أمريكا في الحرب العالمية الثالثة.. إلى أين؟

مطهر الأشموري

 

 

ما عُرفت بعد الحرب العالمية الثانية بالحرب الباردة مثلت أرضية الحرب العالمية الثالثة، ويمكن القول إن أمريكا ومعها الغرب فازت أو انتصرت في الجزء الأول أو الجولة الأولى من الحرب العالمية الثالثة باندثار وتفتت الاتحاد السوفيتي وذلك ما جعل أمريكا ومعها الغرب يتعاملون مع روسيا والصين والعالم كما يتعامل الطرف المنتصر في الحرب العالمية الأولى مع ألمانيا ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية..
وبما أن النووي لم يُستعمل في نهاية الحرب الباردة لا من الطرف المنتصر ولا من الطرف المنهزم فإن بؤر أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي وغزة ربطاً بما حدث في إفريقيا هي مسرح الحرب العالمية الثالثة التي تجري ولكن بدون الوصول لاستعمال النووي حتى الآن..
فروسيا التي هزمت في الجزء الأول “الحرب الباردة” انضمت إلى اصطفافها قوى صاعدة وبقوة وعالم ازدادت معاناته بسبب الاستعمار الغربي القديم ثم الحديث “الاستعمال” وهو ذات الاستعمار إن لم يكن أشنع..
ما يجري في أوكرانيا هي حرب العالم الغربي الاستعماري على روسيا، وبالمناسبة فالهيمنة الغربية على العالم تمتد إلى أكثر من 500 سنة..
ما يجري إزاء تايوان وبحر الصين الجنوبي هي حرب العالم الغربي ضد الصين وفقط لأن روسيا والصين صعدتا قدراتهما لممارسة حق الدفاع عن النفس وعن الوجود، فالغرب كأنما قرر خوض حرباً عالمية لمنع أي تنافس أو منافسة معه مع فارق انتقال القيادة لأمريكا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية..
وهكذا فإن كل ما جرى ويجري من أوكرانيا إلى إفريقيا حتى غزة وربطاً بذلك حول تايوان وفي بحر الصين الجنوبي يمثل الجزء الثاني من الحرب العالمية الثالثة، والواضح هو أن أمريكا والغرب باتوا الطرف الذي يعد باتجاه أمر واقع لتفعيل النووي ولكنه في تفعيل ذلك كتهديد أو في وضع التردد لا يعطي يقيناً أو جزماً من ناحية ويرفع سقف تصعيده ولكنه لا يعطي توقيتاً أو سقفاً لاحتمالية استعمال السلاح النووي..
باستثناء حملة إعلامية أقرب من إعلانية من طرف د. كيسنجر بعد 2011م وتنبأ فيها بحرب عالمية ثالثة تكون أمريكا والغرب طرفاً وروسيا والصين وإيران الطرف المقابل وأكد أن النصر سيكون لأمريكا والغرب ـ باستثناء كيسنجر وحملته تلك- فإن المحللين العالميين يتوافق معظمهم حول توصيف ما يجري بأنها حرب عالمية ثالثة لكنهم يختلفون حول احتمالية استعمال النووي واحتمالية سقفه بين ما يسمى التكتيكي والاستراتيجي..
في الجزء الأول من هذه الحرب العالمية فالاتحاد السوفيتي كأنما أقر بانهزامه وبتفتت الاتحاد السوفيتي ولم يلجأ لتفعيل سلاحه النووي القادر على تدمير الكرة الأرضية لعدة مرات..
في الجزء الثاني الذي نمر به الآن رويداً رويداً يتضح أن أمريكا والغرب هما الطرف الأضعف ومن هذا الوضع والضعف يمارسون في تصعيد ما يمثل التهديد بأنها لن تقبل انهزاماً في أوكرانيا أو تايوان ولا يقبل بمجرد تراجع نفوذها فيما يسمى الشرق الأوسط وستفجر الحرب النووية إن وصلت أو أوصلت إلى مثل هذه الإضطرارات أو الخيارات، والطبيعي أن تقول في إعلامها الهادر بأن الروس والصين هم من يهددون بالسلاح النووي..
فإذا روسيا لم تستعمل النووي أو حتى تهدد به في ظل هزيمة وفي تفتت الاتحاد السوفيتي فليست في الظرف الحالي الطرف الذي يحتاج استعمال النووي أو حتى التهديد به..
أمريكا وقد تسلمت قيادة الغرب بعد الحرب العالمية الثانية ومارست هيمنة غير مسبوقة على العالم لا تقبل مجرد النزول من شجرة “الهيمنة” ولا تقبل باستعادة التوازن للعالم من خلال تعدد الأقطاب..
هذا يعني أن أمريكا مستعدة لحرب نووية رفضاً لنزولها أو إنزالها من شجرة هيمنتها على العالم..
فأمريكا إن لم تصل إلى تفجير حرب نووية عالمية تريد أن تكون الطرف الذي يمارس الابتزاز وانتزاع تنازلات نوعية من الأطراف والاصطفاف المقابل ومقابل امتناعها فقط عن تفجير حرب نووية..
بالطبع لا يوجد من يقدر سقف التنازلات التي قد تطلبها أمريكا، كما لا يوجد من يقدر سقف تنازلات قد تقبل بها روسيا أو الصين أو غيرهما لمجرد تجنب حرب عالمية نووية تهدد أمريكا بتفجيرها..
ولعلنا هنا نستطيع قراءة ومقارنة الأوضاع والتموضعات والقرارات والخيارات لمختلف الأطراف في الجزء الأول من هذه الحرب التي انتهت بتفتت السوفيت، وفي الجزء الثاني الذي نعيش ذروته كحرب عالمية فأين أمريكا والغرب في هذا الجزء الثاني مما قبل به السوفيت وروسيا، وماذا لو أن الأمر ـ افتراضا وصل إلى تفتيت أمريكا كما تفتيت الاتحاد السوفيتي؟!.

قد يعجبك ايضا