هل يقولون الحقيقة ¿

” كنا نسير معا وفجأة تفرقنا مات من مات ونجا من نجا وكنت انا ضمن من نجوا بإعجوبة من الحادث يدي هذه تحطمت بستة اكسار ورجلي هذه الأطباء لم يتوقعوا أن أسير عليها مجددا لم يسلم مني جزء وكانوا جميعا يقولوا كم سأعيش وها أنذا أفضل من السابق ” كانت الكلمات تخرج من فمه متراصة كجنود ماهرين ولم تقل نظراته نحونا حرافه عنها.

يدير القاعة كما لو كان بها شخصا واحد فقط يعرف أين يضع عينيه كي يفرض الصمت او يبعث النقاش – بالنسبة لي سبق أن سمعت هذه القصة منه لكنها لم تكن بهذا السوء وتقريبا لم يقل أن أحدا مات وبعد مرور عامين من الاستماع الاول لـ” م . ع ” تغير مجرى الحادث الذي يورده ليؤكد به على الروح المعنوية التى يتمتع بها , قبل ان يلتفت مدرب التنمية البشرية نحوي ويؤنبني على الكلام الجانبي قلت لأقرب الجالسين مني هذه القصة تتغير كل مرة وتكبر ويضاف اليها من حوادث اخرى وبالفعل توصلت الى انه تعرض لحادث صغير قبل اعوام واصيب بعدد من الرضوض التى لم تبقيه في المستشفى غير يومين فقط كما قال اثنان ممن يعرفونه جيدا.
لكن بعض من مدربي التنمية البشرية يلجأون الى اعادة صياغة الاحداث لتلبي حاجاتهم في التدريب وليكونوا هم محور القصص التى يوردونها والتى يقصدون من خلالها خلق التحفيز وزراعة الامل في قلوب المتلقين لكن هذا الامر يعرض أحد الفنون الحديثة ” التنمية البشرية ” لمخاطر كبيرة تتمثل في فقدان القائمين عليها لمصداقيتهم التى تتعرض للتهديد ابتداء من البوسترات التى تزين جدران شوارعنا وتتضمن كما هائلا من المبالغة فجميع المدربين دوليون ولا وجود لمدرب محلي حتى اصبحت اشك في ان بعضهم يعتقد ان لافرق بين القرية والدولة فإذا درب في منطقة صغيرة يعتبرها دولة وهكذا تصبح لديه تجارب دولية.
مقارنة
ولا تقارن اعلانات خبراء التنمية البشرية مع اي اعلانات اخرى من حيث كمية المعلومات فعلى الرغم من صغر سن المدرب إلا انه خبير دولي في برمجة الاعصاب وهندسة التفكير وهو مدرب دولي في فن الإدارة وفن فرض السيطرة وادارة فرق العمل واحد مؤسسي علم الحركة الديناميكية وغيرها من المصطلحات غير المفهومة وغير الحقيقية .
وتواضعا هناك نوع آخر يقتربون من الواقع ويقدمون مدربهم باعتباره سينير لك الطريق في كيفية ادارة كل ساعة من حياتك وصولا الى كل دقيقة وكل ثانية وهو قادر على جعلك تزيد من دخلك الشهري ثم اليومي وستشعر بالفارق بعد الدورة التى تكلفك ما لا يقل عن مائتي دولار اميركي .
خيال
قررت تجاوز الاعلانات باعتبارها وسائل جذب قابلة للمبالغة وشد الانتباة وسرت نحو المكتبة وكانت اكثر صراخا كيف تدير فريقك دون حوافز ولا مقابل – كيف تصبح مديرا ناجحا خلال ايام – كيف تحقق اعلى المكاسب بدون جهد – كيف تتولى جميع المناصب التى ترغب في الذهاب اليها وغير هذه العناوين التى تدخلك عالما من الوهم وليس الخيال فالخيال هو المصنع الاولي لافكار الغد – المشكلة ان من يقبلون على هذا النوع من الكتب غالبا يبحثون عن عمل وليس عن مناصب يتقلبون بينها بسلاسة .
يقدم علم التنمية البشرية جانبا مشرقا وقصصا ممتلئة بالعبر لكن ما يعكر صفوها هو رغبة بعض المدربين في ان يكونوا حاضرين في القاعة حاضرين في احداث القصة ايضا وهو ما يورطهم في الكذب الذي يقعون فيه تدريجيا الى ان يخفي كل حقيقة ويمحوها .
يرافق هذه الرغبة بلفت الانتباه وشد المتلقين فمن لديه قصة عادية بلا احداث خارقة تبعث التثاؤب لدى الحضور لا يجد من يطلبه للتدريب في مرات قادمة فإذا كانت الرضوض وحدها هي العائق في القصة السابقة فلن تؤدي ذات الاثر الذي ادته الكسور لكل جزء في جسد المدرب الذي انتصر لأن ارادته قوية وليس لسبب آخر ولاعلاقة للقدر ولا للاطباء ولا للمسعفين بما حدث .
ان جعل فن التنمية البشرية يميل نحو المبالغة يعرضه للاهمال وربما الانتهاء لدينا كما انتهت فنون اخرى نحتاج اليها لإدارة شؤون حياتنا والاستفادة من تجارب الآخرين .

قد يعجبك ايضا