ثورة ناصر وثورة الأنصار

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

في كلمته بالذكرى الثامنة لثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة، أعلن الرئيس مهدي المشاط عن بدء مرحلة جديدة في اليمن عنوانها: التحرير والبناء. ولأن ” خير الكلام ما قل ودل ” فإن كلمتَيْ التحرير والبناء تختزلان بين أحرفهما جوهر ومضامين الأهداف الستة لـ ” ثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة ” وقد كان هدفها الأول، التحرر من الاستبداد والاستعمار.. والثاني، بناء جيش وطني لحماية البلاد.. وركزت بقية الأهداف على البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي ..
لسنا هنا بصدد تقييم مدى تحقق أهداف ثورة 26 سبتمبر التي تدخل بعد يوم غد الأحد عامها الستين، ولكن المقاربة بين الثورتين بما تحملانه من متشابهات ومتناقضات تدفعان بأي متأمل إلى دوامة من التساؤلات والحيرة التي لا يمكن الخروج منها إلا بالتجرد من العواطف الشخصية والمواقف المكتسبة بتأثير أعلام السلطات ومؤرخيها، وجعل مصلحة الشعب والوطن هو المعيار في التقييم .
الثورات ليست أدياناً أو أصناماً تُعبد، ونقدُها ليس كُفراً، ومن حق أي مواطن أن يتساءل: لماذا وصلت اليمن إلى هذه الأوضاع وباتت مثل فريسة يتناهشها الضباع ولا تستطيع حماية نفسها بعد ستين عاما من ثورتها ؟.
أين تبخر جيشها حين تكالبت عليها قوى العدوان، وقد كان بناء الجيش هو الهدف الثاني للثورة؟. كيف تحولت الوحدة اليمنية إلى ورطة في نظر بعض اليمنيين ؟.
وهل كانت اليمن ستشهد مثل هذه الانقسامات الرأسية والأفقية لو أن الثورة حققت أهدافها، أو نسبة معقولة منها ؟.
لا حيز يكفي هنا لاستعراض الإخفاقات التي لا تشير إلى مجرد الفشل في تحقيق بعض الأهداف فحسب، بل فشلت في إبقاء الوضع كما كان عليه عند قيامها، ويكفي عرض هذا النموذج :
قبل بضع سنوات لم يستطع أحد المعسكرات اليمنية المرابط على بعد أكثر من ثلاثين كيلومترا من الحد الجنوبي للمملكة أن يحفر بئر مياه داخل المعسكر.. ممنوع !!
هكذا تلقت قيادة المعسكر اليمني التحذيرات من المعسكر المقابل. وبعد مفاوضات مهينة، تكفل الأخير بتزويد المعسكر اليمني بالمياه بشروطه ووسائله، تم قبول ” المكرمة ” وتوقفت أعمال حفر بئر الماء، فماذا لو كانت بئر نفط ؟.
كم كان علينا كيمنيين أن ننتظر حتى تتحقق أهداف ثورة 26 سبتمبر ؟ . ألا تعطيهم مثل هذه الأوضاع مبرراً للتمرد، للانقلاب، للقيام بثورة جديدة ؟.
بخلاف ثورة 26، ظهرت ثورة 21 سبتمبر دون إعلان أهداف مصاغة، لأنها ثورة شعبية خالصة، تدحرجت من أقصى الشمال كصخرة وصرخة، ولم تعتمد على خبراء ومستشارين من الخارج، كما هو حال ثورة 26 سبتمبر التي كانت ثمرة للخطط التي عملت مخابرات ناصر على رسمها منذ أواخر الخمسينيات. وعشية الثورة، كانت السفن المحملة بجحافل الجيش المصري قد اجتازت خليج السويس في طريقها إلى الحديدة ” لدعم ثورة اليمن “.. الثورة التي تركها ناصر يتيمة قبل أن تبلغ سن الرشد، فتكفلتها الجارة .
ترعرعت الجمهورية في أحضان المملكة، وباتت الأخيرة هي الراعي والوصي، وهي من تحاربنا منذ ثمان سنوات لإعادتنا إلى وصايتها .
لذلك، أخفقت الثورة في تحقيق أهدافها على أرض الواقع، وتحولت الأهداف الستة إلى ما يشبه تميمة أو حرزاً خطَّه مشعوذ دجَّال .
وفي حين لم يقم قادة ثورة 21 سبتمبر بصياغة أهداف لتلاوتها في وسائل الإعلام، لكن الثورة وعلى الرغم من كثرة الصعوبات والمحن، تزرع أهدافها في التراب وتنقشها على الصخور، والعروض العسكرية التي شهدناها في الحديدة وصنعاء تجسد بعض الفوارق بين الثورتين، ” ثورة ناصر وثورة الأنصار “.
ليس هناك شك في عظمة أهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة، وعلينا الاعتراف بالتضحيات التي قدمها المصريون من أجلها حتى باتت في نظر كثير من الكتاب والمؤرخين وكأنها قضية ناصر وثورته .
وحين توصف ثورة الـ 21 من سبتمبر بأنها ” ثورة الأنصار ” فذلك لا يعني أنها ثورة خاصة بالحوثيين . فأنصار الله هي صفة تنطبق على أي فئة أو جماعة مؤمنة في أي زمان ومكان، استجابت لدعوة الله وناصرته . قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ” .
ونصرة الله تكون في نصرة عباده المستضعفين وتحريرهم من الظلم . وهذا ما سعى إليه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وضحى بنفسه من أجله، ومن بعده قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ومعه ملايين من أنصار الله اليمنيين بمختلف فئاتهم ومذاهبهم .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا