وضع الغرب الاستعماري مخططاً آخر ذا أبعاد مزدوجة متجنبا سياسته السابقة التي اعتمدها خلال حملاته الصليبية.
كان الغرب يعاني من ظاهرة (اليهود) وما سببوه من قلق للمجتمعات الأوروبية وكان لا بد من التخلص منهم، فليس هناك شعب تمقته المجتمعات الأوروبية قدر مقتها وكرهها وحقدها على (الشعب اليهودي).
وكان لا بد من إعداد مخطط استعماري قادر على تطويع هذه الجغرافية وتطويع أهلها وبطريقة مجبولة بصبغة دينية محفوفة بالأساطير اللاهوتية وتكيف هذا المخطط مع خفوت مدافع الحرب العالمية الأولى وانهيار دولة الخلافة العثمانية التي تزامن انهيارها مع بدء دوران عجلة التصنيع في أوروبا وأمريكا واحتياجهم للمواد الخام ولخيرات الوطن العربي التي اكتشفتها بريطانيا الاستعمارية وهي من قامت برسم الحدود الجغرافية وقسمت الوطن العربي إلى كانتونات و دويلات ونصبت حكامها من عملائها ومن كانوا في خدمتها في عقود استعمارها للوطن العربي.
دعوات الرئيس الأمريكي (ترمب) هي الأكثر صدقا وشجاعة في التعبير عما يفكر به الغرب وأمريكا وبما يتمنونه في فلسطين (ريفيرا المتوسط) استثمار عقاري و(ترمب) المشتري بقوة أمريكا.. ومن يجرؤ على اعتراض رغبات أمريكا.. من يجرؤ على اعتراض رغبات (فرعون) العصر وإن كانت عصا (السنوار) تتماهى مع عصا (موسى) وتلقف ما يأفكون.. فإن غطرسة (ترمب) وتعاليه لا تقل عن غطرسة وتعالي (فرعون) القائل أنا ربكم الأعلى، ولا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.. لم يخالف ترمب بأقواله أقوال فرعون ولكن لم نجد بعد من (يبهت) الذي كفر.
لم تكن يوما فلسطين أرض الميعاد ولا وطناً لشعب الله المختار، بل لم يكن هناك أصلاً شعب اسمه شعب الله المختار.
لكن هناك أمة إذا توحدت سيطرت على العالم ولديها كل ممكنات السيطرة والتنمية والتقدم، من الموقع الجغرافي وتحكمها على طرق التجارة الدولية والثروات والمعادن وخيرات حباها بها الله إلى قيم روحية وحضارية وتنوع ثقافي وجغرافي وكل مقومات الزعامة على الكون متوفرة في هذه الأمة، وهذا ما يخافه الغرب ويرعب أمريكا لأن هذه الأمة إن نهضت وتوحدت سيطرت ودانت لها الأرض، وهذا غير مرغوب أمريكيا وغربيا وغير مسموح به، لذا تم قطع الطريق أمام هذا الحلم قبل أكثر من قرن وتم إنشاء أنظمة وظيفية وتمزيق الجغرافية وإبقاء فلسطين (مسرح استنزاف) وقاعدة عسكرية استعمارية تقوم بمهمتين معا، المهمة الأولى استيعاب قذارة (الصهاينة اليهود) وتخليص أوروبا من رجسهم، والثانية توظيفهم ليكونوا رأس حربة للقوى الاستعمارية في حال نهضت هذه الأمة أو أي من مكوناتها لتهديد مصالح القوى الاستعمارية، بدليل أن المقاومة ومحاور الرفض والممانعة كانت ولا تزال هدف القوى الاستعمارية التي لم تدمر جيوشاً وأنظمة عربية لأنها ديكتاتورية ومستبدة ولا حبا لسكان هذه الأقطار المدمرة، بل تم تدمير جيوش وأنظمة لأنها بنيت على عقيدة العداء للصهاينة والاستعمار حتى وإن أخفقت في التخلص منهم والتحرر من تبعيتهم فإن تكريس وترسيخ ثقافة العداء للصهاينة والاستعمار بين أجيال الأمة هو هدف مطلوب القضاء عليه.
سيفشل (ترمب) كما فشل (فرعون) وسوف تحقق ( عصا السنوار) معجزات ( عصا موسى) وستبقى فلسطين عنوان كرامة الأمة وميزاناً نرى من خلاله منسوب الوعي الجمعي ونقيس بها ومن خلالها درجة تطور الكرامة العربية التي لا تقاس إلا من خلال علاقة العرب بفلسطين، ولست مزايداً ولا طوباوياً حالماً إن قلت أن عروبة العربي وهويته وإسلام المسلم وحقيقته ظواهر تثبتها وتؤكدها علاقتهم ومواقفهم من فلسطين القضية والمصير.
نرجسية ترمب ستزول وغروره سيرتد عليه وبالا وكل عنترياته ليست إلا تهريجاً يريد من خلالها تخويف الخائفين واستلاب قدراتهم ولن يقدم على أي فعل أبعد من ذلك إلا إن خضع عبيد أمريكا لرغباتها ونسوا الله واتخذوا من (ترمب) إلهاً يُعبد بديلا عن عبادة الله، وحتى إن فعلوا هذا فلن يحققوا أهدافهم لأن لله جنودا لا يعلمهم إلا هو سبحانه القاهر فوق عباده.