كل شيء في البلاد منقسم، والبلاد نفسها مقسمة مع الاحتلال وعصاباته التي يستخدمها الاحتلال سلالم لتدمير البلد. ونهب كل شيء فيها؛ من ثروات وآثار وأحجار وأشجار، وإيقاف التنمية، وضرب حركة النهوض الاقتصادي والاجتماعي.
كل ذلك جاء كمخرجات لما ساد التعليم من مدخلات غير واقعية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وما بعدهما، وحتى اليوم.
التعليم هو الآخر يعاني من الانقسام، وتحكم العصابات في كل مؤسساته ومناهجه وفلسفاته التربوية وأساليبه وطرقه التعليمية.
أما المعلم فقد أذلوه وأذاقوه مرارة الجوع والعوز والحاجة والهوان، وعاش فقيرا حقيرا في وسط مجتمع لا يحترم العلم ولا يقدر المعلم.
قالوا إذا أردت أن تدمر أمة، فأهدم التعليم. وعليك بضرب المعلم أولا، لا تجعل له أهمية في المجتمع، وقلل من مكانته بين الناس، حتى يحتقره طلابه !!
الأمر وصل في بلادنا إلى ضرب المعلم، بل وقتله.
انهيار التعليم بدأ منذ أن سيطرت الجماعات المتأسلمة على مؤسسات التعليم؛ واستيراد تجربة الوهابية النجدية السعودية بما تسمى المعاهد العلمية الدينية الوهابية التكفيرية. ثم تسييس التعليم، ووجهته لصالح الجماعة والتخلف والجهل والتجهيل.
وفي خدمة نواياها الشريرة، وخدمة أطماع الوهابية السعودية، وإشاعة الغش في الاختبارات.
في ٧/٧ من عام ١٩٩٤م انتصرت قوى التخلف والإرهاب على الجنوب، بل على كل الشعب اليمني الذي كان يحلم بالتغيير والنهوض.
أسقطت مشروع دولة الوحدة، كما أسقطت مشروع التحديث وقواه الجديدة، واستباحت كل القيم الجميلة، ومنها قيم التعليم الذي راهن الناس عليه في عملية التغيير والتطور الاجتماعي.
فبعد الحرب مباشرة عقدت عصابة ٧/٧ اختبارا لمن قالت إنهم جنود شاركوا في الحرب، وسمحت لهم بالغش من الكتب. ومن يومها اعتمد الطلاب في كل أنحاء الجمهورية اليمنية على الغش. وأصبح الغش محروسا بقوة الدولة والمال.
تبين فيما بعد أن غالبية الذين دخلوا اختبار الثانوية فيما بعد الحرب لا يحملون مؤهلات لدخول اختبارات الثانوية العامة.
كانت لجان الاختبارات فرصة للإثراء، توزع للمقربين ليدبروا أحوالهم. ومن يحاول أن يتكلم عن الغش يحاربونه، ويحيلونه إلى التحقيق. كاتب هذا المقال واحد من الذين فضحوا الغش والبيع والشراء في الاختبارات العامة، وتم أحالته إلى التحقيق، وإيقاف راتبه، والبلطجة عليه، حتى يسكت.
أصبح الغش سلوكا ومنهجا وطريقا وأسلوبا، وغيره هو الاستثناء.
ومن، عجائب هذه المرحلة إن الكثير من الطلاب يدخلون الاختبارات دون أن يفتحوا كتابا، بل إن الغش أصبح عملا رسميا ومعمما على الكثير من المراكز الاختبارية، وحتى المراقبين يتم اختيارهم من الذين يمشون أمورهم، بل إن رئيس اللجنة يأتي بطاقمه من غير المعلمين.
لقد دب الفساد في المؤسسات التعليمية؛ وكان الإخوان وعصابات عفاش يتنافسون على الفساد والإفساد والغش والتزوير وبيع الشهادات وتزوير الدرجات في كنترولات المحافظات والكنترول العام.
في إحدى لجان اختبارات الثانوية العامة استلم رئيس اللجنة أكثر من مليون ريال. كان عدد الطلاب المختبرين ١٠٠ طالب تفاوض معه مدير المدرسة على حقه، وبقية المبلغ من نصيب المدير.
وجاء رئيس اللجنة صباحا واتكأ بجانب السور وبدأ يخزن القات. ولم يكن المراقبون يعلمون بالصفقة إلا حين قال لهم الطلاب لقد دفعنا ثمن الغش، وبدأ الطلاب يفتحون الكتب، والعجيب إن الطلاب حصلوا على نتيجة نجاح أكثر من ٩٠٪ وذهبوا جميعا إلى الوزارة يطالبون بمنح إلى الخارج، لكن الوزارة تنبهت لذلك فعقدت للطلاب اختبارا في مادة اللغة الإنجليزية فرسبوا جميعا. وبذلك سقط حقهم في المنح الدراسية إلى الخارج.
هذا أنموذج بسيط من فساد الإدارة التربو/ تعليمية في عهد عصابة ٧/٧ التي دمرت كل شيء جميل وأصيل في البلد ولم تجد حسابا، أو عقابا.