في بداية الثمانينيات كنت أحد الذين نفذوا التعداد الزراعي للمساكن والسكان وكان نصيبي مع اثنين من الزملاء مديرية الحزم في م/ الجوف.
استضافنا أحد المواطنين، وفي منزله تعجبنا من تعليقه صورة الشهيد سالمين وصورة الأمين العام عبدالفتاح.
صاحبي نظر للصورتين بتعجب.
صاحب المنزل توجّس من الأمر، وسأل صاحبي عن عمله؛ فقال هذا الصاحب التهامي : إنه يعمل في الجهاز. رأينا في مضيفنا تحفزا من لفظة الجهاز؛ ولكن وضحنا له بأنه الجهاز المركزي للتخطيط، وليس جهاز الأمن الوطني الذي تحسسّ الرجل تجاهه.
عرفنا فيما بعد أن مضيفنا كان مسؤولا في الجبهة الوطنية.
كان الناس هنا لا يخفون انتماءهم للجبهة، بل علمنا أن هناك كوادر قد أخذت دورات تثقيف ودورات قتالية في عدن وموسكو وكوبا.
وأن قبائل بشيوخها منخرطة في الجبهة في كل من الجوف وصعدة وسفيان وعمران.
كان الناس هنا يبحثون عن خرم إبرة للخروج من أوضاع التخلف، كانوا يبحثون عن منقذ.
قال لي رجل مسنّ من عيال سريح الحمد لله يا ولدي التنظيم في كل قرية!!
مررنا بحرف سفيان، كان الناس هناك يتحدّون سلطة مشايخ بيت الأحمر وقال لنا أحدهم إن الشيخ ابن حيدر قد منع أحد أبناء الشيخ الأحمر من المرور في حرف سفيان.
كانت محافظات الجوف وصعدة ومارب خارجة عن سلطة عفاش وكان عملاء السعودية وحرس الحدود السعودي يعبثون بهذه المحافظات إلى درجة أن حرس الحدود السعودي كان يقتل ناشطين يمنيين داخل هذه المحافظات.
كانت اليمن في بداية الثمانينيات تعيش وضعا ثوريا، لكنه لم يكن منظما، وخاصة في تلك المحافظات، وكان الأمر يقتصر على توزيع السلاح لهذه القبيلة، أو تلك دون القيام بأي مهام على الواقع.
انتكس نضال الجبهة بعد أن اغتالت السلطة بعض قادة الجبهة وتنازل بعض قادة الجنوب للسلطة في صنعاء، وضرب كثيرون بعد كارثة ١٣ يناير ٨٦ من القرن الماضي.
جاءت الوحدة وانتعشت قبائل الشمال والشرق وتفألوا خيرا بالوحدة، لكن قيادة الحزب لم تحسن قيادة الجماهير تجاه خدائع القوى الرجعية في صنعاء، ولم تردّ على جرائم الاغتيالات والتي كان لكوادر مناطق شمال الشمال نصيب منها.
ولم تحسن قيادة الحرب التي فجّرتها عصابة ٧/٧ الانقلابية.
تمخضت الحرب عن هزيمة تجرعها اليمنيون من أنصار التغيير في طول اليمن وعرضها. وتشرد الكثيرون من الكوادر، بل سمعنا عن ٢٧ ضابطا في برط من خريجي الأكاديميات العسكرية في الخارج، كانوا يرعون الأغنام.
بعد انتصار عصابة ٧/٧ على الشعب اليمني والانقلاب على الوحدة انتكست آمال اليمنيين في التغيير والنهوض وبدأ الكثير يبحثون عن منقذ.
بل إن كثيرا من اليمنيين بدأ بالتمرد في الجنوب وشمال الشمال، فكان الحراك، وكانت حروب صعدة الستة، وتكلل كل ذلك بثورة ١١ فبراير، لكن كارثة أخرى سقطت على رؤوس اليمنيين هي الخيانة الخليجية (المبادرة) التي انقلبت على الثورة وذهب المنقلبون لاقتسام السلطة وكيل الجرع فوق اليمنيين لتسمين المستغلين والفاسدين. وكان رد اليمنيين على حكومة الجرع ثورة ٢١ سبتمبر التي اقتلعت الفساد والفاسدين وشيوخ الظلم والإرهاب. فوجد فيها الكثير من اليمنيين ضالتهم فاصطفوا إلى جانبها دفاعا عن أرضهم وعرضهم ومستقبلهم.
لقد كنست ثورة ٢١ سبتمبر كل أوكار الفساد والعمالة وأسقطت حكم الوصاية والى الأبد، لكن الإمبريالية والرجعية أفزعها الفعل الثوري في اليمن فأعلنت العدوان الهمجي السافر والذي لازال اليمنيون يعانون منه؛ قتلا ودمارا وحصارا وتجويعا منذ ما يقارب السبع سنوات.