تابعت جلسة استماع لمجلس الأمن الدولي خاصة بالوضع في اليمن، وهالني الحال الذي يتعاطى به هذا المجلس وأعضاؤه مع أزمات وجودية كحال الأزمة اليمنية التي لم ير فيها أعضاء مجلس الأمن الدولي إلا (مجرد أزمة إنسانية) وشعب (جائع) يحتاج (للخبز والبطانيات)، إضافة لإنقاذ (سفينة صافر) خشية من أن تلوث البحر إذا ما انفجرت أو تسربت حمولتها فقد تلوث شواطئ السعودية ..!
طبعا اقدر اجتهاد مندوبي (الإكوادور، والبانيا، والجابون،) الذين تحدثوا عن (الأطفال الرضع الذين توفوا في مارب وحجة وعمران وصعدة) جراء البرد القارس، مع علمي أن مندوبي هذه الدول لا يعلمون أين تقع اليمن على الخارطة..!
وفيما جاءت كلمة مندوب (بريطانيا) حافلة بمفردات الغزل المغلف بالمشاعر الإنسانية، جاءت كلمة المندوب (الصيني) حافلة بالمفردات الدبلوماسية التي تجسد منهجاً (برجماتي) لايخلو من غزل لسيدة العدوان دون أن يغفل إعادة تذكير المستمعين برؤية رئيسه التي قدمها خلال القمة العربية _الصينية.
المندوب الأمريكي كعادة بلاده (دس السم بالعسل) وتحدث عن الوضع دون أن يمكن المتلقي من استشراف موقف سوى رغبة واشنطن بإطالة أمد الأزمة دون أن يغفل الغمز من (قناة تعز) والمقصود به سلطة صنعاء وضحايا الحدود والمقصود به الرياض، فبدت كلمته وكأنها رسالة ابتزاز لكل الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية في الداخل والخارج ..!
وحده المندوب الروسي الذي اعتبر الجلسة مجرد جلسة (انتهازية) هدفها وغايتها تحقيق هدنة في سبيل ( تسهيل مهمة تصدير النفط اليمني) وليذهب هذا الشعب للجحيم..!
لذا طالب بموقف دولي من الجميع وحوار ندي للجميع دون إلغاء طرف أو إدانة طرف أو تشجيع طرف يمني ضد آخر.. ويعد الموقف الروسي هو الموقف العقلاني الوحيد في جلسة المجلس الأخيرة، فيما البقية تراوحت مواقفهم بين إدانة طرف يمني ضد آخر، أو اختزال المشهد بنطاق الإغاثة وتسهيل مهمة لجانها المختصة..!
موقف مجلس الأمن وأعضائه وتوجهاتهم وكلماتهم التي تحدثوا بها عن المشهد اليمني تعيد للأذهان خطاب أعضاء هذا المجلس بعد قيام كيان الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948م، حين تناسوا وتجاهلوا جرائم عصابة الاحتلال والتي أعلنت عن قيام كيانها الاستيطاني بمساعدة دولة عظمى على أرض غير أرضها وشردت شعبا بكامله وحلت محله بعد أن ارتكبت أبشع المجازر، ويومها لم يتحدث مجلس الأمن والمنظمات الدولية عن جريمة الاحتلال ومجازرها وقيام كيان غاصب على أرض غيره، بقدر ما راح العالم يتحدث عم ضرورة توفير الخيام والإغاثة من خبز وحليب وبطانيات لشعب فلسطين، وتجاهل العالم الجريمة البشعة التي حلت بشعب فلسطين.. اليوم ذات الخطاب الدولي يتجاهل العدوان والحصار والحرب المدمرة التي ذهب ضحيتها آلاف الأطفال والشيوخ والنساء ودمرت مرافق ومنشآت، ومع ذلك لم يتطرق المجتمع الدولي لكل هذه الجرائم التي حلت بالشعب اليمني، وانحصرت مشاعر هذا العالم بالجانب الإنساني والإغاثي وحسب، وتجاهل هذا العالم كل معاناة الشعب اليمني والمتسببين فيه من الداخل والخارج .. وحتى المشاعر الإنسانية الطافحة من مفردات الخطابات الأممية و الحديث عن الجانب الإنساني والإغاثي الذي يتشدق به المجتمع الدولي عبر منصة مجلس الأمن تحمل أهدافاً غير إنسانية وغير أخلاقية أفصح عنها المندوب الروسي داخل المجلس الذي أكدا أن تلهف العالم عن الهدنة والسلام في اليمن يحمل دوافع انتهازية غايته تأمين تصدير المشتقات النفطية اليمنية للعالم وحسب..!
مفردات الخطاب التداولي لأعضاء مجلس الأمن الدولي – وهو أعلى سلطة كونية معنية بتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وهو المجلس الذي استندت عليه دول العدوان في شن عدوانها على اليمن وعليه اتكأت دول العدوان في فرض الحصار الشامل على اليمن- تلك المفردات لا تتسق في أبعادها وإيحاءاتها مع الرحلات المكوكية من وإلى صنعاء من قبل الأشقاء في سلطنة عمان، كما لا تتسق تلك الكلمات التي تداولها أعضاء مجلس الأمن مع المفاوضات السرية والعلنية التي تجري بين حكومة صنعاء ودول العدوان وحلفائها الساعين إلى تحقيق هدنة طويلة الأمد تفضي إلى تحقيق سلام شامل ودائم في اليمن، وهو السلام الذي لم تتبلور بعد أطيافه ولا يمكن التكهن بنوايا محاور التأثير الدولية التي تقف خلف دول العدوان وشجعتها على ارتكاب أبشع المجازر بحق اليمن الأرض والإنسان طيلة سنوات العدوان والحصار، في ذات الوقت لم تكشف الأطراف الوسيطة بين صنعاء ودول العدوان عن مواقف الطرف الآخر الذي اتخذت منه دول العدوان ذريعة لشن عدوانها على الشعب اليمني، كما اتخذ منه مجلس الأمن الدولي مبررا لإصدار قرارات تعسفية ظالمة بحق ملايين اليمنيين، واقصد بهذا الطرف ما يسمى بـ (الشرعية)، مع أن هذا المسمى مجرد مسمى مجازي لا يحمل من اسمه نصيباً ولا علاقة له بكل ما يجري بحق الشعب، وانحصر دور هذا المسمى بلعب دور (حصان طروادة)، لتفقد هذه الشرعية – بعد أن شرعنت العدوان دوليا – كل شرعيتها ومبررات وجودها، كما فقدت القدرة في الحفاظ على دور وطني محترم يجعلها تحظى وان بقدر من احترام الشعب، لدرجة ان المفاوضات الجارية السرية والعلنية بين حكومة صنعاء ودول العدوان وأطراف محورية دولية، والرحلات المكوكية الجارية من وإلى صنعاء، قد أصابت ما يسمى بالشرعية ورموزها بالذعر والتخبط والارتباك، ويتضح هذا من خطابهم وتعليقاتهم على هذه التحركات وكذا أتباعهم وأبواقهم الذين جن جنونهم فراحوا في تناولاتهم الإعلامية يبررون للعدوان عدوانهم ، بل ويطلقون تحذيراتهم لدول العدوان بأن حكومة صنعاء ترى (فيكم عدواناً وتطالبكم بتعويضات عن كل ما لحق بالبلاد جراء عدوانكم، وهذا من شأنه أن يترتب عليه تبعات مادية ومعنوية سوف تتحملها دولكم التي راحت تتفاوض مع حكومة صنعاء، وتركتم الشرعية حليفتكم في العدوان)..؟!
معبرين عن سقوطهم الأخلاقي والإنساني بعد أن سقطوا وطنيا وتجردوا من كل قيم الهوية والانتماء لهذا الوطن والشعب..!!
للموضوع صلة.