نودِّع اليوم شهر رمضان المبارك الذي أكاد أجزم بأنه الأسرع منذ عشرات السنين، فلم يسبق أن شهدنا انقضاء لأيام وليالي هذا الشهر الفضيل فيما سبق من السنوات كما انقضت أيام وليالي هذا الشهر الفضيل هذا العام، غادرنا سريعا وطويت الصحف ، ورفعت الأعمال ، فاز فيه من فاز، وخسر من خسر ، فهنيئا لمن صام نهاره، وقام ليله ، وتقرب فيه إلى ربه بالأعمال الصالحة ، وصام رمضان حق صيامه، إيمانا بالله وامتثالا لتوجيهاته ، وطمعا فيما عنده من العطايا والمكرمات الربانية التي أعدها وخصصها للصائمين إيمانا واحتسابا..
نعم غادرنا رمضان مسرعا، وها هي تباشير العيد تتهادى علينا ، وها هو هلاله أطل علينا مبشرا بحلوله ، راسما الفرحة على وجوه الأطفال الذين يزينون بطقوسهم العيدية وكرنفالاتهم الفرائحية العيد بهجة وسرورا حتى في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن والأوضاع المريرة التي يعيشها السواد الأعظم من اليمنيين جراء العدوان والحصار ، وهو أيضا فرحة ترتسم على محيا الصائمين استنادا لحديث الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ) وفي هكذا مناسبة حري بنا جميعا أن نحرص كل الحرص على مواصلة التقرب إلى الله بالطاعات والاستمرار على الوتيرة الرمضانية من حيث الإقبال على المساجد لأداء الصلوات ، والمداومة على قراءة القرآن والابتعاد عن كل المعاصي والآثام وتجنب الوقوع في معصية الانحراف والتقاعس عن الطاعات التي تعتري الكثير من الناس منذ ليلة العيد ، حيث يتغلب عليهم إبليس فور عودته للخدمة ويدفع بهم نحو طريق الغواية والانحراف ، فيجدوا أنفسهم في حالة من التيه والضياع..
ربُّ رمضان هو رب شوال وبقية الشهور، وإذا كان الله قد خص رمضان بالصيام وليلة القدر وضاعف فيه من الأجر والثواب ، فإن ذلك لا يعني أن نتكاسل ونتغافل عن طاعة الله بعد رمضان ، البعض يقاطعون المساجد ويهجرون المصاحف ولا يعودون لزيارتها وتعهدتها بالصلاة والتلاوة إلا مع حلول رمضان القادم ، ولهؤلاء أقول ناصحا: الموت والحياة بإذن الله ، وإذا كان الله عز وجل قد أمد لك في عمرك وكتب لك صيام رمضان هذا العام ، فمن يدري متى يحين أجلك ، وقد لا يكتب لك البقاء على قيد الحياة رمضان القادم ، وقد تلقى الله وأنت في غيك وغفلتك عن طاعته وعبادته فتجد نفسك في عداد الذين خسروا أنفسهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة..
فالله الله في طاعة الله ومد يد العون للمحتاجين وتقديم العون والمساعدة لكل من يحتاج لهما وخصوصا في هذه الأيام ، نحن جميعا مطالبون بالتراحم والتعاطف والتكاتف فيما بيننا والتعاون على التقوى ، وأفضل التقوى أن تمسح الدمعة وترسم الفرحة على وجوه الأيتام وأبناء الشهداء وأن نكون سببا في تمكينهم من قضاء العيد في ظروف جيدة مشبعة بالأجواء الفرائحية ، ولنحرص فيما تبقى من ساعات على حلول العيد أن نطرق أبواب الأسر المتعففة ونمد لها العون ، ونكون عونا للهيئة العامة للزكاة وفروعها في المحافظات والمديريات في الإبلاغ عن هذه الأسر التي نحسبهم أغنياء من شدة التعفف ليصل إليهم خير الله الذي تقدمه الهيئة وتحرص على إيصاله للمستحقين..
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصادق الأعمال، ونسأله جل في علاه أن يجعلنا من المشمولين بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وعيدكم مبارك مقدما، وعاشق النبي يصلي عليه وآله .