محمد أمين عزالدين الحميري
تحالف محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب عند تأسيس الدولة السعودية ، فكان الحكم في آل سعود ،والفتوى والشؤون الدينية في آل الشيخ ، وعلى هذا النحو سار الأمر في ذرية محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ ولعقود ، وكانت السمة البارزة للوهابية خلال هذه العقود هو التطرف والتشدد وتطويع الدين بما يتناسب مع رغبات الأسرة الحاكمة ، وفي هذا الشأن أنشئ ما يُسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية ،وكانت ما يسمى هيئة كبار العلماء في السعودية بمثابة المرجعية الدينية محل إجماع بين أتباع الوهابية في مختلف الدول العربية والإسلامية ، بل وعملوا على تقديمها كهيئة علمائية ذات مكانة وحجية لاتضاهيها أي جهة أو مؤسسة علمية أخرى ،إن لم يصل الأمر إلى التقديس والتعظيم عند الكثير من متطرفي السلفية الوهابية .
وكم تضررت الأمة من هذا النهج ، وكم أسيء للدين من وراء هذا التوجه ،وكم كان له من آثار كارثية في واقع شعوب أمتنا ،سيما مع حالة الدعم المادي السخي الذي تحظى به الوهابية في تمرير أفكارها ،والتي في مجملها أفكار تخديرية للمسلمين ،وتدجينها للتماشي مع المستبدين من حكامهم ، والتقليل من شأن العدو الحقيقي للأمة.
اليوم وبين عشية وضحاها / يأتي حفيد الحاكم الأول ابن سعود ( محمد بن سلمان ) لتجديد العلاقة بينه وبين حفيد ابن عبد الوهاب ،المرجعية الدينية فيكون الطابع الديني على عكس ما سار عليه أجداده آل الشيخ ، ومن معهم من رجال الدين ،ومخرجات هذا الاتفاق ،هو إنشاء ما يسمى هيئة الترفيه ،برئاسة ( تركي آل الشيخ – حفيد ابن عبد الوهاب ) ، ومظاهر هذا التوجه الديني هو ما نشاهده اليوم من تمييع وشرعنة لكل ما كان محرما بالأمس ، بما فيه التدنيس للعفة والفضيلة ، وفي جانب خدمة العدو ،فهو الشرعنة العلنية الواضحة لسياسة بناء العلاقات الودية معهم ، والتماشي مع مشروع التطبيع ، والإسهام في استهداف شعائر الأمة الدينية وفي مقدمتها الحج ،والعمرة ، بل وتدنيس اليهود لأرض الحرمين ، والعمل على إكمال صفقة بيع فلسطين ،والتي تزعمها أجداد ابن سلمان ، في عملية بيع مشؤومة ، كان الطرف الثاني فيها هو بريطانيا ،محور الشر ،الذي يعتبر أحد موجهي السياسة السعودية بالشكل الذي ينسجم مع مصالحهم وتطلعاتهم إلى جانب أمريكا.
ما يهمنا في هذا السياق هو :
ما هو دور علماء الأمة في كل البلاد الإسلامية والعالمية ، خاصة المنضوين تحت عباءة السلفية الوهابية ؟ ما هو موقف الهيئات العلمائية في هذه البلدان والتي ليس للسعودية يد في تسييرها ؟
أم أن الأمر قد أصبح رهن إشارة أسرة آل سعود ،وبات الضخ المالي لهذه الهيئات أحد أهم المعوقات لاتخاذ المواقف المشرفة أمام عربدة نظام آل سعود وجرائمه التي يرتكبها في حق الأمة ، من استهداف ممنهج لها في مقدراتها وثرواتها ودماءها وأخلاقها و…؟!
إننا ومن منطلق المسؤولية الدينية أمام الله تعالى وواجباتنا الأخلاقية كمسلمين ، ندعو لخروج كل العلماء والدعاة والمثقفين – بكل توجهاتهم – عن صمتهم المطبق إزاء ما يحصل من تحولات تدميرية خطيرة ، ندعو إلى ثورة فكرية ثقافية عملية تعمل على تنظيف تراثنا الفكري والإسلامي من كل الدسائس والأفكار التي صنعت في الأمة القابلية للهزيمة والانبطاح .
ندعو إلى الاتفاق على مرجعيات عليا للأمة على هيئة مجاميع فقهية وعلمائية ( أو ما ناسب ) تعمل على تحديد ماهية مصادر التشريع الإسلامية الصحيحة والسليمة ، والإسهام في وضع مداميك الخطاب التنويري والتجديدي المنضبط ،الذي يؤسس لمراحل قادمة من الوعي الرشيد ،والمواقف المشرفة ،في جانب علاقتنا الداخلية كمسلمين ،وفي جانب علاقتنا مع أعداؤنا الذين نص عليهم القرآن الكريم ،وصحيح سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وتؤسس أيضا لمرحلة من التوحد والتعايش بعيدا عن التشرذم والتصادم .
لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نصمت ، ونطأطئ الرؤوس ،في ظل بروز مشاريع تصحيحية تقاوم هذا الصلف ، وتعمل جاهدة على إحباط كل ما يحاك من مؤامرات بل لابد من التفاعل والحضور المناسب .
ونحن في اليمن :
ندعو كل الأخيار والحكماء والعقلاء في الساحة الدينية إلى المسارعة في تسجيل المواقف المحمودة ،في مسيرة مقاومة العدوان وتعزيز كل الجهود المبذولة في مسيرة التغيير نحو الأفضل ،في إطار مشروع ديني وطني جامع ، يجعل من القرآن الكريم -الكتاب المعصوم ودستور الأمة الجامع- مرتكزا له في التصحيح والبناء وتحقيق النهوض ،وليس بعد الحق إلا الضلال ، فليكن التعاون ،وكل من موقعه وبالطريقة التي يراها مناسبة.
*كاتب وداعية سلفي.