العدوان الذي يتعرض له اليمن واليمنيون من الأحزاب والنُّخَب السياسية اليمنية، لا يقل بشاعة عن العدوان الخارجي، بل يعد الأكثر ضررا وخطورة على حاضر اليمن ومستقبله .
فلولا تلك الأحزاب والنخب لما تغوّل العدوان الخارجي على شعبنا وأرضنا إلى هذا المستوى من الهمجية والبربرية المستمرة منذ ثماني سنوات .
لقد كشفت سنوات العدوان الثمان أن أحزابنا العتيقة ـ المؤتمرـ الإصلاح، الاشتراكي والناصري ـ لم تكن أحزاباً سياسية وطنية، بل دكاكين خاصة جدا، أشبه بـ ” صندقة حميد ” والديمقراطية التي كنا نفاخر بها ونواري بها فقرنا وتخلفنا في المنطقة، كانت أكبر مقلب شربه شعب على وجه المعمورة، ولم يكن القادة السياسيون، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، سوى قوادين رخاصاً تاجروا بالدين والأممية والقومية وكل المبادئ الوطنية، وفي مايو 2015م جمعهم المخرج السعودي في الرياض في صورة جماعية كتلك التي تجمع الممثلين على خشبة المسرح بعد انتهاء المسرحية .
خلال سنوات الحرب، ظهر نوع آخر من الكيانات السياسية والنخب والقادة، نوع أكثر رخصا ووقاحة وجرأة على الشعب والوطن والتاريخ، كيانات وشخصيات تقوم بأدوارها على طريقة ” تليفزيون الواقع ” لا تحتاج إلى تسميات حزبية كسابقاتها، ويكفي أن تشكل كيانا وتعلن نفسك زعيماً أو رئيساً أو سلطاناً.
مصطلح النخب تغير أيضاً، فهو لا يعني شريحة معينة تتمتع بمستوى ثقافي أو سياسي، بل يعني نخبة من المسلحين يسيطرون على مدينة أو منطقة معينة، كالنخبة الحضرمية والشبوانية وغيرها .
حاول المخرج السعودي لملمة كل تلك الأدوات في كيان سماه رئاسياً، وأوكل إليهم الجزء الثاني من المهمة، وهي أكثر وضاعة وقذارة من مهمة مؤتمرعفاش وأحزاب ” المشترك ” .
العليمي، الزبيدي، عفاش، المحرمي، العرادة، وبقية رفاقهم في مجلس الرياض، كل منهم له أجندته، وزعامته، وجغرافيته، وحين يجتمعون يبدون كممثلي كومنولث من عدة دول، لا كأعضاء مجلس رئاسي . هكذا يعتقدون أنفسهم، مع أنهم أشبه بصبية يعملون لدى جزار كبير لا يريد تلطيخ نفسه بدماء الذبيحة، جزار يكتفي بالإشراف وإمدادهم بالسكاكين والسواطير، ويكلفهم بعملية الذبح والسلخ والتقطيع .
أموال العالم أجمع لا تساوي شيئاً أمام حجم المهمات التي ينفذها أعضاء “مجلس الرياض ” فما الذي يمكن أن يتقاضوه في مهمة ذبح اليمن وتقطيع أوصاله ؟؟. هل يعلم العليمي وهو أكاديمي في الأمن والقانون حجم الجريمة المكلف بتنفيذها ؟. وهل يصدق طارق عفاش أنه سيكون أميراً لدولة مستقلة تطل على باب المندب تمتد بين المخا وخور عميرة . ؟. قد يقبل مرتزقة الصبيحة بإمارة مستقلة في تلك الجغرافيا، وخصوصا بعد إقصائهم من أي نفوذ في مدينة عدن التي باتت حكرا على التحالف الضالعي اليافعي الهش . ولكن هل سيقبل أبناء تعز أن تُسلخ المديريات الساحلية من المحافظة ؟. فما هي قيمة تعز بدون إطلالتها على باب المندب، بل ما الذي سيتبقى لليمن من قيمة استراتيجية إذا سلخ منها الساحل المطل على باب المندب ؟.
حرمان اليمن هذه الأهمية الاستراتيجية هو هدف رئيسي للولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي، وهو أحد أسباب هذا العدوان، ولكن صبي الجزار لن يحصل على أكثر من جلد الذبيحة .
صحيح أن طارق عفاش يستند إلى موروث عمه الراحل في المخا وذوباب التي زُرعَتْ في عهده بالنفايات النووية . لكن الجزار لن يمنحه أكثر من باب موسى، أما باب المندب بعيد عليه وعلى رعاته .
أبو زرعة المحرمي، برز اسمه ضمن مجلس الرياض، وقد كان مجهولاً للكثيرين، يعمل بصمت، ما هي أجندة هذا الشخص، ما الذي يريد تحقيقه لليمن، بل ماذا تعني اليمن بالنسبة له سوى ساحة معارك، يخوضها متى وحيث يطلب منه، يقود آلافاً من عناصر المليشيا التي يسمونها ” العمالقة” لكن مهمة تدمير اليمن لا تحتاج إلى “عمالقة ” بل إلى فئران . فمتى يتخلى المحرمي عن هذه المهام، وهو يمني أصيل يتمتع بذكاء حاد.. ومن الغريب أن يقبل أن يتعامل معه الخارج كمقاول حرب .
ليس المطلوب من المحرمي أن يقاتل في صفوف ” الحوثيين ” لكنه يستطيع أن يقاتل في صف اليمن، في صف الجنوب، أن يفسد مخططهم لسرقة باب المندب .
أما العرادة، فيكفيه أن يتأمل مصير رفيقه أمين العكيمي، الذي خاض معارك الجوف حتى آخر طلقة، وحين فشل في المعركة، تم اختطافه واحتجازه بطريقة مهينة . وبطريقة مهينة يُمنع أنصاره من أبناء قبيلة دهم من تنظيم فعاليات يناشدون فيها ” طويل العمر ” بالإفراج عنه . في حال تحرير مارب، سيعتقل السعوديون سلطان العرادة، ولن يجد أبناء قبيلة عبيدة مكاناً لضرب الخيام ومناشدة المملكة لإطلاق سراحه .
aassayed@gmail.com