إرادة إثبات الذات، مسار لا يخوضه سوى نجم من نجوم أولي “البأس الشديد”. مسار من عظمة السير فيه، أن أبطاله يقلبون الطاولة على مزاعم التحديات فيحولون كل المهددات إلى فرص للصعود إلى القمة.
الثورة / يحيى الربيعي
النحال الصغير “معتز زيد 15 عاما”، بطل قصتنا.. وضعته الظروف الصعبة لمرض والده وأخيه في مفترق الطريق ما بين الأمل والإحباط، وأدرك قيمة الإرادة في إثبات الذات والبحث في دائرة المحيط عن المتاح.
وقف ذات يوم أمام منحلة للعم “يحيى”. أثناء ما كان العم “يحيى” يحضر له كمية عسل لوالده وأخيه. تساءل في نفسه: قد يأتي اليوم الذي لا نملك فيه 600 ألف ريال لتكلفة علاج والدي وأخي من العسل؟ فلماذا لا أصبح نحالًا؟
لم تتوقف طموحات الطفل الذي لم يتجاوز من العمر حينها 12 عامًا عند نقطة نهاية الألم، وإنما انطلقت الإرادة بقوة إلى التضحية برغباته كطفل في إنفاق مصروف يومه المدرسي على الكماليات أو الضروريات.
معتز بدأ يجمع مصروفه، ريالًا على ريال، حتى صار لديه 18 ألف ريال، ومن فوره انطلق إلى عالم الشهرة؛ عالم صناعة الذات.
لم تكن الطريق أمام معتز معبدة أو مفروشة بالورود، ,كان صغر السن أولى العقبات، إلى جانب انعدام الخبرة وصعوبة تقسيم الوقت بين الدراسة والعناية بالنحل.
وبعد مرور ثلاثة أعوام فقط من خطوة البداية، نلتقي بالنحال الصغير (معتز زيد حسن علي عوض- من أبناء محافظ الحديدة، جبل برع يبلغ من العمر 15 سنة). لنستمتع معه في بضع دقائق، إلى حكاية الصعود إلى القمة من تحت الصفر. فإلى الحكاية:
عشقت مهنة تربية النحل متأثراً بدرس تلقيته في المدرسة عن النحل. وفي أحد الأيام، تعرض والدي وأحد إخوتي لحادث اصطدام وقرر الأطباء لهما استخدام العسل كعلاج. في ذلك الوقت، كان والدي يشتري العسل من العم “يحيى” بكلفة تقارب 600 ألف ريال يمني شهرياً. عندها خطرت في بالي فكرة إنشاء منحل خاص بي، وبدأت بتساؤل: لماذا لا يكون لدي منحل مثل هذا؟ من هنا، بدأت بتوفير مصروفي المدرسي، وجمعت حوالي 18 ألف ريال يمني.
اتجهت بالمبلغ إلى العم “يحيى” وطلبت منه أن يبيعني أعواد نحل، مؤكدًا له أن لدي رغبة قوية في العمل كمربي نحل. لكنه رد قائلاً: “النحل يحتاج إلى شخص كبير قادر على رعايته، وأنت لا زلت صغيراً”. في ذلك الوقت، كنت طالباً في المرحلة الأساسية. عدت إلى والدي، وقلت له إن عمي “يحيى” أبى يبيعني أعواد نحل.
قال لي والدي: “يا بني، لا تغامر فلربما تخسر”. ولكنني رجعت مرة ثانية للعم “يحيى”، وأصررت عليه أن يبيعني اثنين من الأعواد البلدي. قلت له بإصرار: “فقط بيعني، وسأتولى رعاية النحل وأصبر عليه، أنا متوكل على الله”. فقال: “سابر، ونعم بالله”، وأعطاني اثنين من الأعواد.
رجعت بهما إلى البيت، وكان العم “يحيى” يأتيني لتقسيم الخلايا حتى وصلت إلى 20 عوداً من النحل البلدي. في تلك الفترة، سُرق تلفون أبي وانقطع تواصلي بالعم “يحيى”. وتعرض النحل لمرض، حيث كان يزحف على الأرض بدون أجنحة. سألت أخي: “ما جرى للنحل بات يزحف على الأرض بدون أجنحة”؟ رد عليّ بعفوية: “لماذا لا نبحث في الإنترنت عن أمراض النحل؟
بادرت على الفور بالبحث، ومن خلال الإنترنت، تواصلت مع خبير نحل من الأردن، هو أبو أنس النجار، الله يرحمه.
هذا الرجل أخذ بيدي، يعلمني ويصبر على كثرة أسئلتي، حتى أنه ضمني إلى مجموعة واتساب. في تلك المجموعة، بدأت أتعلم على أيدي مجموعة من الدكاترة، مثل الدكتور عبد الرحمن باخمسة، والدكتور سيف الدين حامد، والدكتور عصام عودة من دمشق.
صرت أتعلم منهم كل ما أحتاجه في مهنة تربية النحل. الوالد أبو أنس النجار استمر في تعليمي طرق التقسيم حتى بلغ مجموع أعوادي من النحل حوالي 120 عود. بدأ عندها يختبرني وأعطاني شهادة تميز. ومن دروسه القيمة، أعطاني طريقة لاستكثار النحل بسرعة بتخصيص خلية أو خليتين لتربية الملكات وتركها حتى تصبح 30 – 40 ملكة.
ثم أقسم ثلاثة أقراص الخلية إلى حضنة مفتوحة وحضنة مغلقة وعسل، وأطرح ملكة في المغلقة وأبعدها عن النحل 3 كم، وهكذا. الحمد لله، كانت طريقة ناجحة معي. استمريت على هذا الحال إلى ما قبل سنة ونصف أو سنتين، حتى بلغ عدد أعوادي 300 جبح.
اليوم، صرت أملك حوالي 800 عود بلدي. والحمد لله، أصبحت أعيش مع أفراد أسرتي حياة الاكتفاء بفضل ما يرزقنا الله من عائدات هذه المهنة. لدي طموح في أن يبارك الله لي، وأصل إلى مرحلة أمتلك فيها ألفًا، ألفين، أو حتى ثلاثة آلاف عود.
تطورت تجربتي مع النحل حتى أصبحت، ولله الحمد، أنتج منتجات غير العسل مثل الغذاء الملكي، وسم النحل، وغيرها. فيما يتعلق بإنتاج سم النحل، ابتكرت جهازًا لاستخراجه.
طبعًا، سم النحل يباع عالميًا بحوالي مائة دولار للجرام الواحد، ويستخدم لعلاج أمراض مثل السرطان وضعف المناعة. تباع منتجاته لمستشفيات متخصصة، حيث يعاد تصنيعها كدواء. بالمثل، الغذاء الملكي، هو الآخر يستخدم كدواء، ويباع الجرام منه عالميًا بما يعادل 5 آلاف ريال.
منذ الوهلة الأولى، حظي منحلي بعناية خاصة ومتابعة دورية مباشرة من الجانب الرسمي ممثلا باللجنة الزراعية والسمكية العليا، ومؤسسة بنيان التنموية، والإرشاد والإعلام الزراعي بوزارة الزراعة والري والجهات المعنية في الدولة كل بحسب اختصاصه، ويشرف مستشفى المؤيد التخصصي الخاص بصنعاء على منتجاتي ذات الطابع الدوائي، ويقوم بتسويقها بعد قيامه بإنتاجها كأدوية.
الآفات والأمراض
قصتي مع الآفات والأمراض التي تصيب النحل، بدأت عندما أصيب النحل بآفة الفاروا، وصار يزحف على الأرض بدون أجنحة. وبعد عناء البحث عن سبل الوقاية والعلاج من هذه الآفة، تواصلت مع أبو أنس النجار من الأردن.
أخذت منه فكرة استخدام منقوع الزر، لأن الفاروا ضعيفة وتسقط بمجرد أن تشم أي رائحة عطرية أو منقوع. ولإمساكها حال سقوطها ومنع عودتها إلى النحل، نضع ورقة مبلولة بالفازلين أو زيت الخردل على أرضية الخلية تحت الأقراص، كي تمسك بها وتجوع فتموت.
قلقي من هذه الآفة دفعني للتفكير كثيرًا في وسائل الوقاية. وفي أحد الأيام بينما كنت أمشي في الطريق، شممت رائحة نبات “الفحيح”.
شعرت حينها بالفرح وقلت: لماذا لا نجرب الفحيح ونضعها خضراء في الخلية لنرى ما سيحدث؟ والحمد لله، بمجرد أن وضعت قليلاً منها في عود بلدي كتجربة، بدأت الفاروا تتساقط بكثرة، ولم يتضرر النحل من ذلك بشيء. مع الأيام والتجارب تعلمت أن نبات الفحيح، عندما يوضع أخضر داخل عود النحل البلدي، فإنه يكافح الفاروا بشكل مستمر.
كل ما عليك فعله هو وضع ورقة مدهونة بالفازلين أو زيت الخردل أسفل الخلية لتسقط الفاروا عليها وتموت. وفي حال كانت الفاروا متأصلة داخل حضنة الذكور، يجب علينا تبخير أول حضنة للنحل بعود فحيح يابسة، وأفضل الأوقات للتبخير هي فترة العصرية، مع التأكيد على أن الخطوة الأهم هي وضع ورقة مدهونة بزيت الخردل أو الفازلين كي تسقط الفاروا فوقها.
الفاروا لا يمكن إزالتها نهائياً من المنحل، لذا ليس أمامك سوى المكافحة المستمرة، وأفضل طريقة هي استخدام الدخان لطرد الفاروا من الحضنة. الحمد لله، نحلي الآن سليم من الفاروا بنسبة خلو تقدر بـ 90٪، وهذه أعلى نسبة يمكن أن يحققها النحال في مكافحة آفة الفاروا.
الفاروا هي إحدى الأمراض والآفات الخطيرة التي تصيب المناحل، إلى جانب حالات الإسهال والأمراض الأخرى. الأمراض التي تصيب خلايا النحل عديدة، منها الأكارين، وتعفن الحضنة الأمريكي والأوروبي. الحمد لله، أمراض الحضنة الأمريكي والأوروبي تتواجد في دول أخرى، ولكن في اليمن تقتصر على الإسهالات والأكارين، وهذه الأمراض تصيب النحل بارتخاء الأجنحة، انتفاخ البطن، وتبرز النحل على لوحة الطيران، وكذلك تسبب وفيات معتبرة أمام الخلية، وعدم القدرة على الطيران.
وأحيانًا تسري في الليل نحو الضوء أو تصيب النحل بأمراض في الجهاز التنفسي، مما يجعله غير قادر على التنفس. نحارب هذه الأمراض باستخدام عصير الليمون والثوم ممزوجين بتغذية سكرية لمدة ثلاثة أيام، حيث يشرب النحل الخليط ويتعافى. وعندما يكون الإسهال حادًا، نضيف 5 ملجم من عصير الصبار إلى 5 لترات من محلول سكري، فيتحسن النحل بسرعة. هناك أيضًا منقوعات، مثل منقوع الكركم الذكر (الهرد)، الذي نستخدمه لتعزيز مناعة النحل فهو مضاد حيوي طبيعي يزود النحل بمجموعة فيتامينات تمكنه من الحياة في البرية دون الحاجة إلا للمساعدة فقط.
الأعداء الطبيعيون
بالإضافة إلى الآفات، هناك العديد من الأعداء الطبيعيين الذين يهاجمون خلايا النحل ويفتكون بها إذا لم تكن قوية وقادرة على المقاومة، ومن هؤلاء الأعداء (أبو قرن والدبور). ولحماية الخلايا من هجمات أبي قرن، ننصب له ناموسية، فإذا حاول الاقتراب من النحل يعلق في الشباك ويتعذر عليه الطيران، ونتخلص منه بسهولة.
أما بالنسبة للدبور، فنجهز له مصيدة؛ وهي عبارة عن برميل يحتوي على قليل من المحلول السكري وقطع من السمك، وفوقه مربع مفتوح من الجوانب الأربعة ومغطى بغطاء شبكي، نترك للدبور فتحة صغيرة من الأسفل تمكنه من الدخول للشرب؛ بعد أن يشرب، يحاول الطيران لأعلى وهنا تصطاده شباك التل.
هذا النوع من الأعداء يتواجد بكثرة في مناطق الجوف، ولا سيما في المناطق الصحراوية والبرية. إضافة إلى ذلك، هناك طائر الوروار الذي يهلك النحل نظراً لأنه يتغذى عليه.
أذكر أنه في أحد الأيام قتلت ما بين 360-370 طيراً في منطقة الجوف، ورغم ذلك استمرت أعدادها في التزايد يوماً بعد يوم. بحثت فاكتشفت أن هذا الطائر يتكاثر بسرعة رهيبة ويتغذى بكثرة على النحل.
أدركت حينها أن مقاومة هذا الكم الهائل من التكاثر أمر مستحيل، لذا قررت الانتقال من ذلك المكان بحثاً عن مراعي أخرى تبعد بحوالي 5 كيلومترات فأكثر.