
لدى اليمن بحسب الإحصائيات الرسمية أكثر من 600 ألف خريج جامعي ينتظرون الالتحاق بسوق العمل بالإضافة إلى بطالة تتزايد باستمرار وقد تجاوزت نسبتها %50 حيث يصل عدد السكان حالياٍ في اليمن ممن هم في سن العمل إلى 14 مليون شخص وأكثر من %70من السكان هم في سن أقل من 35 عاماٍ وهو تحدُ تنموي يتطلب توفير فرص عمل مناسبة في المقام الأول وهذا يفوق قدرات اليمن بوضعها التنموي الحالي الأمر الذي يجعل مسألة مجابهة هذه التحديات مرتبطة بتنفيذ خطط فاعلة وواسعة ودقيقة .
هذه الأعداد الغفيرة من القوى البشرية العاطلة تمثل عبئاٍ كبيراٍ على بلد تعاني صعوبات عديدة في خلق فرص العمل لاستيعابهم لكنها بنظر خبراء عبء يمكن تحويله إلى ثروة.
يؤكد خبراء أن اليمن تمتلك قوة بشرية مثالية وهذه ليست معضلة بالمعنى الاقتصادي لأن الموارد البشرية في أي بلد تعتبر ثروة قومية عالية النفع لكنها تحتاج فقط لخطط تجعل الإنسان قادرا على رفع طاقته الإنتاجية وطرق تفكيره في الأساس ثم المهارات وخلق البيئة المنافسة القائمة على الاستفادة من الآخرين وتوظيفهم لحالة الإنتاج كما فعلت اليابان على سبيل المثال وهو ما يجب أن يحرص اليمنيون على الاستفادة منه.
ويتطرق الخبراء لنقطة غاية في الأهمية تتمثل في ضرورة جعل المرحلة المقبلة في اليمن مرحلة تنافس تنموي بين الفرقاء والخروج من الصراعات الضيقة إلى دائرة التحدي التنموي والمنافسة على تنفيذ برامج تنموية اقتصادية تعود بالنفع على حياة وواقع ومعيشة اليمنيون وتساهم في نقلهم إلى مرحلة التطور والنمو .
حلول
الحلول قصيرة المدى لمواجهة هذا التحدي الجسيم ينبغي أن تكون واقعية مبتكرة وفعالة من شأنها المساهمة في تخفيف الفقر والبطالة وتطوير الأداء وإجراء عملية هيكلة إدارية واسعة لانتشال البطالة المقنعة بالإضافة إلى زيادة الدخل القومي وتقديم إشارات إيجابية مسموعة ومرئية لتلك الملايين من العاطلين وخاصة الشباب منهم.
كما أن هناك نتائج سلبية يتحملها الكثير من الخريجين تؤدي بهم إلى رصيف البطالة نتيجة إقبالهم على بعض التخصصات اعتقاداٍ منهم بأنها الطريق المناسب للوصول إلى الوظيفة وذلك مثل الإقبال الكثيف الحاصل على تخصصات الكمبيوتر والبرمجة.
واستناداٍ لأستاذ إدارة الأعمال والخبير في التنمية البشرية الدكتور ياسر السلامي فإن الحل يكمن في النظرة للشباب بطريقة مختلفة على أنهم مصدر ثروة وطاقة وإذا تولد هذا التصور كل شيء يصبح سهلاٍ ويمكن البدء بطريقة وخطة قصيرة المدى حتى نتجاوز التحدي الحالي وهو بقاء مخرجات التعليم في بلادنا خارج سوق العمل.
ويرى ضرورة العمل على دراسة احتياجات السوق ثم تدريب مخرجات التعليم من كل الأقسام في دورات مكثفة بما يتناسب مع سوق العمل.
ويؤكد أهمية الاهتمام بالبرنامج التي تهدف إلى إكساب الشباب مهارات الوصول إلى الوظائف بطريقة تتناسب مع تحديات العصر وإكسابهم مهارات صناعة فرصة النجاح في بيئة صعبة ومختلفة وكذا إكساب الشباب مهارة المقابلات الوظيفية الذكية.
معالجة
يقول الخبير في صندوق النقد الدولي الدكتور مسعود أحمد إن معالجة ارتفاع البطالة لا تمثل تحدياٍ جديداٍ ولكنه يزداد إلحاحاٍ مع بروز العديد من المتغيرات نتيجة لأحداث الثلاثة الأعوام الأخيرة.
ويؤكد أن مفتاح النجاح في معالجة هذا التحدي الجسيم هو تحويل القوى العاملة الكبيرة والمتزايدة إلى ثروة يْنتِفِع بها وليس قيداٍ يعوق المسيرة.
ولبلوغ هذا الهدف يرى مسعود أهمية ضمان تحقيق نمو مستمر ـ وبمعدلات أعلى ـ يقترن بتوفير المزيد من فرص العمل وتطوير المجالات التي يركز عليها التعليم والتدريب بحيث تتقلص الفجوة بين مهارات العمالة واحتياجات السوق وزيادة مرونة سوق العملº وكذلك الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
ولكي يتسنى استيعاب العاطلين عن العمل والمنضمين الجدد إلى القوى العاملة يرى الدكتور مسعود أهمية الجمع بين زيادة النمو الاقتصادي بشكل دائم وإجراء إصلاحات تجعل سوق العمل أكثر تجاوباٍ مع الاحتياجات.
ويضيف: تحسين أداء النمو أمراٍ ضرورياٍ ولكنه غير كافُ لتحقيق خفض ملموس في معدلات البطالة على المدى المتوسط. وعلى سبيل التحديد يْرجِح ألا يكون لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي سوى أثر محدود على بطالة الشباب ما لم يتم إجراء إصلاحات هيكلية تهدف إلى زيادة تجاوب الأوضاع في سوق العمل مع التغيرات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي.
تشمل أهم محددات البطالة المرتفعة والمزمنة بين الشباب بحسب الدكتور “مسعود ” ارتفاع معدلات نمو القوى العاملة وعدم اتساق المهارات المتوافرة مع متطلبات السوق وأوجه الجمود في أسواق العمل والمنتجات وضخامة حجم القطاع العام.
وعادة ما يشير أصحاب الأعمال إلى نقص المهارات الملائمة باعتباره عائقاٍ كبيراٍ أمام توظيف العاطلين عن العمل كما أن معدلات البطالة تصل إلى أعلى مستوياتها بين الحاصلين على أعلى المؤهلات العلمية.
وتشير هذه الحقائق مجتمعة إلى أن نظم التعليم لا يستطيع تخريج كوادر بالمهارات المطلوبة.
ويرى مسعود من خلال مؤشرات مرونة السوق أن أوجه الجمود في سوق العمل بالغة الارتفاع ويمكن أن تفرض قيوداٍ كبيرة على توفير فرص العمل الجديدة وخاصة للباحثين عن أول فرصة عمل لأنها لا تشجع الشركات على زيادة توظيف العمالة مع تحسن المناخ الاقتصادي.
وأدى اضطلاع القطاع العام بهذا الدور المسيطر كجهة للتوظيف إلى تشويه نواتج سوق العمل وتحويل الموارد قطاعات اخرى ربما كانت على درجة أكبر من الديناميكية.
وعادة ما كانت ممارسات التوظيف الحكومي طبقاٍ لخبير النقد الدولي تتسبب في تضخيم توقعات الأجور وتفضيل حاملي الشهادات العلمية على أصحاب المهارات الفعلية مما أثر على خيارات الدراسة وساهم في حدوث فجوة بين المهارات المتوافرة ومتطلبات السوق.
متطلبات
يرى صندوق النقد الدولي أن التعليم لا يمثل حماية ضد خطر البطالة بل إن البطالة تميل إلى الارتفاع مع زيادة مستوى التعليم حيث تتعدى %15 بين خريجي الجامعات في دول مثل مصر والأردن وتونس وتصل النسبة إلى الضعف في دولة مثل اليمن.
وتستمر فترات البطالة وقتاٍ أقصر بين الشباب مقارنة بالكبار بحسب خبراء صندوق النقد مما يعكس ميل الشباب الطبيعي للتنقل بين الوظائف بمعدل أكثر تواتراٍ. غير أن بطالة الشباب تبدو ناتجة عن انتظار الوظيفة المناسبة وبالتالي فقد تستمر البطالة لفترات أطول خاصة بين الشباب المتعلمين الذين قد يحتاجون إلى وقت أطول للعثور على وظائف تناسب مهاراتهم وهذه نقطة مهمة لأن مدة البطالة وليس حدوثها هي الأشد إضراراٍ بتراكم رأس المال البشري.
وتتركز هذه السياسات طبقاٍ لخبراء صندوق النقد في تحسين مرونة سوق العمل لزيادة طلب العمالة على المدى المتوسط وسيتعين في هذا السياق إجراء إصلاحات لتخفيض تكاليف البحث والتعيين بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال وتشجيع المنافسة في سوق المنتجات ومعالجة عدم الاتساق بين المهارات المتوافرة والمطلوبة حيث يمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق تعديل المناهج الدراسية بما يتلاءم مع احتياجات القطاع الخاص وإصلاح سياسات القبول في الجامعات وتحسين جودة النظم التعليمية.
كما تقتضي الضرورة تحسين ممارسات التعيين وسياسات الأجور في القطاع العام وتوجيه اهتمام أكبر للمهارات والمنافسة واهتمام أقل للمؤهلات الدراسية عند تعيين الموظفين والأهم زيادة الربط بين الأجور والأداء.
أيضاٍ بحسب النقد الدولي” استخدام استثمارات البنية التحتية كأداة لإنشاء فرص العمل ودعم أنشطة القطاع الخاص ومنح حوافز ضريبية أو ضمانات على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تتسم بكثافة استخدام العمالة وتتوافر لها مقومات الاستمرار وكذلك زيادة برامج التدريب الواعدة.