فوúضى (المخادöر)
علي أحمد بارجاء
(المخادöر) ليالي غöناء ساهرة تحتفي بها الأسر لتعبöر عن أفراحها بزواج أبنائها, ويحضر إليها الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران ليشاركوهم أفراحهم, ويقدموا لهم فيها التهاني والتبريكات.
إنها ليال تعبق بالحياة والبهجة, ويصدح فيها المطربون بأغنيات الحب والجمال, في جو تسوده المحبة والألفة والعفوية والبراءة والنوايا الخيöرة الحسنة, لأنها ليال للفرح, ولا شيء سوى الفرح, وهذا هو شأنها والمقصود من إحيائها.
ولكن هذه (المخادر) أمست مصدرا للإزعاج, وسببا للفوضى, لأنها لا تكون في قاعات ومسارح مغلقة, وإنما في ساحات عامة وسط الأحياء وبين التجمعات السكنöية التي ينبغي أن تنعم بليل يسوده الهدوء والسكينة. وتبدأ (المخادر) عادة من الساعة العاشرة مساء, ولكنها في مدن وقرى وادي حضرموت لا تنتهي إلا بعد الساعة الثانية أو الثالثة, فتتحول إلى ليال من الإزعاج للساكنين المحيطين بموقعها, بل يصل هذا الإزعاج ــ في هدأة الليل ــ إلى مساحات أبعد, فمن إزعاج باستخدام مكبرات الصوت العالية, وتصفيق وصفير وصراخ الحاضرين, وفي بعض (المخادر) قد تطلق الأعيرة النارية بشكل يقل أو يكثر, ناهيك عن أصوات سيارات ودراجات القادمين والمغادرين التي يوقöفها أصحابها في الشوارع والأزقة بين البيوت المحيطة بالمكان, ولا تخلو هذه (المخادر) من حضور بعض غير الأسوياء أخلاقيا وسلوكيا فيحيلون ليالي الفرح هذه إلى عöراك وفوضى يتضرر منها أهل الزواج لأنها تعكöر صفو ليلتهم, ويمتد هذا الضرر إلى البيوت المجاورة.
لقد باتت هذه (المخادر) بسبب استمرارها إلى وقت متأخر شرا, حتى صدق فيها المثل القائل: (آخر الليل تأتيك الدواهي), وأهل الدواهي لا يحضرون إلا كلما أوغل السمر في الليل, بعد أن يكون كثير من الحاضرين من المقربين من أهل الزواج قد غادروا إلى بيوتهم, ولم يبق سوى قلة لا يفقهون من أمر الطرب والغناء سوى الرقص والتصفيق والصفير والصراخ, مما هو بعيد عن التذوق السليم للفن والغناء وأهدافه السامية. وينبغي أن يدرك المطربون أنهم بالغناء إلى هذا الوقت المتأخر إنما يضرون بأصواتهم ويبدöدون طاقاتöهم مقابل حفنة من الرöيالات, فكان من الجدير بهم أن يشترطوا على أن تنتهي (المخادر) في ساعة محددة.
في وادي حضرموت لا يوجد زمن محدد لانتهاء (المخادر), التي قد تطول إلى دخول وقت الفجر المبارك. بينما في ساحل حضرموت فثمة قرار يلتزم به الجميع, إذ تنتهي (المخادر) في الساعة الواحدة ليلا, ولا يجرؤ أحد أن يستمر بعدها, ذلك أن المطربين والفرقة الموسيقية وأهل الزواج, قد وقعوا إقرارا رسميا لدى السلطات بإنهاء (المخدرة) في هذه الساعة, لأن من يتجاوزها يتعرض لقطع الكهرباء عن المسرح, ويدفع رب أهل الزواج غرامة, وربما تعرض للمساءلة والحبس وإن ضعف هذا الالتزام مؤخرا مجاراة للفوضى وعدم التقيد بالأنظمة التي عمت كل شيء في الوطن.
وحتى يسود الأمن والهدوء والسكينة ليل المدن والقرى, وينعم ساكنوها بليل هانئ, ينام ويستريح فيه كبار السöنö والأطفال, وتستقر حالة المرضى, ويطمئن العابدون المتهجöدون القائمون بالأسحار, ويأخذ الموظفون والطلاب قسطا كافيا من الراحة ليستيقظوا للدوام الرسمي مبكرا, وتخلو الطرقات من طارقي الشر العابثين فإنني أناشد السلطة المحلية بوادي حضرموت ومديرياته اتخاذ قرار يحدöد الساعة الواحدة ليلا كأقصى حد لانتهاء (المخادر), ومنع إطلاق النار من قبل أهل الزواج وأقاربهم, فيها, أو في (السرöية) إذ كيف يطيب الاستماع إلى الغناء مع لعلعات الرصاص, إلا إذا كان لعديمي الذوق والذائقة!¿
وتستطيع السلطة المحلية اتخاذ هذا القرار بالاتفاق مع الجهات الأمنية ومديري المديريات والمجالس المحلية, ومكتب وزارتي الكهرباء والثقافة, والفرق الموسيقية, وعقال الحارات, فقرار كهذا سيكون من أجل الصالح العام, وسيلبي رغبة سكان هذا الوادي الآمن المبارك الذين يحلمون بحل حاسم للإزعاج والفوضى التي تسببها (المخادر).
ولن يكون اتخاذ قرار صارم كهذا تقييدا للحرöيات, وإنما سيكون من باب درءö المفاسد, ومنع الشر قبل حدوثه, إذ سيعرف رجال الأمن الساهرون على أمن المواطنين أن من يتجول في الساعات المتأخرة من الليل من غير سبب أو ضرورة قد يشكöل خطرا, ويهدöد أمنا, حيث يتحجج مثل هؤلاء عند ضبúطöهم وسؤالهم من قöبل رجال الأمن عن سبب وجودهم في الشوارع إلى هذا الوقت ا