الثورة / ابراهيم الوادعي
أحداث متسارعة شهدها هذا الأسبوع منذ بدايته، السعودية تخلي مقارها في عدن وتسحب أغلب قواتها إلى سفن عائمة في ميناء الزيت بعدن ، وفي شبوة الإمارات تخلي معسكر العلم وبلحاف لصالح قوات الانتقالي ، وفي الساحل الغربي قوات الخائن طارق عفاش وألوية ما تسمى العمالقة تخلي قسماً كبيراً من نقاط تواجدها في الساحل الغربي .
الناطق باسم قوات التحالف أدرج هذه التحركات في إطار ما سماه إعادة انتشار ، تزامنت مع مناورات بحرية في البحر الأحمر تضم الإمارات والبحرين بالاشتراك مع «اسرائيل » ، بقيادة ورعاية أمريكية.
جميعها طرح سؤالاً كبيراً حول ما حدث ويحدث ؟
تكمن الإجابة وتفسير ما يحدث بسير المعركة في مارب ، حيث الإصلاح في الرمق الأخير بعد أن أضحت قواته محاصرة في مساحة ضيقة – مديريتي الوادي والمدينة – وابتداء من منتصف الاسبوع المنصرم دخلت المعارك عمليا حدود مدينة مارب الإدارية ومديرية الوادي ، مع استمرار التقدم للجيش واللجان الشعبية .
ليومين توقفت قوات الجيش واللجان الشعبية عند أقصى الحدود الإدارية شمال مديرية الجوبة، مفسحة المجال لوساطة قبلية تجنب المدنية ومديرية الوادي ويلات الحرب ، وتمد حبل نجاة أخيراً لحزب الإصلاح الذي انحسرت سيطرته الى مديريتي الوادي ومدينة مارب بعد تحرير 12 مديرية في مارب من بين 14 مديرية، بما فيها المدينة كتقسيم إداري .
خرج المدعو سلطان العرادة بخطاب أحمق منهيا بذلك جهود الوساطة وماضيا في طريق العمالة والارتزاق حتى الرمق الأخير ، ومقدما على طبق من ذهب رقبة الإصلاح لخصومه تحت مظلة ما يسمى الشرعية ليجهزوا بدورهم عليه في تعز وشبوة وما تبقى له من نفوذ في جنوب اليمن، وقد بدأت الخطوات العملية لذلك على الارض عبر التحركات التي قامت بها السعودية والامارات في الجنوب وفي الساحل الغربي وتعز باغتيال أحد أبرز قادة الإصلاح ضياء الحق الأهدل.
لم يخسر الإصلاح الفرصة الأخيرة ليبقى حزبا سياسيا قد يغفر له تجنيب مدينة مارب ويلات الحرب بعضا من جرم خيانته الكبيرة والممتدة لسبع سنوات ، حيث ما كان للحرب والحصار أن يطولا لولا خيانته وتقديم عناصره كباشا للتحالف السعودي الامريكي وقبيل تشكيل أي فصيل آخر منذ بداية الحرب وحتى اللحظة التي يحتضر فيها في مارب في الوقت الراهن .
من يفترض أنهم رفقاء الاصلاح في خدمة التحالف، شرعوا عمليا بمباركة قيادة التحالف في حد السكين في أكثر من منطقة للإجهاز على الاصلاح وهو لايزال يقاتل في مارب وبدأوا في تقاسم تركته ، عُيّن الخائن طارق عفاش على تعز حيث نفوذ حزب الإصلاح الأخير ، وفي عدن وصلت قواته لمشاركة الانتقالي السيطرة على عدن ومحو أي نفوذ تبقى للإصلاح فيها ، وفي شبوة التي لايزال بن عديو رجل الاصلاح محافظا عليها، سيطر الانتقالي على معسكر العلم بدعم من قوات الخائن عفاش بعد أن كانت قوات الإصلاح سيطرت عليه عقب انسحاب قوات إماراتية منه ، وتتأهب قوات الانتقالي وعفاش للدخول الى الغيضة لاستبدال السلطة المحلية الموالية للإصلاح .
وتورد أنباء أن قوات ما تسمى « العمالقة»- وهي حشود من السلفيين النتظيمات الإرهابية، التي جرى سحب قسم منها من محافظة الحديدة- في طريقها الى شبوة، ومن المعلوم أن هذه القوات تتبع مباشرة وتدار بأمر الامارات التي تناصب تيار الإخوان والإصلاح العداء .
وفي سياق منفصل عن واقع تنازع العملاء، فإن التحركات والصدامات جميعها تجري بتوجيه التحالف الذي بدأ باكرا في إعادة تقييم ميدان الحرب وفق وضع ما بعد مارب التي ستشكل خسارتها انتصارا واضحا واستراتيجيا ستمتد تداعياته إلى الاقليم وربما دوليا في تغيير موازين القوى الدولية .
بعد ما يزيد عن عام وضع التحالف السعودي الامريكي كل جهده العسكري والسياسي لمنع سقوط مارب ومنع تقدم الجيش واللجان الشعبية ، إلا أن الأيام الآخيرة حملت دلالة قاطعة بأن تلك الجهود باءت بالفشل بفعل تقدم عبقري على الميدان رغم فارق الآلة العسكرية بين تحالف على رأسه امريكا وبريطانيا وشعب اعتمد على الله وعقول ابنائه ودعم محور المقاومة السياسي والمعنوي، ليواصل المعركة المفصلية في مارب .
دفع المدعو العرادة إلى حماقة عسكرية وجر المدينة الى حرب شوارع، قد لا يدرك حمقى الإصلاح كنهها ، لكن التحالف يرمي من ورائها إلى عملية كسب وقت ريثما ينهي ترتيباته في الداخل اليمني على مستوى المناطق التي يحتلها، وإقليميا للتخفيف من وقع الخسارة الجسيمة في اليمن ، وفي هذا الاطار تندرج المناورات العسكرية البحرية التي تجريها في البحر الأحمر: الإمارت ، البحرين ، وإسرائيل – بمشاركة وإدارة أمريكية بالطبع.
المشهد في الساحل الغربي وحول مدينة الحديدة يعيد إلى الأذهان المشهد ذاته قبيل غزو نظام صدام للكويت ، حيث أعاد أراضي كان يحتلها الجانب الايراني ليتفرغ لاحتلال الكويت وتصفية حلفائه بالأمس.. الاصلاح اليوم معني باستعادة هذا المشهد حيث مناطق نفوذه في تعز غدت مطمعا لحلفائه بالأمس، وتحالف يحد السكِّين للإجهاز عليه بعد ان استنفد خدماته القذرة ضد شعبه .
وايا تكن الأهداف النهائية للخطة الجديدة للتحالف السعودي في الميدان اليمني عبر إعادة الانتشار والتحركات التي يقوم بها وتقوية عملاء على حساب آخرين، فلا يعني ذلك سوى تقليل حجم الخسارة المدوية والكبيرة بخسارة مارب .
الأمريكيون أنفسهم يتحدثون منذ اللحظة عن نصر واضح لصنعاء باستعادة مارب وهزيمة واضحة للسعودية ومن معها ، تصريحات تعيد إلى الأذهان توقع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأن الحرب على اليمن ستؤول إلى نصر واضح لليمنيين وهزيمة واضحة واستراتيجية للمعتدين .
السيد حسن تحدث حينها من موقع من واجه لسنوات ماكينة اعلامية فعلت ما بوسعها للتغطية على انتصار حزب الله الإلهي والكبير على «إسرائيل» في عدوان تموز 2006م الذي كان يراد من ورائه اجتثاث المقاومة الإسلامية في لبنان، وسَوْق لبنان الى مذبح التطبيع .
لن يكون بإمكان السعودية أو الولايات المتحدة التغطية على الهزيمة الواضحة ، وصنعاء تدرك أن جميع ما قدم لها من مغريات لوقف المعركة في مارب كان بغية تحقيق هذا الهدف وهو الوصول الى نقطة مفصلية تومئ بوضوح الى المنتصر، وكانت صنعاء محقة في تقديم عرضها المقابل لهدنة في مارب يتضمن وقفاً تاماً وإعلاناً رسمياً من قبل التحالف بوقف الحرب ورفع الحصار، وكلا الأمرين تحرير مارب أو إعلان وقف العدوان ورفع الحصار دون تحقيق الأهداف التي من أجلها انطلقت عاصفة الحزم، تعني الهزيمة الواضحة والمعلنة للسعودية ومن معها وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث أعلنت الحرب من البيت الابيض وقدمت ما لديها من خبرات وتكنولوجيا عسكرية واستخباراتية لكسب الحرب دون فائدة .
نحن أمام تحول كبير بدأت مؤشراته الأولية ، والأيام ما بعد تحرير مارب ملأى بالتحولات والمفآجات لصالح الشعب اليمني ومحور المقاومة وللقدس وفلسطين .