في تطورات متسارعة في عالم اليوم المنفلت، يؤكد مدير العمليات البحرية الأمريكية الفريق الأول مايكل غيلداي أنه يجب على الجيش الأمريكي أن يكون جاهزًا للرد على غزو صيني محتمل لتايوان بدءا من العام الحالي، في مؤشر على القلق المتزايد بشأن نوايا بكين تجاه الجزيرة، والصين بدورها لا تخفي نوايا التصعيد العسكري ضد تايوان.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه لا يستبعد استخدام القوة لإعادة ضم جزيرة تايوان، وشدد على ضرورة تحسين القدرات الدفاعية للصين لمواجهة التهديدات عن طريق تطوير قدرات الجيش، ورسائل التصعيد القادمة من بكين لا تخص فقط تايوان، فهي أيضاً تعني الاستعداد لحرب شاملة مع أمريكا التي تهدد الأمن الصيني ببحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي وتايوان.
وهنا فإن بعض المتابعين يدركون جيداً أنه في هذه المرحلة تحديداً فإن الدولتين كلتيهما الصينية والأمريكية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطور مستقبلاً إلى صدام عسكري مباشر في تايوان أو ببحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي.
وهنا عندما نتحدث عن حقائق الخلافات بين الصينيين من جهة والأمريكان من جهة أخرى ،فهذه الخلافات كادت أن تتطور بالمرحلة الأخيرة لصدام عسكري ” كارثي “مباشر “في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايبيه في شهر آب الماضي، وهي مازالت مرشحة لليوم لهذا التطور ” ،وخصوصاً أنه في افتتاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وجه الرئيس شي جين بينغ اللوم إلى أمريكا لدعمها تايوان حيث اتهم “القوى الخارجية” بتفاقم التوترات عبر مضيق تايوان، وأشار إلى أن الجهات الفاعلة الخارجية ستتحمل اللوم إذا شعرت الصين بأنها مضطرة للهجوم.
وفي خضم كل تلك التطورات ،تحاول بعض القوى الأوروبية وبعض الشرق آسيوية والحليفة لواشنطن ،خفض حجم التصعيد بين البلدين ،لأن العالم لا يحتمل اليوم أي تصعيد جديد يتزامن مع التصعيد في أوكرانيا ،وهناك دعوات لحوار وقمم مباشرة بين بكين وواشنطن ،لمنع أي تصعيد جديد ، ولكن هنا يجب التأكيد على مسألة هامة ومضمونها، بأن الخلافات الصينية – الأمريكية ،لا يمكن أن تحل بقمة رئاسية ولا بمجموعة قمم وأن نهايتها “ستكون المواجهة العسكرية المباشرة “،ولكن هم يسعون قدر الإمكان لتأخير هذه المواجهة ويحاولون ضبط أيقاعها ، رغم ان الصينيين بهذه المرحلة تحديداً ، وأكثر من أي وقت مضى أصبحوا بشكل اكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع أمريكا الهادف إلى إضعاف الصين وضرب قوتها الاقتصادية بالدرجة الأولى.
وهنا وعند الحديث عن الداخل الصيني ، فاليوم هناك اجماع عام على حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأمريكية والعقوبات الاقتصادية على الصين، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي وتايوان، فالصينيون يدركون أنّ النظام الأمريكي الرسمي وحلفاءه في الاقليم الآسيوي المحيط بالصين يستعمل سلاح الممرات البحرية والمعابر الدولية ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الصيني، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كلّ هذه الملفات هو الوضع ببحر الصين الجنوبي، ومن هنا أدرك الصينيون مبكراً أنّ أمريكا وحلفاءها في الاقليم الآسيوي يحاولون بكلّ الوسائل جلب النظام الرسمي الصيني وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الصينيون وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم الآسيوي، ولذلك قرروا الذهاب نحو رفع سقف التهديد بالخيار العسكري ضد تايوان ومنه إلى واشنطن في الفترة الأخيرة ، وبالطبع بالتنسيق مع الروس .
وهذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على بكين ، يعرف المتابع بدقة لها ، أن الوصول إلى مسار تفاهمات حولها بين الصيني والأمريكي بهذه المرحلة هو “شبه مستحيل ،فهذه الملفات تحتاج إلى تفاهمات “كبرى “((لا يريدها الأمريكي بالمطلق))” وهنا من الواضح أن هناك جملة من التعقيدات الأمريكية التي تمنع الوصول إلى هذه التفاهمات، وهذه التعقيدات تدفع نحو تأكيد صعوبة بناء وثيقة تفاهم أمريكية – صينية ،قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الأقليمية والدولية في الأقليم الجنوب والجنوب شرق آسيوي بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية.
ختاماً، من المؤكد أن أزمات وصراعات الصينيين والأمريكان، لن تستطيع أي قمة رئاسية أو غيرها، وضع أي حلول لها، فالعالم بمجموعه بدأ يتجه نحو فوضى غير معهودة، وانفلات في سباق تسلح “غير معهود “، وسط فقدان قدرة العالم على الرقابة على هذا التسلح ونوعية وكمية هذا التسلح، ما يؤكد أن العالم يسير بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة “نووية -بيولوجية” ،”والأمور تكاد تنفلت من عقالها” أو بالأحرى أنها انفلتت ” .
كاتب وناشط سياسي – الأردن.