هناك آباء يستحقون أن تصنع لهم تماثيل من الذهب تنصب في الميادين العامة حتى تظل رمزا وحافزا للآخرين ليس ذلك لأنهم كانوا أصحاب الشرف في اختراع آلات ومعدات الحروب إنما لأنهم صنعوا أجيالا ابصروا النور وشقوا طريق النجاح وصاروا عناصر فاعلة تقدم وتبتكر وتخدم الوطن.
لآباء وكذلك الأمهات عرفوا واجبهم وأدوا رسالتهم العظيمة وهي تربية الأنباء تربية صالحة وتعليمهم وتحفيزهم على النجاح والابداع وتوفير الأجواء المناسبة والملائمة لهم والتي تساعدهم على التحلي بالأخلاق الرفيعة والنجاح في دراستهم وتوفير ما يحتاجونه من دعم مادي ومعنوي حتى صاروا نجوما تتلألأ في السماء وينابيع مياه صافية يرتوي منها الآخرون. وهناك فرق بين أولئك العظماء وبين آباء أهملوا الأبناء وجعلوا منهم ضحايا حياة تعيسة مليئة بالعقد والخلافات الأسرية آباء لم يقدروا المسؤولية التي تقع على عاتقهم وهم الأبناء “ذكور وإناث” إنما أهملوا تلك المسؤولية وفضلوا شراء القات على مصاريف الأبناء الدراسية ولم يكن من الضروري بالنسبة لهم أن يصنعوا جيلا متعلما ومثقفا وذا خلق ويتضح الفرق بين ذلك الآب المثالي الذي نشأ يتيما وفقيرا فشق الصخر وتحمل قساوة الحياة حتى حصل على الشهادة الجامعية وصارت له وظيفة ومكانة مرموقة والأهم من كل ذلك أنه كان الأب المثالي الذي صنع المستقبل لأبنائه مفضلا كل شيء على مصلحة أبنائه حتى صار له أبنا يدرس في كلية الطب إلى جانب أختين له إضافة إلى ابنته الكبرى والذي لم يزوجها إلا بعد حصولها على الشهادة الجامعية..
نعم إنه مثال للأب الذي عرف واجباته فأواها وحمل الأمانة بكل جداره فلم يفضل شراء القات والتبذير والإسراف في مظاهر الحياة العامة ولم يستغل وضعه الوظيفي المرموق في النهب والاختلاس إنما اهتم بالأهم وهو صنع المستقبل لأبنائه لاسيما الأناث واللاتي هن بحاجة إلى اهتمام خاص فليس واجب الأب أن يحرم ابنته من حقها في الحياة وبناء مستقبلها وحصولها على الشهادة الجامعية ويقوم بتزويجها بدون رضاها واقتناعها. فمن حق المرأة أن تتعلم وتتوظف حتى وإن كان مصيرها الزواج فبعض الآباء يدفنون بناتهم أحياء ويحرمونهن من أبسط حقوقهن ويقصرون في حقهن ويمنعونهن من مواصلة دراستهن من أجل الزواج وليس كل الزواج زواجا ناجحا فبعض الفتيات يزج بهن طمع الآباء إلى الهاوية وسرعان ما ينهار ذلك الزواج وتعود إلى بيت أبيها حاملة ما ينهار ذلك الزواج وتعود إلى بيت أبيها حاملة الأسى والحزن على ضياع مستقبلها وعمرها وأحلامها فليس عيبا أو محرما أن تكون المرأة طبيبة أو صحفية أو معلمة أو محامية إنما العيب والمحرم أن يحرم الإنسان وعلى وجه الخصوص المرأة من تعليمها.. فكفاكم يأمن يعتبرون البنات عبئا ثقيلا وتقومون بفصلها من المدرسة أو الكلية بسبب زواجها خاصة إذا كانت صغيرة في السن فالفتيات ومن خلال نتائج الثانوية العامة يحصلن على أعلى المعدلات ويكون العدد الأكبر من أوائل الجمهورية وكذا نبوغهن العلمي في الكليات المختلفة.. فتحية لكل أب قال لا للزواج المبكر.. نعم لتعليم الفتاة حتى حصولها على أعلى الشهادات.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون أن تعليم الفتاة وتوظيفها لن يستفيد منه الأب بعد زواجها ولذلك يحرمونها من مواصلة تعليمها وهذا ظلم لها لأن الأمر يتعلق بمستقبلها هي وليس مستقبل الزوج لأن زوجها قد يموت وقد يطلقها ولن ينفعها سوى وظيفتها.