قاتل الله البخل وقبحه، فما هو إلا حرص على المنفعة يشبه عبادة الوثنيين لكل ما توهموا فيه المنفعة؛ وإن كان للحواس نوع من الكفر بالله فكفر اليد في إمساكها؛ وإن الله لرحيم إذ لم يعاقب البخلاء بما يعاقبون به الناس، فليس بين كل بخيل وبين الهلاك إلا أن ينقل الله «الإمساك» من يده إلى جوفه!.. على أنّ البخل إذا لم يكن بقيةً من الوثنية القديمة بعينها فهو على كل حال نقص من الإيمان، لأن الله وعد المحسنين والمتصدّقين ثواب ما أنفقوا مكافأةً على فضيلة الإحسان التي هي في الحقيقة فضيلة الإحساس، ثم أن يُخْلفَ عليهم ما أنفقوه أضعافاً مضاعفة؛ إذ المحسن لا يجود بدراهمه على الله ولكنه يُقرضه إياها قرضاً حسناً متى وضعها في يد الإنسانية الفقيرة؛ فمن أمسك عن الإحسان بخلاً فإنما يشكُّ في وعد الله، وإلا ففي قدرة الله، وإلا ففي الله نفسه؛ فأكبر البخل عند أكبر الكفر وأصغره عند أصغره، ويوم يخرج الإيمان من قلوب الأغنياء تخرج أرواح الفقراء من أجسامهم فيموتون بالجوع والعُري وبالمرض وغيرها من أسباب الموت، وكلها مظاهر متعدّدة لسبب واحد هو في الحقيقة كفر الأغنياء، كفر في الضمير لا كفر في اللسان.