كتب /وفاء الكبسي
وقفتُ حائرةً وتَجمدَ حبرُ قلمي وسقطَ دمعُ عيني كلما حاولت أن أبدأ بالكتابة عن أسطورة نادرة من أساطير البطولة والشجاعة والشموخ والاستبسال، فكلماتي تتلعثم وتعتذر بأن تصف ذاك الرجل العظيم المجاهد المغوار الكرار غير الفرار، والشخصية البطولية النادرة التي قل إن نجد لها مثيلاً في هذا الزمانّ.
هذا البطل الأسطوري هو الشهيد الرئيس صالح الصماد الذي كان رجلاً بحجم أمة، حمل في ثناياهِ هموم الأمة وقضية الوطن، أنّهُ بحق قائد عجزت كُلّ الأمهات أن تلد مثلهُ، لقد حَمّل الشهيد الرئيس روحية الجهاد في كل مراحل حياته التي استقاها من الثقافة القرآنية وتعلمها على يد الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- فلم يخضع أو يتوانى أو يَهن، ولم يتراجع بل كلما ازدادت الصعوبات والتهديدات ازداد صموداً وصبراً وقوةً حتى حينما وصل إلى تحمل مسؤولية البلاد في ظروف قاسية واستثنائية وحرجة، لقد حمل المسؤولية بكل تحد ورحابة صدّر، فكان رجل المرحلة الجدير في كُل المواقف والظروف الصعبة، وكان الحصن الحصين والدّرع الواقي للبلاد، فجل هَمهِ الدفاع عن الوطن، ولهذا كان يَعدّ العدّة ويجهز الرجال بنفسه، فآخر أعماله كانت التحشيد لمعركة الساحل، ذهب بنفسه للحديدة وحشد لمسيرة البنادق لمواجهة العدوان والردّ على المبعوث الأممي بأننا لنّ نَقبل أي مفاوضات نفاقيه خداعة، فالرد سيكون من بنادقنا، أرعبتهم كلماته وأفعاله وزلزلتهم؛ لذلك اغتالوه في الحديدة وصبوا عليه نار حقدهم بثلاث غارات جوية .
سيكتب التاريخ بأن الصماد كان أول رئيس في الوطن العربي يخدم مجتمعه من غير مقابل ولا عرض دنيوي، فقد أهتم ببناء المجتمع والدولة، وقدم مشروعه العظيم (يد تحمي ويد تبني)، فلن ينسى التاريخ أن يخلد مشروعه العظيم الذي كان كخارطة للطريق نحو عمل مؤسسي متكامل من بناء وتحرك جهادي لمقارعة العدوان الغاشم والحصار الخانق، هذا المشروع عَمّده بدمائهِ الطاهرة الزكية، فعهداً علينا أن نكون أوفياء له وأن نستكمل مشروعه العظيم، فهذا طريق اخترناه ولن نحيد عنه مهما كان حجم التحديات، كان الصماد إماماً جامعاً لكل خصال الخير، هادياً مهدياً مقبلاً على الله وحده، شاكراً لنعم ربه يُقتدى بهِ في كل شيء، كما كان خليل الرحمٰن إبراهيم -عليه السلام- أمة قانتاً لله، فهو أول رئيس في العالم يخطب خطبة بليغة للجمعة ويؤم المصلين ويعلم الناس الدين، وأول رئيس لا يورث لأهله قصوراً، ولا مباني، ولا أرصدة في البنوك، إنما ورثهم عقيدةً راسخة وخطاً يسيرون عليه للجنة، فلا يسعني إلا أن أقول إنه كان أمةٌ في رجل واحد، لقد كان أمة في إيمانه ودعوته إلى الله، واستشعاره للمسؤولية، وجهاده من أجل رفع راية الحق ومقارعة الباطل وحزبه، كان إخلاصه لله وحدة ولأمته، أحبّ أبناء شعبهُ فأحبوه واعتزوا به وافتخروا بأن رئيسهم وقائدهم أول رئيس يقدم نفسه ويضحي بها قرباناً في سبيل الله ودفاعاً عن المستضعفين وعن سيادة الوطن، فهنيئاً لشعب كان رئيسه شهيداً، وشعب شهيد أو مازال في قائمة الانتظار.
إن خبر استشهاده كان فاجعة وخسارة عظيمة للبلاد، ولكن عزاءنا أنه ارتقى شهيداً حياً يرزق عند مليك مقتدر، نعاهد الشهيد الرئيس الصمّاد بأن دماءه الطاهرة لنّ تذهب دونّ ردّ مزلزل ومرعب للأعداء، وأنهم لنّ يذوقوا بعد اليوم لا طعم الأمن ولا الأمان، فلن نتهاون أو نتراجع أو نخضع أو نضعف، بل سنكون أقوياء أشداء على الأعداء كما كان الصمّاد أمة كاملة في الصبر والصمود والجهاد، ولن يجدونا إلا حيث يكرهون.
ونحن اليوم ووفاءً لدمائه الطاهرة الزكية ومن موقع مسؤوليتنا، نعاهده بأننا على عهده صامدون، وعلى مشروعه ثابتون ومستمرون، فلنا أيد تبني وتنمي وتحمي وتعد وتدافع وتنصر، فلك العهد منا يا أبا الفضل بأننا على دربك ثابتون، فلن تكون دماؤنا أغلى من دمائك، ولا أرواحنا أغلى من روحك الطاهرة، فسلام الله عليك يا صماد عشت صامدًا شامخًا واستشهدت مقداما ثابتا شامخا.