قال الفيلسوف أبو العلاء المعري في وصف مسلمي عصره : (ما بقي من أمة محمد قسمان : إما عقلاء ولا دين لهم، أو متدينون ولا عقل لهم !!)
في القرن الماضي توجهت الكثير من جماعات التأسلم السياسي منذ نشأتها نحو معاداة العقل والفكر والمفكرين والمبدعين. ورددوا على أسماع الناس مراراً وفي كل خطبة جمعة: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) بما يعني الثبات والجمود وبقاء الحال دون تغيير.
وعادوا الفلسفة والمنطق والعلوم الحديثة وفسّقوا أصحابها،ورفعوا الشعار القديم (من تفلسف فقد تزندق) وانساقوا إلى قتل المفكرين والفنانين ومعاداة الحداثة،وساووا بين الفكر والكفر وقالوا إنهما مشتركان في الحروف فلابد أن يشتركان في المعنى!!
قتل المفكرين واستهجان العقل ليس جديدا،فقد ورثته هذه الجماعات عن الأنظمة الاستبدادية الأموية والعباسية وغيرها من السلطات المتحكمة في رقاب المسلمين.
فقد قتل معاوية الصحابي (عدي بن حجر) وسبعة من أصحابه لرفضهم لعن الإمام علي رضي الله عنه.
وتوالى قتل المفكرين في ظل الدولتين الأموية والعباسية من مثال : الجعد بن درهم وابن الجهم وابن المقفع وابن مقلة والسهروردي والحلاج وغيرهم من المفكرين والعقلاء،حتى أن ابن المقفع ذبح في الجامع وفي يوم عيد.
الجماعات المتأسلمة ورثت القتل،كما ورثت الاستبداد ولن تحيد عن ذلك الطريق،وزادت فوق ذلك الإحراق.
في العام ١٩٤٤م قتلت جماعة الإخوان في مصر الفنانة أسمهان، وقيل إنهم تعاونوا في ذلك مع الانجليز. وبرروا مقتلها بأنها درزية كافرة تشرب الخمور وتتعاون مع الانجليز والألمان.
هذه جماعة عاجزة مصابة بالعقم الفكري لا تستطيع أن تقارع الحجة بالحجة لذلك تلجأ إلى التكفير، ثم القتل والاستباحة.
كان العالم الرباني محمود محمد طه يعارض النمري وجماعة الترابي في السودان لقطعهم أيدي الناس بتهمة السرقة، فاتهموه بالردة واستتابوه ثلاثة أيام،لكن الرجل قال أنا مسلم ولن أخضع للابتزاز، وفضّل الموت، ونفذوا فيه حكم الإعدام.
في قضية مقتل الدكتور فرج فودة سأل القاضي أحد المتهمين بقتله : لماذا قتلت الرجل؟ قال لأنه علماني.
ثم سأله : هل قرأت كتبه ؟ أجاب: أنا لا أقرأ.
المفكر فرج فودة كان صاحب رأي ينادي بدولة مدنية، ويجادلهم من وحي الفكر الإسلامي، فعجزوا عن الرد عليه فسلطوا الجهلة لقتله.
أما الدكتور نصر حامد أبو زيد فقد كان له رأي بتجميع سور وموضوعات القرآن، فرفع محتسبو الجماعة دعوة ضده متهمين إياه بالردة والكفر وطالبوا بالتفريق بينه وبين زوجته فترك مصر وهرب بروحه إلى أوروبا.
في لبنان قتلوا الدكتور حسين مروة والدكتوز مهدي عامل لأنهما شيعيان.
وهات يا قتل لخلق الله.
وما يجري في مصر ينتقل سريعاً إلى اليمن، فشهدنا المحتسب يرفع دعوى ضد الدكتور حمود العودي، فهرب خوفا على الإطاحة برقبته. ويكفرون الدكتور أبو بكر السقاف استاذ الفلسفة في جامعة صنعاء. ويرفعون دعوى ضد المدرس علي عبدالفتاح المسني.
ولولا قيام الوحدة لكانوا اطاحوا برأسه.
وفي الأخير يقتلون المناضل جار الله عمر الكهالي وسط مؤتمر عام وأمام أنظار العالم.
لقد صنعوا إرهاباً فاشياً لا يفرق بين كبير وصغير،ولا يفرق بين مسلم، أو غيره، قتلوا مفتي سوريا الشيخ القباني داخل المسجد، وهكذا توالت الاغتيالات لعباد الله وصولاً إلى تعميم الإرهاب والقتل على الشعوب بصناعة القاعدة وداعش التي تسفك دماء المسلمين دون تفريق، وتستبيح المحرمات.
Prev Post
Next Post