سنظل نحتفي بالشهداء لنعمّق لدى أجيالنا ثقافة الجهاد وحب الاستشهاد في سبيل الله
السيد العلامة عدنان أحمد الجنيد لـ”الثورة “: الشهادة .. فضلٌ لا يُحَدُّ، وعطاءٌ لا يُعَدُّ
• لا عِزَّةَ ولا كرامةَ للأمة إلا بإحياء فريضة الجهاد وحب الشهادة
قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) من هنا كانت أهمية هذا اللقاء بالعالم الرباني، والباحث الذي لا يكل ولا يمل، السيد المجاهد العلامة (عدنان أحمد الجنيد) عضو رابطة علماء اليمن – رئيس ملتقى التصوف الإسلامي – صاحب المؤلفات والبحوث العلمية والردود المفحمة، كاشف الشبهات منذ بداية زمن الالتباسات، سُمُّ الصهيونية والوهابية، وترياق القلوب المؤمنة وبلسمها، وهنا أتشرف بتهنئته على كل ما نال من التكريم من خارج الوطن، وأدعو الوطن إلى تكريمه.. كما أدعوكم قراءنا الكرام إلى أفياء هذا اللقاء الشيق.
الثورة / صلاح محمد الشامي
لماذا نحتفي بالشهداء…
_ أرحب بكم -أولاً- سيدي العلامة عدنان أحمد الجنيد في هذه المقابلة.
وأدعوكم إلى مائدة الشهداء الكرام، خاصة وأنا أتابع نشاطكم التوعوي الكبير بهذه المناسبة، فكل يوم تقريباً أقرأ لكم مقالاً جديداً في وسائل التواصل الاجتماعي..
• إذن، ونحن نحتفي هذه الأيام بأسبوع الشهيد، هلّا حدثتمونا عن أهمية الإحتفاء بالشهداء، وما ردكم على من ينتقدنا على هذا الزخم الاحتفائي الكبير؟
– من أهمية هذه المناسبة رفع معنويات أُسَر الشهداء الذين جادوا بفلذات أكبادهم، من أجل نصرة المستضعفين، وتطهير الوطن من الغزاة والمحتلين، وكي يعلموا بأن الشهداء في وجدان هذه الأمة، ولن ينساهم الشعب، مادام فيه عين تطرف وعرق ينبض.. إذ لولاهم لما كنا، فنحن بهم قائمون، وعلى منهجهم سائرون،
فهم صمام أمان هذه الأمة، وبهم انقشع عن شعبنا كل بلاء وغمة..
كذلك تكمن أهمية إحياء هده المناسبة في حث الناس على فريضة الجهاد وحب الشهادة، وإحياء القيم الإسلامية التي من أجلها ضحى الشهداء بأرواحهم، من أجل أن ينعم شعبهم بالعزة والكرامة والحرية ..
فثقافة الشهادة والجهاد هي السبيل الأعظم لإنهاء جميع أشكال الفساد، وتعبيد الناس لرب العباد، ودحر المحتلين من جميع البلاد، فثقافة الجهاد وحب الإستشهاد السلاح الأقوى والأجدى في وجه كافة الأطماع الإستعمارية العالمية المعاصرة، فلا عزة ولا كرامة للأمة إلا بإحياء فريضة الجهاد وحب الإستشهاد في سبيل الله، دفاعاً عن الأرض والعرض والمستضعفين، وحفظ السيادة الوطنية والثروات.
هذا وليعلم الذين ينتقدوننا على إحياء هذه المناسبة، نقول لهم : إنكم بانتقادكم تخدمون أعداء الله ورسوله، هذا إذا لم تكونوا منهم وسائرين على خطهم، ثم ألم يقل الله تعالى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)،
ويقول : (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)،
فإحياؤنا لهذه المناسب هو من مصاديق هاتين الآيتين، فالله تعالى في الآيتين نهانا أن نقول في الشهداء بأنهم أموات، ليس هذا فحسب، بل نهانا عن أن نظن – مجرد الظن – بموتهم..
أيضا نحن عندما نحيي مناسباتهم، إنما نمتثل هذا الأمر الإلهي، ونترجمه في واقعنا، ونجسده في سلوكنا، من خلال تخليدنا لذكرهم، وإحيائنا لسلوكهم وقيمهم، كذلك إحياء مناسباتهم رضي الله عنهم هو مما يغيظ الأعداء. (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
فإحياء هذه المناسبات هي رسائل قوية للإعداء، فحواها : إننا سائرون على درب الشهداء مهما قتلتم ومهما دمرتم، سنقاتلكم جيلاً بعد جيل، (فالموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة)..
فقد خلقنا الله أحراراً، ولن نقبل الذلة والعبودية مهما فعلتم بنا، لأننا شعبٌ نعشق الشهادة مثلما أنتم تعشقون الحياة، ولهذا لازَمَكُم الذل فأصبح الانحطاط لكم عادة.
منزلة الشهداء عند الله تعالى
• سيدي العلامة عدنان الجنيد. هلّا حدثتمونا عن منزلة الشهداء وكرامتهم عند الله تعالى؟
– عندما نتكلم عن الشهداء، إنما نتكلم عن أولياءِ الله تعالى وخاصّةِ عبادِه، فهم بعد النبيين والصديقين من حيثُ المرتبة، قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء : 69].
فالله تعالى اصطفاهم واختارهم وقربهم وأدناهم، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء }[آل عمران : 140].
وبصدقهم وإخلاصهم مع الله تعالى، حصلوا على الشهادة العظيمة، والمرتبة الفخيمة.
هذا، ولتعلم بأن الشهادة في سبيل الله مظهرٌ من مظاهر الرحمة الإلهية، ووسامٌ لايهديه اللَّهُ إلّا لخاصة أوليائه، بعد أن اجتازوا العقبات، التي تحول بينهم وبين ذلك المقام الرفيع ..
فالشهداءُ لايضاهيهم أحدٌ في الفضل والأجر والكرامة .. جاء في الحديث : “مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ”.
ولو لم يكن في فضل الشهادة، وعظمة الشهداء، إلا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :”والذي نفسي بيده، لوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتَل، ثم أحيا ثم أُقتَل، ثم أحيا ثم أُقتَل”.
• سيدي الكريم. ما معنى أن الشهداء (أحياءٌ عند ربهم يرزقون)؟
– حينما طلبَ الشهداءُ الموتَ في سبيل اللّهِ، وهبهم اللَّهُ الحياة، ومنعنا في كتابه الكريم من أن نقول في حقهم بأنهم أموات، قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}[البقرة : 154].
للشهيد كرامات ثلاث
• ” مُقاطِعاً” : بعضُ -المُرجِفين في المدينة- يجحدُ الشهداء. والبعضُ من الناس “سَمّاعون”.. ماذا تقول لليمنيين ككل في هذا الصدد؟
– أقول لليمنيين: إن هؤلاء الشهداء وهبوا نفوسهم، وضحوا بأرواحهم من أجلكم أيها اليمنيون ..
من أجل أن تعيشوا حياةً كريمةً عزيزة ..
من أجل أن تكونوا مستقلين، ومتحررين من الوصاية السعودية، والهيمنة الأمريكية ..
من أجل أن يكون خضوعكم وخنوعكم وركوعكم لله، لا لغيره ..
من أجل أن تكونوا أحراراً، لا عبيداً للاستكبار العالمي وأحذيته في المنطقة ..
إن الشهداء ضحوا بأعز ما يملكون، كي تنعموا – أيها اليمنيون – بالأمن والأمان، وتهنأوا بالسعادة والاستقرار، لهذا أثابهم اللَّهُ الجزاءَ الأوفى، ورفعهم إلى المنظر الأعلى، وخصهم بالمقام الأحلى، وأكرمهم بكراماتٍ ثلاث :
– الكرامة الأولى (في الدنيا) :
إذ جعل لهم الذِّكْرَ الحَسَنَ، والثناءَ الجميلَ، على مر الدهور والأزمان .. وما هذه الفعاليات التي تُقام في حق الشهيد، إلّا تخليداً لذكرهم، ووفاءً لهم.
– الكرامة الثانية (في عالم البرزخ) :
فقد مَيّزهم اللَّهُ بحياة خاصة دون غيرهم، وهذه الحياة غيبية، تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس، ولكننا لانعرف حقيقتها، قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[ آل عمران : 169-170].
فقوله: (عند ربهم يرزقون) دليلٌ على عظمةِ الشهداءِ وشرفِهم وكرامتِهم، حيثُ أضافهم الرب تعالى إليه، وهذه العِنَدِيَّةُ (عند ربهم) عِنْدِيَّةُ مَكانةٍ وكرامةٍ، لا مكانٍ ومسافة.. فالشهداءُ في الحضرة العندية يُرزقون.
– الكرامة الثالثة (في الآخرة):
فقد ضمن اللَّهُ لهم الجنة، ووعدهم بها؛ لأنهم باعوا أنفسهم لله تعالى، فاشتراها منهم، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة :111].
الحياة الحقيقية هي حياة الشهداء
• نحن نؤمن بأن حياةَ الشهداء عند ربهم حياةٌ حقيقية، لكن هناك روايات تحاصر هذه الحياة، وتحاول تصويرها بأقل ما أخبرنا اللهُ عنها. ماهي هذه الروايات، وما ردكم عليها؟
– أقول إنها حياة حقيقية، بل هي أكثر حقيقة من هذا الخيال الذي نعيشه في الدنيا.
إنها حياة الحياة، وحقيقة الحياة، ألا يكفيك أنها في حضرة القرب!!.. ثم هي حياة الحرية الحقيقية..
أما ماذهب إليهِ بعضُ المفسرين في معنى قوله تعالى: ( بل أحياءٌ عندَ رَبِّهِمْ يُرزقون) أنها حياةٌ، يجعل اللَّهُ بها الروحَ في جسمٍ آخرَ، يتمتعُ به ويُرزق …، في هذا روايات، منها ما جاء في “تفسير الجلالين” : “أن أرواح الشهداء عند اللَّهِ في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة” ..
فأقول: ما ذهبوا إليه ليس بصحيح، ففي هذه الرواية شيءٌ من الإضطراب .
وفي رواية “مسلم والترمذي” من حديث “ابن مسعود” أنها : “في حواصل طيور خضر تسرح من أنهار الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش ….” الخ.
وفي رواية “عبد الرزاق” من حديث “عبدالله بن كعب بن مالك”: “أن أرواح الشهداء في صور طيور خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة” .. فهذه الرواية تدعي أن أرواح الشهداء محبوسة في مكان خاص، بينما الرواية التي قبلها تفيد أنها مُطلقة، تسرح حيث تشاء، ثم إن لها مأوىً تأوي إليه حين تشاء.
وفي رواية “مالك” وأصحاب السنن ماعدا “أبا داود” أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تعلف من ثمر الجنة أو شجر الجنة ..
إلى غيرها من الروايات التي أوردها بعض المفسرين، فهذا الإضطراب يدل على ضعفها وعدم الاعتماد عليها في تفسير الأية ..
ولهذا نقول بأن حقيقة كيفية حياة الشهداء وحقيقة رزقهم من الأمور الغيبية، نؤمن بها ونفوض الأمر فيها إلى الله تعالى.
• لا يدحض الحجة إلا حُجة أقوى منها. فما حجتكم على حرية الشهداء، ونفي الروايات آنفة الذكر؟
– ما يدل على حريتهم وعدم حبسهم في أجواف طيور أو غيره، قوله تعالى: (فرحين بما آتاهم الله…) إلخ ..
أي أنهم فرحون بما وجدوه من الفضل الإلهي الحاضر المشهود عندهم..
ويطلبون السرور بما يأتيهم من البشرى، بحسن حال من لم يلحقوا بهم من خلفهم، أن لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون.
وفي الآية إشارةٌ لطيفةٌ، وهي أن هؤلاء، الذين قُتِلوا في سبيل اللّهِ، تصلهم أخبار خيار المؤمنين المجاهدين الباقين بعدهم في الدنيا، إما كشفاً أو علماً ..
الشهادة.. عطاء بلا حدود
• السيد العلامة عدنان الجنيد. ما هو ميزان عطاء الشهداء، وهل يمكننا قياس تضحياتهم؟
– لا يوجد على وجهِ المعمورة أجودُ ولا أسخى من الشهداء، فلا يضاهيهم أحد من الصالحين الأتقياء، ولا الباذلينَ الأسخياء.
فإذا كان من المسلمين مَمّن جادوا بأموالهم، في سبيل الحق ونُصرته، فإن الشهداء قد ضحوا بأرواحهم، وجادوا بدمائهم..
وإذا كان مِن المؤمنين مَن آثروا غيرهم بالعطاء، فإن الشهداء قد آثروا أمتهم بالحياة، وقبلوا أن يكونوا الفِداء، ليُكتَبَ لها البقاء ..
وإذا كان العلماءُ المؤلفون قد قضوا أعمارهم بتدوين العلم وتصنيفه، حتى أفنوا المحابر والمداد، لينفعوا بذلك العباد، فإن الشهداء قد سطروا بدمائهم ملاحم البطولة، لينعم العلماء وغيرهم بالحرية، دون أن يصيبهم ما ساد في الأرض من ظلمٍ وفساد..
وإذا كان المحسنون قد اشتروا الأدوية للمَرضى، وقضوا للمعوزين الحوائج والأغراض، وواسوا بأموالهم الفقراء والمساكين، وأعطوا المحتاجين، وأشبعوا الجائعين، فإن الشهداء قد اقتلعوا الفساد، وقضوا على الفاسدين، الذين كانوا سبباً في فقر العباد، وزيادة معاناة الفقراء والمساكين، وانتشار الأمراض بينهم وبين غيرهم من المعوزين المحتاجين ..
• فعطاء الشهداء ليس له حَدٌّ، ولا يحيط به العَدُّ، فهو مستمرٌ دائمٌ لا ينفد، فهل يُعْقَلُ بعد هذا أن يُساوى بهم أحد ؟!..
_ سيدي العلامة. يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَـمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِـمِينَ)[من سورة آل عمران- آية 140]..
• كيف يتخذ الله تعالى من المؤمنين شهداء؟
– إذا أراد الله أن يَصطَفِيَهُمْ لحضرته العِنْدِيَّة، ويَجتَبِيَهُمْ لينالوا الأوسمة الإلهية، جعل نسماتُ أشواقِ الحقيقةِ المحمدية تهب عليهم، وتغشاهم الأنوار الجاذبية للحياة الإلهية الغيبية، فتحصل لهم الطهارة والنقاء؛ كيما يصعدوا لمقام الإرتقاء، حينها تفارق أرواحُهُم أجسادَهُم في أرض المعركة؛ ليتمَّ لهم اللقاء، حيث الحياة الحقيقية والبقاء.. وهؤلاء هم الذين اختارهم الله من بين المؤمنين الأتقياء، والصالحين الأنقياء، وهذا هو مصداق قوله تعالى : [ويتخذ منكم شهداء].
• إذا كان هؤلاء هم الذين فازوا بالشهادة، فما بال من قال فيهم عز وجل: (ومنهم من ينتظر)؟
– كثير من المجاهدين بذلوا كل مايملكون كي يكرمهم الله بالشهادة، مع أولئك الذين سبقوهم من الشهداء الصادقين، ولكنهم لم ينالوها، رغم أنهم مشتاقون إليها، ويتمنون أن يكونوا أهلاً لها، ومع ذلك لم ييأسوا، بل مازال جهادهم مستمراً، وإرادتهم لم تنكسر، فهم مِمَّنْ قال الله تعالى فيهم: [رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر]..
واجبنا تجاه شهدائنا
•أخيراً : ما هو واجبنا تجاه الشهداء وتجاه أُسَرِهِم، وهل يمكننا أن نكافئهم؟
– إذا كان الشهداء قد ضحّوا بأرواحهم من أجلنا -نحن اليمنيين – فإن أقل واجب نقوم به تجاههم هو أن نسير على ما ساروا عليه، فنتأسى بهم، ونمشي على دربهم، ونسلك مسلكهم، وننتهج طريقتهم، ونسير على المبادئ التي استشهدوا في سبيل اللَّهِ من أجلها.
وأن نتفقد أُسَرهم، ونواسي أولادهم، ونوفر لهم كل مايحتاجون إليه، هذا من باب الوفاء ورد الجميل لهم على الأقل.
أما أننا نستطيع مكافأتهم فنحن لا نستطيع عمل ذلك، الله عز وجل هو من يكافئهم، وأول مكافأة منه لهم هو أن نفى عنهم الموت حقيقة، ونهانا أن نقول عنهم أمواتاً، أو حتى أن نظن – مجرد الظن – بذلك.