قائد الثورة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي: الخضوع للأعداء كارثة
الشهيد القائد السيد / حسين بدرالدين الحوثي: من يبتعدون عن سبيل الله لن يستفيدوا من المقدرات الضخمة والثروات الهائلة التي يمتلكونها
في ظل حصار خانق وحرب اقتصادية تمس قوت المواطن الضعيف وأصحاب الدخل المحدود وارتفاع مرعب -في كل المنافذ التي تحت سيطرة العدوان -للجمارك والضرائب .. في بلادنا ظروف مؤلمة وأحداث دموية مزلزلة وصراعات تربعت على المشهد العام ، على مسمع ومرأى الأمم المتحدة والعالم بأسره .. وهنا يرى الشهيد القائد السيد / حسين بدرالدين الحوثي -في محاضرة له بعنوان “دروس من هدي القرآن” ألقاها بتاريخ 29 /8/ 2003م -أن من يبتعدون عن سبيل الله لا يستفيدون من المقدرات الضخمة والثروات الهائلة التي يمتلكونها، وكذلك يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي محذراً: الخضوع للأعداء كارثة، فإذا قبلنا، وإذا سلمنا أمرنا لهم وقبلنا بالخضوع لهم والاستسلام لهم ومكنَّاهم من السيطرة التامة -وهذا مستحيل- كانت الكارثة، فمؤدى العمالة، مؤدى القبول بهذه السيطرة، مؤدى أي خيارات للاستسلام أو للعمالة، هو مؤدى يصل بالأمة إلى الخسارة الرهيبة بكل ما تعنيه الكلمة، الخسارة والإفلاس على كل المستويات.. ومن هنا ندرك أيضاً أهمية وقيمة هذا الموقف وهذه الصرخة، وما يترافق أيضاً معها من مشروعٍ عملي”.. كل هذا وأكثر نستعرضه في مقتطفات من وحي خطاب السيد القائد:
الثورة / أمين العبيدي
في محاضرة بعنوان “دروس من هدي القرآن” ألقاها الشهيد القائد السيد / حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ 29 /8/ 2003م، وجَّه الشهيد القائد- عليه رحمة الله- الأمة حين تحدث وكأنه يتحدث اليوم فقال: معظم العرب الآن متجهون إلى أمريكا وكأنها إله، ويطيعونها فيما تريد، ولتعمل ما تريد، وتنفذ ما تشاء، وتفعل ما تشاء، ولا تسأل عما تفعل، هكذا يتعاملون معها فعلًا، كما لو كانت إلهًا!، فالذين ينطلقون في وجهها، معناه: لن ندعو من دون الله إلها آخر كمثلكم، وفعلًا قالوا هناك حديث – أنا ما قد اطلعت عليه – هناك حديث، أنه (لا تقوم الساعة حتى يعبد العرب بيتًا غير الكعبة) واحد نشره، وأظن بأنه أضافه إلى [كنز العمال]، وحلل هذا الحديث فقال: إنه فعلًا يبدو من وضعية العرب الآن متجهين للبيت الأبيض، لم يعودوا يتجهون لبيت الله، المعبِّر عن ألوهية الله، وملك الله، وتوحيد الله؛ لأن الله جعل البيت مثابة للناس “مرجع”، ومن خلاله يكشفون أنهم عبيد لله، وأنهم مربوبون بالله، ومملوكون لله، وأنهم يجب أن يألهوا إلى الله، وهكذا، {هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} (الكهف15) وهكذا وضع العرب، ما هم بالشكل هذا؟ تراهم اتخذوا من دون الله أمريكا فعلًا، يطيعونها، ويخضعون لها، ويمكنونها من أبنائهم يثقفونهم كما تريد، ومن مساجدهم، ومن خطبائهم.
يعني: أمريكا متجهة الآن إلى أن تتكلم عن طريق المنهج، عن طريق الإذاعة، عن طريق التلفزيون، عن طريق الصحافة، وتسكِّت عن طريق المسجد، تسكِّت الخطيب ألا يتعرض لآيات من هذه حول جهاد، حول فضح بني إسرائيل، وألا يتحدث مع الناس لتذكِّيرهم بخطورة القضية، ومسؤوليتهم أمام الله؛ ليسكِّت هؤلاء حتى تتكلم أمريكا فقط من خلال المنهج ومن خلال الصحفيين والكتَّاب والإذاعات والتلفزيونات وغيرها.
إذا لم تصل إلى أن يكون هناك خطباء فعلًا، يكون أسلوبهم بالشكل الذي يهيئ قابلية لأمريكا، ما هذا الذي يحصل؟؛ لأن مجرد إسكات الخطباء عن أن يتحدثوا عن هذه القضايا يعتبر خدمة أمريكية فعلًا، والدول العربية تتجه لهذا، الدول العربية تتجه إلى ذلك فيما يتعلق بخطباء المساجد.
ومن العجيب أن العرب الآن لا يأخذون العبرة من بعضهم البعض، تجد أنهم عندنا في اليمن متجهون إلى هذه الفكرة، لا يأخذون عبرة من السعودية أنها أزالت كماً من الخطباء.
هذا هو العمى والدبور الذي ما بعده إلا عقوبة شديدة، وتسليط عظيم، متجهين إلى أنه يأتي لهم خطباء مصريون، ويتجهون إلى أن يعلموا خطباءنا بألا يتعرضوا للقضايا هذه نهائيًا، وأن يخطبوا في مواضيع معينة أصبح بعضها فعلًا مما يريد الأمريكيون ترسيخه في المجتمع.
فهل أنت متجه لهذا من أجل أمريكا ترضى عنك؟! لماذا لا تأخذ عبرة من السعودية التي أزالت حوالي ألف خطيب وإمام مسجد، وما فرع فيها من أمريكا؟
هي مرحلة لو كان عاد عندهم بصيرة، هي مرحلة تتطلب أن يكون الخطباء في كل جامع يتحدثون مع الناس، يحرضونهم على الجهاد، يذكرونهم بالمسؤولية، يبينون لهم خطورة هذه الوضعية، يبينون لهم أمريكا ومؤامراتها وكيدها وأهدافها.
هذا ما كان المفترض أن يحرضوا الناس عليه، وليس محاولة إسكاتهم ولا كلمة، ولو تأتي تسألهم هل سينفع هذا؟ هل أمريكا سترضى عنكم؟ سيقولون لك: لا، هذا هو العمى فعلًا نعوذ بالله من العمى، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج46)، أما عيونهم فأنت ترى عيون بعضهم مثل عيون الثور، كبيرة، لكن بصائرهم قد عميت.
أصحاب الكهف هم قالوا {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} الله سبحانه وتعالى قال، أو كأنها حكاية لحال القضية، وكأنه ليس وحياً، أي: كأنه قال هكذا سأجعل {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} (الكهف16) لماذا نقول بأن هذا لا يمكن أن يكون من شخص منهم يدعو به، ولا يبدو أنه وحي؛ لأنه ما أحد منهم كان نبيًا، كما هو معروض في [قصة أصحاب الكهف] أنه يوحى إليه، إن هذه الكلمة دقيقة جدًا لا يمكن أن تأتي إلا من جانب الله، لا يمكن أن أحدًا يعملها في دعاء، ولا يتذكرها في دعاء.
{ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقا}، الارتفاق معناه فيما يتعلق بالجانب الأمني، والجانب الغذائي، يعني سأجعل لكم من واقعكم ومن هيئتكم ومن وضعيتكم ما تستغنون به عن الغذاء، وما يحقق لكم الأمن.
أصحاب الكهف، عندما اتجهوا إلى الكهف، الوضعية التي كانوا فيها وضعية يبدو مجتمعهم، بسلطتهم بكلها، اتجاههم آخر.
هم مجموعة محدودة، ومن الطبيعي أن يحصل في تاريخ الأنبياء، في تاريخ الأولياء، أن يكونوا قليلًا بهذا الشكل محدودين، سيتجهون إلى مكان ليفكروا أين يتحركون بعد، وأين يتجهون ليعملوا على مواصلة نشاطهم، وليس هروباً، ليست مسألة أنه هروب، وأنهم قد قالوا تلك الكلمة وهربوا وانتهى الموضوع؛ لأن الكهف نفسه لا يمكن أن يكون مقرًا لمن هو هارب من أمر، وسيجلس فيه وما له حاجة، أليس هكذا؟
وإنما ماذا؟ مرحلة، يقضوا فيه فترة، يتجهون إلى الكهف، يقضون فيه فترة، ويفكرون إلى أين يتجهون، أو كيف يتواصلون مع الآخرين لمواصلة نشاطهم، يعني ليس هروبًا.
الله سبحانه وتعالى بيّن هنا بشكل عجيب؛ ولهذا قال: {كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} كيف أنهم قد لجأوا إلى كهف، ولا طعام، ولا شراب، وفي وضع خطير، قد يمكن أن يلحق بهم أحد.. كيف هيأ الله أن يكونوا على وضعية يستغنون بها عن الطعام والشراب، وتحقق لهم أمنًا، بحيث أنه ما أحد يدخل عليهم، لا حيوان ولا إنسان، ولا شيء.
كذلك رعاية الله أنه يحرِّك الشمس، يغيِّر مجراها، كل يوم يغيِّر مجراها في لحظة معينة عندما تطلع وعندما تغرب كل يوم على مدى ثلاثمائة وتسع سنين.
فمن يحرِّك الفلك لمجموعة أشخاص راقدين في كهف من أوليائه، ألا يستطيع أن يصنع كثيرًا من التغيرات في هذا العالم ليهيئ أمام من يتحركون في سبيله، وعلى سبيل هديه؟ هذا مثل للناس.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} (الكهف17) هنا بدأ يتحدث عن ما يهيئ لكم من أمركم مرفقا، كيف أنهم عندما كانوا راقدين في كهف، وهذا الكهف بحاجة إلى شمس، إما في لحظة معينة تنزوي الشمس عنه، وفي حالة معينة تعطي جزءًا من شعاعها إلى هذا الكهف، أو إلى محيطه؛ لحاجتهم إلى هذه؛ فليحرك الفلك من أجل صحتهم، من أجل الحفاظ على صحتهم هم يحرك الشمس عن مسيرها! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} كل يوم {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.
وهكذا تجد في المقابل؛ أنه في نفس الوقت يقول: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}، في المقابل أيضًا ماذا يعمل؟ يهيئ، ويدبِّر، ويعمل متغيرات كثيرة، تهيأ أمام من يتحركون في سبيله، لكن إذا كانوا على هذا النحو: فتية آمنوا بربهم، صادقين، متجهين بصدق، ومصدقين بما هم متجهون فيه، أن يكونوا مصدقين بالقرآن، وواثقين بالقرآن، القرآن فقط، لا يمكن أن نتقبل أي شيء آخر غيره أو تهتز ثقتنا به بأنه لا يمكن أن يهدينا في كل مجال من مجالات الحياة وفي كل موقف من مواقفنا أمام الآخرين.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} والتركيز على هذه وبخصوصها أن ذلك من آيات الله للناس؛ ليعلموا كيف يصنع هو سبحانه وتعالى لمن يتجهون في سبيله، وعلى هديه، كيف يعمل أشياء رهيبة، مجموعة فتية يحرك من أجلهم الشمس كل يوم مرتين عن مسارها الطبيعي! أليس هذا لتعظم ثقة الناس بالله، يعطيك الآيات التي تجعلك تثق بالله، وتعظم ثقتك به؛ فتتحرك في سبيله، وتلتزم بدينه.
{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} هو المهتدي حقًا {وَمَن يُضْلِلْ} ومن يضيعه {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}.. تلاحظ أن موضوع الهداية، الهداية تأتي هداية إرشادية، بقيم تتحلى بها، بأعمال تمارسها، وأخلاق تتخلق بها، وطريقة تسير عليها.
كذلك إن الله يهدي فيما يتعلق بوضعية الناس، فيما يتعلق بوضعيتك، في الجانب الأمني والغذائي والجانب الصحي.. {مَن يَهْدِ اللَّهُ} كلمة هدى، معنى كلمة هدى الله أن الله يهدي الإنسان في كل مجالات حياته، ويقدم ما يصل به إلى الأفضل، والأقوم في كل مجالات حياته.. ألم يقل الله تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء9).
فمن يهدي الله، من يتولى الله هدايته فهو المهتدي حقًا، {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}، من يضيعه الله بسبب إعراضه عن هديه، بسبب إعراضه عن كتابه، فلن تجد له وليًا يرشده إلى الصواب، ويرشده إلى ما ينفعه في حياته.
فعندما يتجهون إلى الأمريكيين، عندما يتجهون إلى البريطانيين، عندما يتجهون إلى هؤلاء ويستوردون خبراء من عندهم، كم يستنزفون من العرب، خبراء ألمان، بريطانيون، أمريكيون، كم يستنزفون من أموال في مجالات أخرى، ومع هذا ترى الناس ضالين، ضالين! أمة تائهة، أمة مستضعفة، أمة مقهورة، وهي- أي هذه الأمة- تمتلك أضخم الثروات في العالم لأنه هكذا: ومن يضلل، من يضيعه الله فلن تجد له وليًا، أي ولي آخر على الإطلاق يرشده إلى الصواب، وإلى ما ينفعه.