يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

حركة العالم وهوان العرب

 

 

بقراءة واعية لما يحدث اليوم في المنطقة العربية ندرك أن ثمة متغيراً وتبدلاً قد حدث ولا بد لنا من الاستعداد له، فالعالم يتحرك وفق رؤى واستراتيجيات النظام الرأسمالي الذي يمارس الغبن والاستغلال للشعوب، بعد أن ربض هذا النظام ردحا من الزمن، لم تجن الشعوب منه سوى الحروب والصراعات والانقسامات وتفشي روح الاستغلال والغبن للمقدرات، والتحكم بأقدار الناس وحيواتهم ورفاهيتهم وسعادتهم من خلال صناعة الأزمات، والفيروسات، والانتهاكات لقيم المحبة والسلام والتعايش السلمي والآمن بين الثقافات والحضارات، ومن خلال سعي الرأسمالية إلى العولمة، وتشكيل نظم اجتماعية لما بعد الحداثة يكون الفرد فيها حرا حرية مطلقة، لا تحكمه سوى المصالح المتبادلة، أو ما يؤمل من المصالح والمنافع دون أي اعتبار للقيم والمبادئ، ولا للقوانين والعهود الدولية، هذا العالم المتخيل بدأ يتشكل اليوم من خلال القفز على مبادئ وعهود الإنسان الدولية، وما يحدث اليوم بغزة وفي المنطقة بكلها دلائل واضحة على هذا التوجه، والسعي إلى هدم التطبيقات الاجتماعية، وتفكيك النظم العامة في القانون العام والطبيعي، وعدم احترام النظم الثقافية والاجتماعية والعقائدية، وتشجيع الأفراد والجماعات على الثورة عليها من خلال حالة الانفلات التي عليها المجتمع الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي والتي بالضرورة سوف تعكس نفسها في الواقع المعيش للإنسان فردا كان أو مجتمعا.
ويسعى النظام الرأسمالي إلى الاشتغال على مفردات القوة الناعمة بكل تفاصيلها في التفاعل مع قضايا الشعوب التي يدير صراعها ويتحكم في مصائرها ويرى في القوة الناعمة الأكثر تأثيرا والأقل كلفة من القوة الصلبة، وهي في الواقع الأكثر خطرا على هويات البلدان والشعوب وثقافتها ومستقبلها، وقد رأينا أثر ذلك في العدوان على اليمن ومن ثم نراه اليوم في حقائق الموقف مما يحدث في فلسطين وبالتحديد في غزة من حرب إبادة شاملة تجرف الإنسان والحجر والشجر دون أن يتحرك للضمير الإنساني نبض أو يرف له جفن.
ويرى المفكرون أن القوة الناعمة التي تنتهجها السياسة الرأسمالية تشبه الطقس يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص، ولكن لا يفهمه إلا القليلون من حيث التنبؤ بالتغيرات التي ترتكز في منهج السياسة الرأسمالية على ثلاث مرتكزات هي :
– ثقافة البلدان والشعوب
– السياسة الخارجية
– البعد الاقتصادي للبلدان والشعوب
ولعل البعد الاقتصادي يلعب دورا محوريا في القوة الناعمة فأمريكا تحتل المرتبة الأولى عالميا فهي تشكل عامل جذب لستة أضعاف من المهاجرين الأجانب، وهي في السياق نفسه أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية، وتتحكم بالتطبيقات لمصادر الوعي العالمي، ومن خلال التحكم بمصادر الوعي استطاعت أمريكا أن تقنع العالم بخطورة الأنظمة التحررية التي استطاعت الصمود، والاشتغال على تفكيكها، ولنا في العراق مثالا حيا في ذلك، فالقارئ لما وصل إليه المجتمع العراقي يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا استطاعت اختراق المجتمع العراقي وتسعى إلى تغيير قيمة ومبادئه.
لقد حاولت أمريكا ومن شايعها القضاء على الحركات القومية وتفكيك النزعة الاستقلالية وعلي هدم المثاليات وهدم الإسلام من داخله من خلال الحركات الأصولية التي تصنع في الجامعة الإسلامية في إسرائيل والتي تتبع الموساد مباشرة فيكون أفرادها قادرين على السيطرة على الوجدان العام من خلال خطاب العصبية الدينية الذي تنتهجه وتسيطر به على عامة المسلمين، وقد رأينا كيف سيطروا على موجهات الإخوان وما تناسل عن الإخوان من جماعات مثل الجهادية والقطبية وغيرهما من الجماعات الذين نشطوا في اغتيال الكثير من رموز التنوير في الوطن العربي خوف الوعي واليقظة، فالنظام الرأسمالي يعتبر التضليل وتسطيح الوعي بالقضايا المصيرية للأمم طريقا للوصول إلى غاياته .
ومن الملاحظ منذ سقط المعسكر الشرقي بيد الغرب سقطت في المقابل المدارس النقدية والفكرية والفلسفية والثقافية فالصراع المحموم الذي شهده العالم وكانت من نتائجه الكثير من المدارس الفكرية والفلسفية والأدبية والثقافية اختفى فجأة مع رغبة الرأسمالية في تسطيح الوعي، ولذلك خلقوا بدائل تلامس القشور وتلهي العالم وفي ذات اللحظة تدر مالا كثيرا مثل البرامج والمسابقات التي يسمح بتعميم تجاربها في الفضائيات مثل مسابقات الشعر ومسابقات الصوت أو مسابقات المعلومات وهي أعمال تديرها في الوطن العربي قنوات(mbc) ويمكن مراجعة قائمة البرامج التي تبثها أو بثتها ومقارنتها مع مماثل لها يخرج أو خرج من غرف الاستخبارات العالمية والقيام بدراسة ولو محدودة ليكتشف المرء الدور الذي يقوم به النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا في استغلال الشعوب وتسطيح وعيها واستغلال مقدراتها دون أن تدرك حجم الكارثة .
بالمختصر المفيد ما وصل إليه العرب والمسلمون اليوم من ذبول وهوان وانكسار كان بسبب حالة الاستغلال والغبن التي مارستها أمريكا ونظامها الرأسمالي القذر الذي خدع الناس بالقيم ومبادئ الحقوق والحريات فكان أبشع وأفظع من انتهكها، ومع التداعيات الجديدة التي سوف تسفر عن واقع جديد في العالم لابد من الانتباه إلى فكرة الصناعة فهي الأقدر على التحكم بمقاليد المستقبل.

قد يعجبك ايضا