ثورةٌ حكيمةٌ وإنجازٌ عظيم..قَادِرُونَ ومُتَقَدِّمُونَ بِفَضْلِ الله

عبدالرحمن الأهنومي

 

 

ما رأيناه في العرض العسكري الذي شهده ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء بمناسبة العيد الثامن لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هو واحد من إنجازات الثورة المباركة وقائدها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله- وشواهد الإنجاز العظيم لهذه الثورة تشهد وتُشاهد كل يوم.
اختتم قائد الثورة المباركة السيّد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- خطابه المُهِمّ في مناسبةِ اليومِ الوطني للصمود 26 مارس 2022م، بقوله «قادمون في العام الثامن بإنتاجنا الحربي وأسلحتنا البحرية التي تُغرق الأعداء، والتوكل على الله بجحافل جيشنا المتفاني وصواريخنا الباليستية وطائراتنا المسيرة بعيدة المدى المنكلة بالأعداء، وإنتاجنا الحربي المتميز وأنظمة الدفاع الجوي وأسلحة البحرية التي تغرق الأعداء وتوصلهم إلى قعر البحر، قادمون في العام الثامن بالتصنيع المدني لنؤسس نهضة حضارية تخدم وضع شعبنا الاقتصادي». وقبلها وفي المناسبة ذاتها اختتم السيد حفظه الله «قَادِمُون في العام السابع من موقع مُتقدِّم بفضل الله سبحانه وتعالى على مستوى التصنيع العسكري والتقدم الميداني والوعي والزَّخَم العسكري والإنجاز الأمني والصمود الاقتصادي والثبات السياسي والالتزام بالموقف الإيماني، وقبل ذلك اختتم السيّد القائد -حفظه الله وسدده كلمته- في ذات المناسبة للعام الرابع بقوله «قادِمُون في العام الرابع، بمنظوماتنا الصاروخية المتطورة والمتنوعة التي تخترق كل وسائل الحماية الأمريكية وغير الأمريكية، قادِمُون في العام الرابع بطائراتنا المسيّرة التي هي على مدى بعيد».
أردتُ أن أبدأ بهذه الاقتباسة لصاحب القولِ السديد – حفظه الله – لأوضح رهان القائد -حفظه الله- على الله في الأول والأخير، وعلى التصنيع العسكري في مسار مواجهة العدوان التحالفي الذي تشترك فيه أمريكا وأوروبا وإسرائيل والمُطبِّعون والمنافقون والعملاء العرب واليمنيون، وبتوفيق الله لم يَخِبْ رهان السيّد القائد فقد حقق المجاهدون في التصنيع العسكري -بفضل من الله- إنجازات بات يشهد الأعداء والأصدقاء بها، وكلنا نتذكر هذه العبارات وتلك البسمة التي ارتسمت على مُحَيَّاه وهو يقول هذه العبارات وفي مقامين متعددين، وتلكما علامتا الثقة والاطمئنان.
وما رأيناه في العرض العسكري الذي يعتبر هو الأضخم في المنطقة برمتها والذي أقيم في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء بمناسبة العيد الثامن لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة، يكرس المقتضى العملي لما يقوله رجل القول والفعل قائد الثورة حفظه الله، وقد رأينا جحافل جيشنا المجاهد تتقدم في الاستعراضات التي شهدناها خلال الأيام الماضية بعنفوان وعزم وإرادة وقوة وإيمان وثقة تعانق عنان السماء، ورأينا انتاجاتنا الحربية المتطورة وهي تنمو وتكبر وتتصاعد وتقدم في ميدان السبعين شاهدا أجلى على أن القوة التي تُبنى على أساس الإيمان بالله هي قوة كبيرة ستتحقق وستكبر وستتعاظم وفي وقت قصير وبالله لن يكون أمامنا مستحيل أبدا.
ولنتذكر وضع اليمن قبل الثورة المباركة ولنتذكر وضع اليمن في بداية العدوان، لم نكن نتوقع أن نصنع ذخيرة كلاشنكوف لنصف معركة، ونحمدالله الذي وفق وأعان وسدد ومنحنا من توفيقه وعونه الكثير والكثير، حتى رأينا الصواريخ البالستية بعيدات المدى والطائرات والمسيرات والأسلحة البحرية والدفاعات الجوية تستعرض بتلك الصورة التي تشبه استعراضات جيوش عالمية كبرى.
وفي الحقيقة فإن الجهود التي بذلها المجاهدون في الصناعات العسكرية مثّلت أهمية أساسية في مسار معركة مواجهة العدوان التحالفي العشريني الذي يتشكّل من عشرين دولة على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل والسعودية والإمارات علاوةً على حلفاء آخرين يشاركون في العدوان المتواصل منذ نحو سبعة أعوام، لقد استطاعوا -بفضل الله- تغيير قواعد الحرب، انطلاقا من الصفر إلى تحقيق توازن جيد في معادلة الحرب وتكافؤ القوة، واستطاعوا -بفضل الله- تقليص التفوق العسكري لتحالف العدوان إلى حدٍّ كبير، وإيجاد أسلحة نوعية رادعة ألحقت أضراراً كبيرة بمصالحه وقواعده ومنشآته الحيوية، وفي الشق الآخر حققوا نجاحات عملانية في المعركة الميدانية من خلال الأسلحة التكتيكية التي مثّلت عوامل حاسمة في معارك عدة، إضافة إلى توفير السلاح النوعي الحاسم في الميدان، وهذا ما برز بشكل أوضح في معركة الساحل الغربي وما تلاها في معارك تحرير البيضاء ومارب ونهم والجوف، علاوةً على أن الصناعات العسكرية اليمنية باتت تشكل اليوم مصدر قلقٍ وتهديدٍ لكيان العدو الصهيوني، وهذا الأمر يعبّر عنه الأعداء بشكل متكرر.
قبل شن العدوان الأمريكي السعودي على اليمن في مارس 2015 لم يكُن اليمن شيئاً يذكر في الحقيقة، ولم تكن لديه قوة مُهابة ترهب الأعداء وتخيفهم، فقد كانت الترسانة العسكرية للجيش اليمني في مرحلة صفرية، حيث تعرضت بين الأعوام 2005- 2015 إلى تدميرٍ ممنهجٍ ومركّزٍ للمنظومات الصاروخية الضئيلة والقديمة التي كان يملكها الجيش اليمني، ولسلاح الجوِّ وحتى الذخائر والقذائف والأسلحة التي كانت في مخازن الجيش تعرضت للتدمير من خلال مسارات تدميرية عديدة.
إضافة إلى عوامل الإهمال والترهل الناتج عن اختراق السيادة والتدخلات الخارجية والتغلغل الأمريكي في الجيش وضرب عقيدته القتالية، ورغم كون كل الترسانة العسكرية التي كان يملكها الجيش اليمني ترسانةً متواضعةً، إذ هي عبارة عن منظومات قديمة غير متطورة استخدمت في الحرب العالمية الثانية، وفي الحقيقة لم تكن اليمن تملك أسلحة نوعية فارقة في مواجهة جيوش وتحالفات خارجية، ومع ذلك دُمِّرت وأُتلفت، ثم أتى العدوان في أيامه الأولى ليركِّز ضرباته على مخازن العتاد والأسلحة وغيرها.
في بداية العدوان لم تكن المعضلة التي يواجهها الشعب اليمني في إيجاد سلاح نوعي وازن يغيِّر قواعد المعركة فحسب، بل في توفير الذخائر والنيران والقذائف اللازمة للاستمرار في المعركة لأشهر، وقد كان تحالف العدوان نفسه يراهن على هذه المعضلة، لكن بفضل الله وتوفيقه والقيادة الحكيمة، وفَّقَ الله المجاهدين في إحراز التفوق النوعي، وفي صناعة السلاح اللازم للاستمرار في خوض المعركة على طول سنواتها، وفي تكريس معادلة ردع بات العدو يحسب لها ألف حساب، وهذا كله حصيلة جهود وجهاد يبذله المجاهدون في التصنيع العسكري ونتاج التضحيات بالدماء والأرواح التي بذلها الشهداء والجرحى.
قبل العدوان أيضا كانت الترسانة العسكرية للجيش اليمني تجمع ترسانة صواريخ سوفياتية وكورية، حصل عليها الجيش اليمني من جمهورية اليمن الديمقراطية –التي كانت حليفة الاتحاد السوفيتي قبل الوحدة (1990) – إضافة إلى صواريخ استوردت في التسعينيات من كوريا وروسيا حسب المعلومات، ومع ذلك استهدف العدوان بشكل مركز المخزون من الصواريخ، بالغارات الجوية وأعلن تدميرها كلياً، لكن حدث ما لم يكُن في حسبانه أبدا.
لقد استطاع المجاهدون -بعون الله وتوفيقه- وبتوجيهات قائد الثورة المباركة السيد القائد حفظه الله النهوض من بين الركام، وبعد سبعة أعوام يشهد العالم بالتفوق الذي حققته الصناعات العسكرية اليمنية في مجال الصواريخ والمسيّرات، والأسلحة البحرية والجوية وفي بناء الجيش وتدريبه وتأهيله وطنيا وإيمانيا، وفي نفس الوقت يشعر الأعداء اليوم بتهديدات جدية منها، بل ويحسبون حساباتهم لما بات الشعب اليمني يملكه من قدرات عسكرية وفق الله العاملين في التصنيع العسكري ومكّنهم من إنجازها وصناعتها وتطويرها.
منذ نهاية العام 2017 أصبحت الضربات الصاروخية التي تستهدف العدو حدثاً شبه يومي، في بداية المطاف كان العدو يتعمَّد الإنكار ويحاول التقليل والاستهانة مما صنّعه اليمنيون بل ويحاول التكتم على خسائره، جاءت الضربة المسددة التي استهدفت بقيق وخريص لتفتح أعين العالم على معجزة السلاح اليمني، جعل أحد الباحثين في مركز واشنطن الأمريكي أن يقول «سيحتاج الدبلوماسيون والمخططون العسكريون الأمريكيون إلى التعامل مع هذا التهديد في حساباتهم المستقبلية وبما يتخطى الحرب الحالية في اليمن»، أي أن المسألة باتت تتجاوز المواجهة مع تحالف العدوان.
بعد مرور سبعة أعوام أصبح مستوى تطور الطائرات المسيّرة والصواريخ موثَّقة بشكلٍ غير مسبوقٍ ولا معهودٍ في حروبٍ سابقة، وإذا كان العدو في بداية المطاف يخشى بضعة صواريخ سكود وتوشكا من منظومات سوفياتية وكورية قديمة كانت موجودة في مخازن الجيش فهو اليوم مرتعدٌ تحت وطأة صناعات عسكرية يمنية صنَّعتها عقولٌ يمنيةٌ وفَّقها الله وسدَّدها، باتت هذه الصناعات مجربةً وبشكلٍ فاعلٍ ومؤثّر.
بحمد الله وصلت الصناعات العسكرية اليمنية إلى مستوى متقدمٍ وهذا توفيقٌ من الله، فقد حقَّق التصنيع العسكري قفزات نوعية ملحوظة تعدّ قياسية، نظراً للمدة الوجيزة التي تزامنت مع معارك ميدانية مستمرة وغارات جوية مركّزة استهدفت بشكل أساسي المعدات والأسلحة منذ اليوم الأول، علاوة على الحصار والظروف الاقتصادية وعدم وجود بنية تحتية تصنيعية، لكن بفضل الله استطاع المجاهدون من إنجاز كل ذلك..فشلت الغارات في الحد من تطور التصنيع العسكري في الصواريخ والمسيّرات وغيرهما.
في مسألة الصواريخ استطاع المجاهدون في بداية المطاف أن يُحسنوا استخدام الصواريخ التي كانت موجودة في مخازن الجيش، ويحققوا بها ضربات نوعية مسدّدة لم يسبق أن استخدمت بفعالية وأداء كما استخدمت في اليمن، الاستفادة من التقنيات وتطويرها أيضا، وصولا إلى صناعة سلاحٍ يمنيٍّ نوعيٍ وازن، كرّس معادلة ردع تتجاوز الحرب الحالية مع تحالف العدوان إلى تكريس قوة كبيرة تصبُّ في مصلحة الأمة كلها.
الطائرات المسيّرة والصواريخ تجربةٌ يمنيةٌ فريدةٌ ومتميزةٌ
كرست العمليات التي نفذتها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر دروساً مهمةً في كيفية استخدام السلاح، فعلى سبيل المثال لم يسبق وأن استخدمت الصواريخ الباليستية بما فيها تلك الصواريخ السوفياتية والكورية بفاعلية وبأثر ناجح وحاسم في كل الحروب التي شهدت استخدامات لهذا النوع من الصواريخ، هذا جانب، أما الجانب الآخر ففي صناعة الصواريخ اليمنية التي أثبتت بالتجربة العملية في الميدان قدرتها وقوتها وأثرها وفاعليتها بشكل يفوق أحيانا منظومات صاروخية كورية وروسية وأمريكية، وهذا الموضوع يحتاج إلى قراءة مفصّلة لا يتسع لها المجال هنا.
لم يسبق أن استخدمت الطائرات المسيّرة في حروب كما استخدمها المجاهدون في الحرب التي نخوضها اليوم في مواجهة العدوان، وقد قدموا مدرسة متميزة ورائدة في استخدام هذا النوع من السلاح المستجد على الحروب والمعارك، وأفرزت العمليات العسكرية للطائرات المسيّرة التي نفذها سلاح الجو دروساً مهمة في كيفية استخدام الطائرات المسيّرة بأنواعها المختلفة، أما صناعتها فذاك أمر حير العالم كله، ويمكن القول أن التصنيع العسكري أدخل سلاحا جديدا إلى الحروب العسكرية وخلق نماذج لطائرات متعددة المهام والأغراض والاستخدامات العسكرية، وباستعراض التجارب في هذا المجال نجدها نادرة بما فيها تجربة تركيا في ناكورباغ وليبيا، رغم الدعاية التي أحاطت بها إلا أننا باستعراض تجربتنا في اليمن نجدها متميزة ورائدة وجديدة على العالم كله.
وبالعودة إلى الاستعراض العسكري الذي أقامته القوات المسلحة بمناسبة العيد الثامن لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، يشهد العالم هيبة الثورة واقتدار الشعب الذي تحرر بثورته المباركة من ربق الاستعمار الفكري والعسكري، وما عرض في الاستعراض سيجعل مراكز الدراسات والاستخبارات والجيوش تتوقف أمامه، خصوصا وأن هذه الصناعات قد حققت التجارب العملية نجاحات كبيرة ومشهودة.
وإذا كنا أمام مليارات الدولارات يخسرها النظام السعودي في شراء الأسلحة والذخائر والقذائف والمعدات العسكرية وحتى الاحتياجات واللوازم البسيطة للجنود في الميدان، فإن الشعب اليمني يحارب ويقاتل بصناعاته العسكرية وبأسلحة وذخائر وقذائف وقناصات ورشاشات ينتجها قسم التصنيع العسكري، وهذه نعمة كبيرة من الله لا بد من الشكر عليها، فقد امتن الله بها على نبيه داوود عليه السلام حين قال «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ? فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ».
وإذا كان الآخرون يشترون الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية من روسيا أو من الصين ومن أمريكا فإن اليمنيين يمتلكون أسلحة متطورة ورادعة بسواعد أبنائهم، وهذه نعمة وفضل من الله، بل ويتفوق اليمنيون اليوم على كل دول المنطقة بما امتلكوه من قدرات عسكرية باليستية وجوية وبحرية وغيرها تجعل من بلدنا البلد الباليستي الأول وتجعل منه البلد الأول المنتج للأسلحة في المنطقة كلها، وينافس دولا عالمية.
يبقى القول أن كل تلك النجاحات ما كانت لتتحقق لولا عون الله وتمكينه وفضله وتوفيقه وهدايته، والقيادة الحكيمة، والجهود التي بذلت وتبذل في التصنيع العسكري، وأن المجاهدين في هذا القسم قدموا شاهدا جليا على عظمة المسيرة القرآنية من خلال إنجازاتها وما حققه الله على أيديهم من انتصارات كبيرة، ومن صناعات عسكرية متنوعة ومختلفة في فترة زمنية وجيزة رغم الظروف والأحوال الصعبة والقاسية بل والمستحيلة أحيانا، وإذا كانت كوريا الشمالية تملك صواريخ تصل مديّاتها اليوم إلى 13 ألف ميل، فإننا بحول الله وبقوته سنحتفل بهذا الإنجاز قريبا بتوفيق الله وعونه.
ومن المهم أن يشعر كل مجاهد من العاملين في التصنيع العسكري أن الجهود التي بذلها قد أثمرت أمورا عظيمة، يقف الأعداء مرتعدين مما يعمل ويصنع، وأنه محط رعاية الله وتوفيقه، وأنه بات أمل المستضعفين وبشارتهم، ومن المهم أن يعرف كل يمني بأن ثورة 21 سبتمبر ثورة عظيمة ومباركة، ومن المهم أن نعرف جميعا بأن من يقود هذه الثورة هو قائد عظيم نفخر به ونعتز ونتمسك بتوجيهاته وتعليماته..وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه المآب ومنه النصر والتمكين.

قد يعجبك ايضا