الخروج من فقه الاختلاف إلى فقه الائتلاف

عبدالرحمن مراد

 

 

المسلمون اليوم في عموم الجغرافيا يتعرضون لحملات تشويه وحركات استهداف، وفق دراسات واستراتيجيات تجعل منهم أمة غير حضارية بل وتشكل تهديدا حيويا على الحضارة المعاصرة , ولذلك كانت القاعدة حركة استخبارية عالمية اتسع نطاق نشاطها ليشمل الغرب كله، بدءا من أبراج التجارة في أمريكا وامتد إلى الكثير من العواصم الغربية، فضلا عن نشاطها في بلاد المسلمين, ثم كانت “داعش” أو تنظيم الدولة الإسلامية, فكان الذبح والتنكيل والحرق والسحل والقتل الجماعي, سمة بارزة في نشاط التنظيم, بل حاول أن يعيش في زمن الماضي منفصلا عن حاضره فقال بالسبايا والجواري وتعامل بالدينار والدرهم والدانق, وقدم نموذجا فوضويا غير منتظم, وشكل نشاطه تهديدا حقيقيا على الحضارة المعاصرة من خلال حالات التوحش وشهوة القتل والتدمير .
ومثل ذلك ليس بمستغرب، ففي إسرائيل جامعة إسلامية تتبع جهاز المخابرات الإسرائيلي، يتخرج منها الآلاف من الكوادر التي قالت الشواهد والأيام أنهم مارسوا الفتوى والتأثير على العوام, وكانوا خطباء مفوهين على المنابر, ويقومون بالتدريس في المساجد, وتشكيل الخلايا التي تقلق السكينة العامة, حدث ذلك في الكثير من البلدان منها الجزائر والمغرب وغيرهما من البلدان العربية, كما أن الجماعات الجهادية تدار من قبل تلك الكوادر التي تصنع صناعة في الجامعة الإسلامية في إسرائيل ومنهم أبوبكر البغدادي الذي تزعم تنظيم داعش, وانتشر تنظيمه انتشار النار في الهشيم عن طريق خلايا مُعدّة سلفا بطرق استخبارية .
ذلك أن منطق الأشياء يقول بعامل الزمن في تمدد الحركات والجماعات، أما الحال الذي كان عليه تنظيم داعش فقد كان خارج منطق الأشياء وهو الأمر الذي يشير بكل وضوح إلى الصناعة الاستخبارية للتنظيم، بدليل سرعة تمدده الجغرافي وقدراته العسكرية والمادية المهولة , فالأمر ليس بالسهولة التي قد تتبادر إلى الذهن بل يشير إلى حالة “الفوبيا” التي تعاني منها إسرائيل والغرب من الإسلام , فهم – الغرب وإسرائيل – لا يتعاملون مع الأمم الأخرى – كالهند والصين مثلا – بهذا الأسلوب , والهند والصين تشكلان تهديدا حقيقيا على الدول الصناعية السبع , وبين الغرب وبينهما حرب مصالح معلنة , وتدور رحى الحرب اليوم في الواقع , لكن بمال عربي مسلم , ودم عربي مسلم .
اليوم.. البعض يرى أن أمريكا خرجت مهزومة من أفغانستان ويعزف على هذه الاسطوانة, إما هروبا من منطق الحدث, أو غباء مفرط الغباء, فالمنطق يقول إن طالبان كانت تناوش من مكان بعيد في أفغانستان, ولم تخض حربا واسعة النطاق لتحرير الأرض من دنس الاحتلال الأمريكي والغربي على وجه العموم, وكانت أفغانستان شبه مستقرة , وهذا هو منطق الأشياء وفق معطياته, والغباء أن نصدق أن خروج أمريكا لم يكن وفق دراسات واستراتيجيات واضحة المعالم والأبعاد والأهداف , وهو يشكل بداية جديدة في التعامل مع الملفات العصية, ومنعطفا مهما في أسلوب إدارة العالم تبتكره الدول الصناعية الكبرى, فالمصالح المزدوجة كانت حاضرة بجلاء لا يقبل التأويل, إذ الثمن الذي وراء الصفقة بين أمريكا وطالبان واضح الأهداف وهو زعزعة استقرار الصين بالانتصار للمسلمين الصينيين المضطهدين, والانتصار لكشمير بين الهند وباكستان وزعزعة، استقرار إيران بهدف محاربة العقائد الباطلة كما يعتقدون, فالقضية ليست هزيمة ولن تكون, الموضوع هنا إعادة ترتيب الجغرافيا وفق منطق المصالح المشتركة بين الدول الصناعية والصين وإيران وروسيا ومن زاوية أخرى قاموا بإجلاء كل متعاون معهم أثناء زمن الاحتلال، في حين قامت السعودية بترحيل المتعاونين معهم وهم بذلك يريدون تأكيد تفوقهم الأخلاقي على العرب والمسلمين، ومثل ذلك هدف مهم في سياق الاستراتيجيات التي تريد رسم صورة متوحشة غير حضارية عن المسلمين.
ويدرك كل متابع وقارئ للأحداث من الذين سمعوا في الشهور السالفة أن تركيا بدأت تضيق ذرعا بتيار “الإخوان المسلمون “، وثمة أخبار تقول إن قطر تتفاوض مع باكستان في استقبال الإخوان الذين تضيق تركيا بهم ذرعا, وقد تم ذلك وبدأت باكستان تستقبل الإخوان من قبل فترة, وهم باكستان مثلما كانوا بتركيا يديرون شركات استثمارية , وعما قريب سنسمع عن طفرة في سوق العقارات, وفي الوحدات السكنية في باكستان كما كنا نسمع بمثل ذلك في تركيا, ثم ما نلبث أن نسمع بعبوات ناسفة تستهدف خط الحرير التجاري الممتد من بكين إلى ميناء غوادر على بحر العرب, وقد تموج السند والهند وتضطرب اضطرابا عظيما خلال قادم أيامنا إذا لم تتفق الدول الصناعية مع الصين على آليات ومصالح مشتركة .
ما يجب أن يترسخ في أذهاننا أن الغرب وإسرائيل حين يزمعون حربنا فهم لا يحاربوننا إلا من وراء جدر, فنحن في اليمن تحاربنا إسرائيل وأمريكا وبريطانيا والدول الصناعية كلها لكن من خلف جدار السعودية وجدار الإمارات وتحت لافتة كبيرة عريضة اسمها “التحالف العربي لإعادة الشرعية” .. وأين الشرعية ؟هل تتواجد الشرعية في الأرض التي يدعون تحريرها ؟ من يتواجد اليوم بالجنوب الذي يدعون تحريره ؟ بالمنطق ودلائل الواقع سقطرى بيد اسرائيل وجدارها الإمارات , بريطانيا في محافظة المهرة وجدارها السعودية , أمريكا في قاعدة العند وفي جزيرة ميون وفي مضيق باب المندب وجدارها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن .
الكثير يظن أن أمريكا تدير العالم بقوتها العسكرية, وهو ظن خاطئ فالقوة العسكرية لا تشكل رقما حقيقيا إلى جانب القدرات الذهنية التي تبتكرها كأساليب في إدارة العالم, ولذلك منذ انهيار النظام الاشتراكي تصر أمريكا على تسطيح وعي العالم وتسيطر على موجهاته إعلاميا واجتماعيا, وتعمل على جذب العقول وتخديرها بالترفيه في عموم الجغرافيا، وقد وصل الحال أخيرا إلى السعودية, بعد أن كان قد مر بالإمارات, وحاولت شبكة mbc الاشتغال على هذا التوجه زمنا طويلا عن طريق البرامج التفاعلية التي كنا نجد نموذجا لها في الغرب .
نحن اليوم على محك التجارب وفي مأزق كبير, والخروج من المأزق يتطلب ترتيب النسق حتى نتمكن من السيطرة على فقه الاختلاف من خلال توحيد الطاقات والتأسيس لفقه الائتلاف، لنكون أمة قادرة على الصناعة والتأثير في المسار العام للسياسة الدولية, فالنظام العالمي الجديد الذي يعلن عن نفسه اليوم نظام متوحش, وهو يستخدم كل الإمكانيات للوصول إلى أهدافه, وما لم ندرك منطق الزمن وأبعاده وآفاقه سوف نظل نتمحور حول أنفسنا دون أن نغير شيئا من واقع الأمة .

قد يعجبك ايضا