فطور يوم الغيمة في رمضان.. قضي في شوال!
وقت الإفطار والسحور والصلوات المفروضة قبل وجود الساعة والمذياع في زمن القدماء
الثورة / أحمد المالكي
بفعل كثافة الغيوم والأجواء الممطرة بعد عصر ذلك اليوم أظلم النهار، فالتبس الأمر على أهل القرية، وكان حينها في رمضان، ظن الكثير منهم أن وقت المغرب قد حان ولا بد من الإفطار، اختلف الناس هل يفطرون أم ينتظرون، «ارشدهم» اقترح ان يقترب مجموعة منهم للاستماع إلى الأذان من المئذنة الوحيدة في قرية أخرى كان يعتلي فيها المؤذن ليؤذن بصوته في قرية بعيدة قليلا تسمى بيت السيد، وفعلا لم يمر وقت كبير حتى سمعوا صوت الأذان الخافت من المئذنة البعيدة قليلاً، وعلى إثر الأذان البعيد قرر أهل القرية أن يفطروا ثم صلّوا المغرب، وبعد ساعة تقريباً انقشعت الغيوم وبدا شفق الأصيل واضحا بعد أن افطر الجميع في القرية قبل نصف ساعة تقريبا من وقت المغرب الحقيقي، فاندهش الجميع وارتفعت الأصوات في القرية حتى من النساء في البيوت، « أفطرنا .. أفطرنا» متحسرين ومتألمين على ذلك اليوم، كل يلقي اللوم ويدعي على الآخر،
الأشخاص الذين ذهبوا لسماع الأذان البعيد أرجعوا المسألة إلى ذمة المئذنة، التي على الأرجح أن مؤذنها التبس عليه الأمر مع أصحابه في المسجد، كما حدث في قريتنا، بفعل الجو المظلم الذي فرضته الغيوم والأمطار الكثيفة، وظنوا أن وقت المغرب قد دخل ولا مجال لرؤية النجوم أو شيء واضح يحددون به الوقت ولا بد من الإفطار.. وبعدها قرر الجميع صيام يوم آخر في شوال يقضون فيه يوم فطر الغيمة الذي أفطروه في رمضان.. هذه القصة ليست من وحي الخيال، بل حدثت بالفعل في قريتي، عيال مالك بني حشيش، رواها لي أحد الآباء المسنين الذين عاشوا تفاصيل هذه القصة قبل نحو ثمانين عاما.. فكيف كان آباؤنا اليمنيون والمسلمون يضبطون أوقات فروض الصلاة والفطور والسحور وغيره قبل أن تُخترع الساعات والمذياع ومكبرات الصوت ووسائل الاتصالات والتنبيه الحديثة..
أصل القصة
سألت العم قاسم النجار من قرية عيال مالك بني حشيش، كيف كنتم تفطرون قبل أن تأتي الساعات والروادي « المذياع» !؟
فأجاب العم قاسم بالقول : يا بني كنا في القرية جميعا لا نملك ساعات ولا روادي ولا تلفزيونات ولا مكرفونات ولا شيء، كانت هناك خِبْرَة لدى آبائنا ورثناها منهم نهتدي عن طريقها بالنجوم في الليل والفجر، أما في النهار، فكنا نعتمد على ظل الشمس في تحديد وقت فروض الصلوات، فالظهر مثلا كنا نحدده عندما تنتصف الشمس في كبد السماء ويصبح الظل وسطا، والعصر عندما يمتد الظل بمقدار العصا أو الجامع نفسه مرتين، أما المغرب فعندما يظهر أول نجم أو عندما يبدأ الظلام بعد الأصيل مباشرة، ثم استدرك العم قاسم وروى لي ومجموعة من أهل القرية تلك القصة الفكاهية التي افتتحت بها « مقدمة» هذه المادة، وكانت فعلا قصة حقيقية فيها نوع من الفكاهة، وأيضا تعكس ما كان يعيشه الآباء من أوضاع عند تحديد الأوقات في مثل هذه الظروف الجوية أو الطقس الغائم وغيره، قبل أن توجد الساعات والإذاعات ومكبرات الصوت، ووسائل التواصل والتنبيه الحديثة التي بموجبها أصبح الناس يعتمدون عليها لمعرفة وتحديد أوقات الصلوات والفروض والإفطار والسحور وغيرها من الأوقات في الوقت الحاضر .
المسلمون الأوائل
وكان المسلمون الأوائل يعرفون أوقات الصلاة بالنظر إلى الظل في الظهر والعصر، وإلى غروب الشمس في المغرب، وغياب الشفق الأحمر في العشاء، وطلوع الفجر الصادق في الفجر، وبناء على ذلك وضع المعاصرون تقويم الصلوات بالتاريخ الميلادي، فاعتمد الناس التقويم مما أدى بكثير من الناس إلى الجهل بكيفية معرفة الأوقات بغير التقويم.
الهرب قديماً
في شهر رمضان المبارك، دائما ما ننتبه إلى الوقت لمعرفة أوقات السحور وموعد أذان المغرب، لكن كيف كان يحسب العرب قديما وفى صدر الإسلام الوقت، وكيف كانوا يتوصلون إلى مواعيد الصلوات خاصة في الشهر الفضيل، خصوصا وأن أول ساعة محمولة اخترعت بألمانيا، عام 1577م، وتم اختراع ساعة أكثر دقة من أجل رصد النجوم، وإن كان تطور الساعة الذي استمر حتى وصلت إلى شكلها الحالي عبر آلاف السنين.
المزولة
وعندما جاء الإسلام كان المسلمون في أمَسّ الحاجة إلى تحديد مواقيت الصلاة بصورة دقيقة، ومن هنا جاءت فكرة المزولة أو الساعة الشمسية، وقد اكتشف المسلمون المزاول أثناء توسعهم في العالم اليوناني في القرن السابع الميلادي، وكانوا يستخدمونها لقياس الوقت وتحديد أوقات الصلاة، وقد أسهم العلماء الفلكيون المسلمون في ذلك.
التحديد الإسلامي
وقد دلت الأحاديث الصحيحة على تحديد مواقيت الصلوات الخمس، وأجمع المسلمون على ذلك، وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى في المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين».
ومن هذا يتضح أن وقت العشاء الاختياري يبدأ من مغيب الشفق إلى ثلث الليل عند كثير من أهل العلم، وعند بعضهم يمتد إلى منتصف الليل، ومعلوم أن هذا كان من أول يوم فرضت فيه الصلاة بعد ليلة الإسراء، بدليل إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعليمه مواقيت الصلاة.