تاريخ متراكم من الخبرة والمعرفة الإدارية القيادية تفرد بها المعهد الوطني للعلوم الإدارية في العاصمة صنعاء، حيث مثل مرجعا هاما لكافة قطاعات ومؤسسات الدولة المختلفة منذ تأسيسه، وعلى الرغم من المنعطفات التي اعترت عمله ومهامه حتى جاءت ثورة الـ21 من سبتمبر عاد المعهد إلى الواجهة مجدداً نتيجة التوجه التنموي الحديث للقيادة الحكيمة التي تعمل على تجاوز التحديات الماثلة أمامها، ليقوم المعهد بدوره التنويري من خلال تأهيل وتعزيز قدرات كوادر مؤسسات الدولة المختلفة وفق مضامين وموجهات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة..
الثورة /مها موسى
«الثورة» قامت بزيارة للمعهد الوطني للعلوم الإدارية وسلطت الضوء أكثر حول أدواره المختلفة وجهوده المبذولة لتجاوز التحديات الراهنة.. وكان هذا الحوار مع عميد المعهد الدكتور محمد ضيف الله القطابري.. إليكم التفاصيل:
* في البدء نود منكم اطلاعنا على مراحل تأسيس المعهد وما تلاها من تحولات .. وهل ظل مرجعا لذوي المناصب من القيادات المتعاقبة حتى تاريخه ؟
– كان المعهد منذ بداية نشأته سنه 1963م يمثل بصمة للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، رحمه الله، وكان الجهة الوحيدة التي تؤهل كوادر الدولة وكان يعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية مباشرة، وقد تحولت تبعية المعهد بعد اغتياله سنة 1977م إلى رئاسة الوزراء حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، وكان مجلس أمنائه يضم ما يقارب ثلثي وزراء الحكومة برئاسة رئيس الوزراء سابقاً وهذا مثل ثقلاً وأهمية للمعهد حتى أصبح في عام 1986م تابعا لوزارة الخدمة المدنية، الأمر الذي أدى إلى التقليل من شأن المعهد والاهتمام به و أحدث خللاً في تنظيمه أدى إلى توقفه ست سنوات تقريباً.
* برأيكم ماهي الأسباب التي أدت إلى هذه التغيرات في التبعية وإلى ما آل إليه وضع المعهد؟
– عادة فإن المعاهد التي لها تراكم معرفي وخبراتي تعمل الدول على تطويرها وتنميتها بينما في بلادنا تراجع المعهد عما كان عليه وهذا بالتأكيد ناتج عن قصور في فهم القيادات العليا في الدولة سابقا، وكمثال واحد لعوائق جمة تقف حائلا أمام المعهد هو أن وزير المالية الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء هو احد أعضاء مجلس الأمناء فيما يشغل وزير الخدمة المدنية رئيس مجلس الأمناء وهو ما يتعارض في التراتبية وتسبب في توقف المجلس وعرقلة عمله الاعتيادي.
* ألا تعتقدون أن قرار تبعية المعهد للخدمة المدنية هو من أجل رسم السياسات العامة للموارد البشرية في مؤسسات الدولة؟
– فعلا هذا هو أحد الأسباب لكن وزير الخدمة المدنية كان عضواً في مجلس الأمناء وليكن نائباً لرئيس مجلس الأمناء أو حتى مقرراً لمجلس الأمناء، بحيث يُعطى أهمية بعد رئيس الوزراء لأن السياسات التدريبية والسياسات التعليمية هي معنية بموظفي الدولة كما تفضلتي بشكل عام .
مشاريع تطويرية
* من جهتكم ماهي المشاريع التطويرية التي تسعون إلى تحقيقها بشكل خاص أو ضمن خارطة الرؤية الوطنية للارتقاء بعمل المعهد؟
– الرؤية الوطنية أفردت جزئية مهمة جدا للمعهد من ناحية تطوير أدائه وتطوير قدراته ومهاراته، وانسجاما مع ذلك فإننا تقدمنا بمقترح تحويل المعهد إلى الأكاديمية الوطنية للعلوم الإدارية إلى رئيس القطاع الإداري الأستاذ احمد حامد للرفع به إلى رئاسة الجمهورية.
كما نعكف حاليا لإعداد مشروع آخر نرفعه إلى رئاسة الوزراء عبر القطاع الإداري بهدف تحديد الاحتياج التدريبي لكل كوادر الوزارات والمصالح الحكومية، بحيث يجري تدريب كادرها في المعهد وفق خطة احتياج ضرورية بدلا من تضارب الاختصاصات وتكرار البرامج التدريبية المقامة للكوادر وتعدد الجهات التدريبية الرسمية حتى أصبحت الاستفادة من مهارات الموظفين على الواقع شبه صفرية.
رفد الترقيات واعتماد الشهائد
وما نتطلع له من وراء هذا القرار هو أن يخضع كافة موظفي الدولة بلا استثناء لدورة تدريبية في المعهد وأن يكون من شروط العمل أو الحصول على الوظيفة اجتيازها لتكون لديهم أبجديات وأساسيات العمل عند تولي الأعمال.
أيضا هناك مشروع آخر ضمن القرار الآنف ذكره وهو رفد الترقيات بمختلف مستوياتها بمجموعة من المهارات الضرورية التي يجب اجتيازها في المجال الإداري أو المحاسبي أو المهني أو التخطيطي في السياسات أو الاستراتيجيات ويتم ذلك بالتنسيق مع الخدمة المدنية، كما هو معمول به في جميع البلدان وليس فقط في بلادنا.
كذلك من المشاريع التطويرية ما نحن قائمون عليه وبصدد إنجازه هو اعتماد الشهادات الصادرة من المعهد، حيث خاطبنا وزارة التعليم العالي بضرورة إخضاع الجانب التعليمي في المعهد لقانون التعليم العالي في الجمهورية اليمنية بجميع الشروط بحيث يجرى اعتماد الشهائد الصادرة عن المعهد سواء بكالوريوس أو دبلوم، ماجستير، أو دكتوراه وتصبح شهادة معترفاً بها كأي شهادة صادرة من أي جامعة أخرى وقد تلقينا رداً إيجابياً منهم بشأن ذلك.
55 ألف موظف بعد البكالوريوس
* في سياق الجزئية التي تحدثت عنها بشأن تحويل المعهد إلى أكاديمية.. ترى ما الجدوى من ذلك؟
– نحن في عصر التقدم، عصر النهوض، فالمرجعية لجميع المعاهد المماثلة في الوطن العربي، وكان المعهد الوطني أقدم منها بكثير، تحولت جميعها من معاهد إلى أكاديميات ما عدا في اليمن باستثناء المعاهد الشرطية أصبحت أكاديمية.
كذلك لا تزال النظرة الشائعة عن المعهد أنه «للتدريب فقط» وهو أساسا أنشئ للتعليم والتدريب حيث تخرج منه حوالي 2,300 موظف ممن حصلوا على دبلومات ما بعد البكالوريوس إلى تمهيدي ماجستير في فترة ما قبل تسعينيات القرن الماضي، كما تخرّج من المعهد أكثر من 55 ألف دبلوم بعد البكالوريوس في مجال الإدارة والمحاسبة حتى يومنا هذا.
معنيون بالدكتوراه والماجستير التنفيذية
* وماذا بشأن حملة الشهائد العليا من القوى العاملة.. هل يشملهم نظام المعهد؟
– سؤال مهم.. المعهد الوطني للعلوم الإدارية معني بالدكتوراه التنفيذية لموظفي الدولة، ومعني بشكل رئيسي بما يسمى الماجستير التنفيذي الوظيفي أو ماجستير أكاديمي لمن يريد أن يمارس عملية التدريس والمعهد هو من وقّع على الاتفاقية لبرنامج الماجستير الهولندي وكان مشرفا عليه حتى تم تحويله إلى جامعة صنعاء باعتباره ذا عائد مادي بالعملة الصعبة، وما يعنيننا كمعهد وطني تابع للدولة هو أن نؤهل قيادات الدولة وكوادر الدولة العليا والوسطى.
* وما الفرق الذي تعنيه بين التدريس لهكذا تخصصات لديكم أو في جامعة صنعاء؟
– ما أعنيه هو أن الماجستير الوظيفي يختلف هنا في مفردات التدريس عن الماجستير الأكاديمي في الجامعات الأخرى.. لماذا؟ .. لأننا هنا أولاً سنركز على الجوانب الإدارية والجوانب المهنية وسنغذيه من خلال مساقات تعطيه فهماً أكثر، فمن خلال إقرار هذ المشروع سيتحقق هذا الواقع العملي المهني المؤسسي الرائد.
إعادة نشاط المعهد.. وتحويله إلى أكاديمية
* نظرا لمكانة المعهد وأهميته في رفد وتأهيل كوادر الدولة.. كيف تلمسون تفاعل المعنيين والقيادة مع مساعيكم؟
– ما أود إيصاله عبر صحيفتكم هو خالص الشكر والتقدير للقيادة الثورية والسياسية وكذلك لرئيس القطاع الإداري الأستاذ احمد حامد ومعالي وزير الخدمة المدنية والتأمينات الأستاذ سليم مغلس الذين لمسنا اهتمامهم وأعادوا للمعهد شيئاً مما كان قد فقده في السابق، فعلى سبيل المثال تلقينا توجيهات من مدير مكتب الرئاسة بتخصيص أحد المباني في المعهد لتدريب قيادات الدولة الإدارية وإجراء عملية الترميم والتأثيث والتجهيز لهذا المبنى.
ثانياً: بات من الضروري إعادة تفعيل مجلس الأمناء السالف ذكره، ويستحسن أن تعود رئاسته إلى رئاسة الوزراء.. ونحّمل صحيفة «الثورة» مسؤولية إيصال هذا الصوت، وان تفردوا مساحة لهذا الموضوع لما له من أهمية في إدارة وتطوير المعهد الوطني للعلوم الإدارية الذي تعمد النظام السابق غمره وإهماله لأنه يمثل رمزاً وفئة سياسية معينة .
بشهادة معتمدة وبنصف التكلفة
نريد منها أن تعيد معنوية المعهد التي تم إغفالها في الماضي وذلك من خلال: أولاً تبني تحويله إلى أكاديمية بشكل جدي.. ثانياً اعتماد القرارات التي تجعل من التدريب لكافة مؤسسات الدولة مقصوراً على المعهد الوطني للعلوم الإدارية وهذا سيحقق للدولة خفض ما لا يقل عن 50% من موازنات التدريب المرصودة للجهات الحكومية، وفي هذا السياق نؤكد أننا على استعداد لتنفيذ البرامج التدريبية بنصف التكلفة المرصودة للتدريب وعلى أرقى مستوى وبشهادة معترف بها، وفي هذا تخفيض للنفقات وتوفير لموارد الدولة.
* نفذ المعهد مؤخراً دورات تدريبية عدة سواء مشروع دليل تطوير الخدمات وتبسيط الإجراءات أو مدونة السلوك, فما أهمية ذلك والى أي مدى تنعكس هذه المشاريع بشكل إيجابي على الواقع العملي لمؤسسات الدولة ؟
– يعد هذا الدليل أول إجراء نستطيع القول إنه ملموس في تفعيل خدمات المواطنين وتبسيط الإجراءات الروتينية التي كانت مطولة في كثير من الجهات, الخدمة المدنية أنجزت دليل تطوير الخدمات وتبسيط الإجراءات وكان للمعهد له دور في إعداد الدليل ودور في التنفيذ من خلال التدريب الذي تم تنفيذه لـ 24 مؤسسة من مؤسسات الدولة تم تدريبها على تبسيط الإجراءات وتطوير الخدمات في المعهد وجاري العمل على استكمال بقية مؤسسات الدولة .
وهذا الدليل هو استجابة لتوصيات السيد القائد التي نصت على التخفيف على المواطنين في جميع مرافق ومؤسسات الدولة، وكان سبباً في اختصار إجراءات روتينية كثيرة، فهناك جهات اختصرت إجراءاتها من 120 إجراء إلى 60 إجراء والبعض إلى 40 إجراء على أن يتم مستقبلا تقليصها بشكل أكبر.
أما مدونة السلوك الوظيفي حقيقة هي تتكامل مع الدليل الإرشادي في تبسيط الإجراءات والقيام بذلك من منطلق إيماني يحمل فيه الموظف روح المسؤولية وهذا سيرتقي بالواقع العملي في جميع مؤسسات الدولة .
كما أن اللغط الذي حصل تجاه المدونة هو لغط سياسي والهدف منه تشويهه، فالذين ظلوا في سدرة الحكم ما يقارب 35 سنة ولم يستطيعوا أن يصدروا مدونة سلوك وظيفي وهي موجودة في كل بلدان العالم، يغيظهم صدورها ونحن في حالة عدوان وحصار.
وفي ذلك يجب أن نسلط الضوء على أهمية التدريب على المدونة حيث لم يتدرب عليها إلى الآن سوى خمس جهات فقط, ومن أجل ذلك نناشد رئاسة الدولة ورؤساء القطاعات حث مؤسساتهم ووزاراتهم على الدفع بفرق التدريب الخاصة بمؤسساتهم للتدرب على مدونة السلوك الوظيفي في المعهد الوطني للعلوم الإدارية ليرتقي العمل المؤسسي ويصبح أكثر تنظيما وفاعلية، وإحباطاً لأهداف العدوان وأذنابهم في الداخل.
* ختاماً ..هل لديكم ما تودون إضافته أو قوله؟
– أود الحديث عن الإشكاليات التي يعاني منها المعهد، فلدينا إشكاليات عدة في التنمية البشرية والمالية .. للأسف سُجل للمعهد خمسة مشاريع ضمن الرؤية الوطنية ولم يقر منها إلا مشروعان .. كما لم تصرف المالية الموازنة المحددة وهي 5 ملايين ريال شهريا لمعهد بحجم جامعة وصُرف منها شهريا 450 ألف ريال فقط، في حين أن شركة النظافة تأخذ 550 ألف ريال شهريا, أما الكهرباء فقد وصلت مديونية المعهد إلى 3ملايين و300 ألف ريال ونحن مهددون بفصل التيار الكهربائي, بالإضافة إلى مديونية المجاري، حيث وصلت إلى 13 مليوناً و500 ألف ريال .
نتحمل هذه الأعباء والمصاعب في سبيل الله وفي سبيل الحفاظ على المعهد وما يقدمه من دراسات ومناهج كفيلة بتحقيق واقع إداري ذي جودة عالية، لذا حسب تصوري الخاص فإنه عندما نبذل جهداً لنصل بالمعهد إلى آفاق مستنيرة ولم نجد الدعم المطلوب لنستمر شخصيا سأنسحب لأني لن أقبل أن أكون سببا في إعاقة المعهد .. إن لم يكن للمعهد دعم ويوسع نشاطه في مؤسسات الدولة أؤكد أنني خلال 6 – 7 أشهر سأقدم استقالتي وأرحل .