فخاخ التسول على النت.. هل نحن أمام عصابات منظمة؟!

يعتبر التسول ظاهرة سلبية يعاني منها المجتمع في كل البلدان، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت طريقة جديدة للتسول عبر الإنترنت وهي ما يعرف بظاهرة التسول الإلكتروني، وقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير في عدد من الدول العربية التي تعاني من ويلات الحروب والتدهور الاقتصادي، وفي اليمن ونتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة والظروف الاقتصادية المتردية نتيجة العدوان والحصار المفروض على البلاد، أصبحت هذه الظاهرة المزعجة تشكل وسيلة سهلة لكسب لقمة العيش لدى البعض والتحايل على الآخرين وكسب الأموال بطرق غير مشروعة لدى الكثير من المتسولين عبر الإنترنت خصوصاً مع ظهور عصابات التسول الإلكتروني ليس في البلدان الفقيرة فقط بل في معظم دول العالم.

الثورة / هاشم السريحي

يعرف التسول بأنه ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع لما لها من أثار سلبية باعتباره إهداراً لكرامة الإنسان وبداية للانحراف والتسرب من التعليم لدى الأطفال وتحويل غالبيتهم إلى مجرمين نظراً لما يعانون منه من الجهل والافتقار للوازع الديني.
التسول عبر الإنترنت (Internet begging)‏ أو الاستجداء عبر الإنترنت، هي النسخة الإلكترونية من التسول التقليدي الذي يقوم به البعض في الشوارع والحافلات؛ لكن ميزة التسول عبر الإنترنت هي كون المتسول مجهول الهوية، فلا يمكن معرفة اسمه الحقيقي أو سنه أو مكانته الاجتماعية، وهذا الأمر يجنبه الخزي والعار الذي قد يلحق بالمتسولين التقليديين.
ظاهرة التسول الرقمي لا تختلف عن التسول التقليدي؛ فهي قائمة بالأساس على الخداع، والتحايل، والاستغلال للحصول على المنافع المادية، والعينية. المتسول الرقمي يحاول جذب عطف الناس، ويطلب مساعدات أو تبرعات تحت حسابات وهمية، وأسماء مستعارة، فيجني الملايين.
طرق التسول على النت
توجد العديد من الطرق للتسول عبر الإنترنت مثل التسول في غرف البوكر على الإنترنت للحصول على الأموال من اللاعبين الذين تعتبر عوائدهم كبيرة، وكذلك التسول في غرف الدردشة والتي تقوم بها فتيات في الغالب، يدخلن إلى غرف الدردشة ويحاولن التسول من الشباب، إما عن طريق إيهامهم بالحب أو بسرد قصة من نسج الخيال عن معاناة وهمية قد تدفع الطرف الأخر بإرسال المال للفتاة، ويعتبر التسول عبر البريد الإلكتروني من أشهر طرق التسول التي يخدع بها الكثير وتكون على شكل رسائل مزعجة تصل لبريد الضحية وتوهمه بأن المرسل محتاج للمال أو مصاب بمرض خطير يحتاج إلى مبلغ كبير للعلاج. وغالباً ما يعتمد المتسول على الدين بذكر عدد من الآيات القرآنية التي ترقق القلب للتصدق، والمتسولون الرقميون عادة ما يتمتعون بذكاء اجتماعي عال جدا في انتقاء الكلمات المؤثرة التي تستعطف الهدف للحصول على المال بتوظيف تقنيات حديثة مثل تركيب فيديوهات أو صور مزيفة.
بيئة خصبة للتسول
بمجرد انتقال العالم من الهواتف المحمولة إلى عصر الهواتف الذكية أصبح التسول الإلكتروني أكثر انتشاراً، ويحذر الخبراء من أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت بمثابة العالم الافتراضي الذي وجد فيه المتسولون الاتكاليون فرصتهم للحصول على أموال الغير بأساليب خادعة. فعبر الوسائل الرقمية يستطيع المتسول أن يصل إلى العديد من الأشخاص على شكل متخف، حيث يقوم بصياغة قصص وهمية لخداع الناس، والقلوب الطيبة. ومن الأساليب: إظهار تقارير طبية مزيفة – فواتير الماء والكهرباء –طلب المساعدة على الدراسة – إجراء عملية جراحية -جمع تبرعات لبناء مسجد أو حفر بئر- فيديوهات خادعة.
ويقول الباحث الاجتماعي في جامعة صنعاء مروان المخلافي في تصريح سابق لإحدى الوسائل الإعلامية، إن استغلال التواجد الكبير للناس على منصات التواصل الاجتماعي وسهولة التواصل، حولا التسول إلى ظاهرة مقلقة للمجتمع خاصة عندما يتم عرض القضايا، التي تجد تعاطفاً من الناس وفي نهاية المطاف تذهب تبرعات الناس إلى الأيدي الخطأ.
وأكد المخلافي أن التسول الإلكتروني يتم استغلاله من قبل ضعاف النفوس والذين يريدون التكسب على حساب مشاعر الآخرين وسمعة اليمنيين، لافتاً إلى أن الأمر بات منظماً، إذ يتم النشر على نطاق واسع لاصطياد المتبرعين سواء من داخل اليمن أو خارجه، وغالباً يستهدفون الجمهور الخارجي.
عصابات للتسول على النت
كما هو الحال في التسول التقليدي فإن عصابات التسول الإلكتروني منتشرة بشكل لافت عبر الإنترنت، حيث توجد تنظيمات إلكترونية للتسول أشبه بالمافيا معظمها في مناطق الصراع، وسبب اختيار هذه المناطق هو استغلال الأوضاع السيئة هناك.
طريقتهم في التسول واحدة مع تغيير في الصياغة والأسلوب، ويستخدمون يوتيوب وفيسبوك وتويتر بحسابات متعددة فبمجرد أن تحظرهم تجد نفس الرسالة من حسابات أخرى، كما أن لدى أفراد هذه العصابات خبرة كبيرة بحيث يتتبعون القنوات ويفعلون الإشعارات وينتظرون رفع المقاطع للتعليق عليها بل يشاركون في البث المباشر والعروض الأولى وهذا يؤكد متابعتهم الجيدة للقنوات.
وقد حذر اليوتيوبر اليمني أحمد غازي عبر قناته على اليوتيوب من الوقوع في فخ هذه العصابات الإجرامية المنظمة، ووجه رسالة إلى إخواننا وأحبتنا في دول الجوار أنه لا توجد فتاة يمنية تنشر رقمها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تعمل هذه العصابات، لذا فوصول رسالة إليهم تحتوي أرقام فتيات إنما هي حيلة من حيل هذه العصابات الإجرامية ويجب الحذر منها كي لا يكونوا ضحية لهذه العصابات.
وكشف اليوتيوبر غازي أنه بدأ يتحدث عن أشخاص يمتهنون التسول، وفي البداية كان يتوقع أنهم حالات فردية وهم مجموعة من عديمي المروءة والأخلاق أساءوا بتصرفاتهم هذه للمجتمع اليمني، بعد ذلك اتضح أنهم عبارة عن عصابات منظمة تنشط على كل مواقع التواصل الاجتماعي مما يؤكد أن هذه العصابات مستحيل أن يديرها شخص واحد أو شخصين أو ثلاثة أو حتى عشرة، والذي يؤكد أيضاً أنها عصابات منظمة أنهم ينشطون في عدد كبير من مواقع التواصل الاجتماعي بطرق وأساليب وأكاذيب مختلفة وأسماء مستعارة لكن الأرقام واحدة.
التكافل الاجتماعي
وتؤكد صفحة “جيش اليمن الإلكتروني” على فيسبوك بأن هذه العصابات الإجرامية التي تستغل عواطف الناس والتحذير منها يجب أن لا تكون صداً ودعوة للتوقف عن فعل الخير والتكافل الاجتماعي؛ بل هي دعوة للتمحيص والحذر فالناس في أمس الحاجة للمساعدة لكن غالباً لن يكتبوا هذه التعليقات بهذه الطريقة وعلينا أن نبحث عنهم بأنفسنا أو من خلال من نثق بهم ونساعدهم فالأوضاع الآن سيئة في ظل العدوان والحصار على بلادنا.
مكافحة التسول
عالمياً لا توجد حتى الآن قوانين فعالة ورادعة لهذه الظاهرة التي أخذت أبعاداً خطيرة، وكل ما في الأمر أن هناك تقنين للتسول. ففي المكسيك مثلاً تفرض الدولة على المتسولين إظهار هوياتهم الحقيقية حتى لا يكون المواطنون ضحايا التضليل والأكاذيب.
وفي اليمن ونظرا لما يشكله التسول من انتهاك وامتهان لكرامة الإنسان أولت القيادة الثورية هذا الجانب اهتماما كبيرا ووجهت بدراستها ووضع الحلول المناسبة للحد التدريجي منها حفاظاً على كرامة المواطن.