نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم القدس العالمي

الثورة نت../

ألقى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كلمة بمناسبة يوم القدس العالمي 24 رمضان 1442هـ فيما يلي نصها:

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا وتقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في العشرين من شهر رمضان المبارك لعامٍ ألفٍ وثلاثمئة وتسعةٍ وتسعين للهجرة النبوية، أعلن الإمام الخميني رحمة الله عليه آخر جمعةٍ من شهر رمضان لتكون يوماً عالمياً للقدس، وطلب من جميع المسلمين في كل أنحاء العالم أن يحيوها من خلال المسيرات، والتجمعات، والفعاليات، والأنشطة المختلفة، فلماذا هذه المناسبة؟ وما هي أهميتها؟ وما هو الهدف منها؟

الإمام الخميني رضوان الله عليه قال عن هذه المناسبة بأنها: (يوم يقظة جميع الشعوب الإسلامية)، وأرادها من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيَّةً في مشاعر المسلمين، وفي حيز اهتماماتهم، وأرادها من أجل أن تبقى مشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حيَّةً في مشاعر المسلمين وفي نفوسهم، وأرادها من أجل رفع مستوى الوعي تجاه هذه القضية، وتجاه مسؤولية الأمة بشأنها، وتجاه خطر العدو الإسرائيلي، وما هي الرؤية الصحيحة للموقف منه.

واختار لها هذا التوقيت المناسب: في آخر شهر رمضان المبارك، في آخر جمعةٍ منه؛ لينبِّه على أنَّ هذه المسألة من ضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية كمسلمين، فالاهتمام بها هو اهتمامٌ بجزءٍ من التزاماتنا الإيمانية، كما الصلاة، كما الصيام… كما سائر الالتزامات الدينية والإيمانية، إضافةً إلى التَّيمن ببركة شهر رمضان، ببركة العشر الأواخر منه، وعسى أن يأتي يومٌ من أيام هذه المناسبة فتكون صبيحةً لليلة القدر، التي يكتب الله فيها لأمتنا المتغيرات المهمة على ضوء توجهاتها الإيجابية.

وهذه الرؤية هي رؤيةٌ مهمةٌ جداً، وخطوةٌ موفَّقةٌ ومسددة، والمفترض بالأمة أن تعطي هذه المناسبة ما تستحقه من الأهمية؛ لأن أهميتها تعود إلى أهمية القضية نفسها، التي جُعِلت مناسبةً من أجلها، وهي- بلا شك- مناسبةٌ تعنينا جميعاً كمسلمين.

ومن أهم ما في يوم القدس العالمي: أنه يحرِّك الشعوب، الشعوب؛ باعتبارها معنيةً بهذه القضية، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كلنا نعرف الفشل على المستوى الرسمي في التعامل مع هذه القضية، وفي اتخاذ الموقف الصحيح تجاهها، فمنذ بداية القضية وإلى اليوم كان هناك فشل وإخفاق رسمي على المستوى العربي والإسلامي، فشل ذريع في حسم هذه القضية، والتعامل الصحيح والناجح تجاهها.

والشعوب معنيةٌ ومسؤولةٌ بهذه المسألة، الشعوب من حيث حجم هذه المعركة، مستوى هذا التحدي، فالعدو الإسرائيلي هو ذراعٌ للوبي الصهيوني العالمي، ويتحرك إلى جانبه الغرب بكل دعم وبكل مساندة، مستوى هذا التحدي يتطلب أن تتحرك الشعوب، وليس فقط أن تبقى المسألة هذه حكراً وخاصةً ضمن الاهتمامات الرسمية العربية أو الإسلامية، دور الشعوب مطلوب في مستوى هذا التحدي والخطر، وهي أيضاً معنيةٌ؛ باعتبار أنها متضررة، ومستهدفةٌ في هذا الصراع؛ لأن الخطر الإسرائيلي هو خطرٌ على الأمة بكلها، وعلى الشعوب بأجمعها.

نحن كأمةٍ مسلمة في مختلف شعوبنا، نحن نعاني من هذا الخطر، وهذا الخطر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني يتهددنا جميعاً، ويستهدفنا جميعاً؛ وبالتالي نحن معنيون، ولنا الحق في أن نتحرك تجاه خطرٍ يستهدفنا، إضافةً إلى أننا كأمةٍ مسلمة بكل شعوبها في موقع المسؤولية الدينية أمام الله “سبحانه وتعالى”، في أن يكون لنا موقف، وأن نتحرك في التصدي لهذا الخطر بكل الاعتبارات: باعتبار فلسطين شعباً وأرضاً جزءٌ من هذه الأمة، وباعتبار العدو الإسرائيلي عدواً يشكِّل خطراً وتهديداً علينا جميعاً.

التحرك الشعبي الواسع، التحرك الجماعي لهذه الأمة من مختلف شعوبها، لا شك أنه مؤثِّر، وأنه مفيد، وأنه يعطي زخماً كبيراً لهذه القضية، وأنه خطوة حكيمة وصحيحة، وموقف صحيح بكل الاعتبارات والمقاييس، فالتهرب من أن يكون هناك تحركٌ جماعيٌ للأمة على المستوى الشعبي والرسمي، هو بُعدٌ عما فيه الحكمة، عما فيه المسؤولية، وهو عقدة، أو حالة اشتباه وعمالة لدى البعض.

عندما نعود إلى المسار التاريخي لهذه القضية، وهذه نقطة هامة للدروس والعبر، نجد أنها منذ البداية وإلى اليوم لم تحظ بالاهتمام المطلوب على مستوى الأمة بشكلٍ عام رسمياً وشعبياً، لم تحظ بالاهتمام المطلوب، فمنذ بداية توافد اليهود الصهاينة من مناطق مختلفة، وبلدان مختلفة على مستوى العالم العربي، وأوروبا، والغرب، إلى فلسطين، في أيام الاحتلال البريطاني، وتشكيلهم لعصابات، وبدايتهم في النشاط الاستيطاني الذي بدأ يتوسع شيئاً فشيئاً، لم يكن هناك في المقابل تحركٌ جاد بمستوى هذا الخطر، ولربما- آنذاك- كان الكثير من الناس من أبناء الأمة في تلك المرحلة لديهم قراءة خاطئة، ونظرة غير صحيحة، وتقييم لمستوى هذا الخطر تقييم غير صحيح، والشيء السلبي: أن تستمر مثل هذه القراءات الخاطئة، مثل هذه التصورات الخاطئة بشكلٍ مستمر لدى الكثير من أبناء الأمة.

عندما تنامى هذا الخطر في أيام الاحتلال البريطاني، كذلك كلما تنامى؛ لم يقابل ذلك تنامٍ بالمستوى المطلوب من أبناء أمتنا، وحتى في داخل فلسطين، كان هناك القليل ممن يتحرك، ممن يشعر بالوعي تجاه خطورة العدو الصهيوني، ممن يتحمل مسؤوليته، فينطلق على كل المستويات، القليل يتحركون، والكثير يتقاعسون ويتخاذلون، في الداخل الفلسطيني، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بشكلٍ عام،

ما بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين، وتفاقم الخطر اليهودي الصهيوني، وتسليم بريطانيا للدور بشكلٍ كامل لليهود الصهاينة، كذلك تفاقم الخطر بشكلٍ كبير، فلم يقابل ذلك بتحركٍ بالشكل المطلوب، يواكبه مراجعات جادة لكل حالات الإخفاق والفشل؛ لأنه أتى تحرك، تحرك في مستوى معين على المستوى الرسمي، على المستوى الشعبي، ولكنه تحرك كان يخفق في كثيرٍ من المحطات، وعندما كان يخفق، لم يكن يراجع إخفاقاته على نحوٍ جادٍ وصحيح، ويستمر بكل جدية، ويستفيد من كل طاقات الأمة، ومن كل إمكاناتها ليكون حجم التعبئة، وحجم الموقف، وحجم التحرك بالمستوى المطلوب؛ ولذلك كان هناك تفاقم لهذا الخطر، وكان هناك في مقابل الإخفاق على مستوى الجانب الرسمي العربي، كان هناك نجاحات للعدو الإسرائيلي، عززت من موقفه، وساعدته ليسيطر أكثر فأكثر، وليتقوى نفوذه أكثر فأكثر، وبدعمٍ مستمرٍ غربي.

ما بعد مرحلة الإخفاق الرسمي العربي المتتالية، والفشل المستمر، حدثت هناك متغيرات في مسار هذه القضية، متغيرات ذات أهمية كبيرة جداً، متغيرات نحو النجاح، هذه المتغيرات نحو النجاح كانت تعود إلى التجربة الشعبية، من خلال تجربة حزب الله في لبنان، والمقاومة في لبنان، وما حققته من نجاح، ومن انتصارات متتالية في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتجربة الأخرى في قطاع غزة، تجربة فلسطينية، وما حققته من نجاحات متتالية، وما حققته من انتصارات مهمة جداً في مواجهة العدو الإسرائيلي، هذه التجربة الشعبية الناجحة لم تحظ أيضاً بالاهتمام، والمساندة الواسعة، والإقبال إليها بإيجابيةٍ كاملة على المستوى الرسمي والعربي الشامل، بل كان هناك توجهات سلبية من بعض الأنظمة العربية، وتوجهات أو حالة برود من أنظمة أخرى، وإلَّا فكان المفترض في هذه المرحلة: مرحلة تحقق نجاحات مهمة، متغيرات إيجابية، انتصارات مهمة، تجربة ناجحة، أن يتم الالتفاف حول هذه التجربة الناجحة، ومساندة هذه التجربة، والعمل على تقويتها، وتطويرها، ومساندتها على نحوٍ كبير، كان هذا هو الموقف الطبيعي الواعي المسؤول.

فإذاً نجد في مسار هذه القضية ثلاث مراحل: مرحلة نشأة الكيان الصهيوني الغاصب، المجرم، المعتدي، الظالم، وبارتكابه للكثير من الجرائم الوحشية، والمجازر الجماعية، ونشأته على سيلٍ جارفٍ من الدماء، والمظلومية الكبيرة لشعب فلسطين ولأمتنا العربية، وما تلى ذلك من إخفاقات على المستوى الرسمي، ثم وصولاً إلى مرحلة التجربة الشعبية الناجحة، التي تدلل على أهمية الدور الشعبي، وتدلل كذلك على مستوى ما استند إليه هذا الدور الشعبي من عناصر للقوة، وأسباب للانتصار.

في كل هذه المراحل يتبين لنا أنَّ الوضعية التي تعاني منها الأمة على مستوى واقعها الداخلي الرسمي والشعبي، كان لها دور في تمكُّن العدو الصهيوني اليهودي من أن يقيم له كياناً غاصباً إجرامياً في قلب أمتنا، وفي داخل بلادنا الإسلامية، وهذه نقطة مهمة جداً لتؤخذ بعين الاعتبار؛ لنفهم أنَّ جزءً من مواجهتنا لهذا العدو يتجه إلى تصحيح وضعنا الداخلي، جزءً من اهتماماتنا لكسب المعركة في مواجهة هذا العدو، ولدفع خطره، يعود إلى عنايتنا بتصحيح الوضع الداخلي لأمتنا.

عندما نصل إلى هذه المرحلة، وهذا الصراع له كل هذه العقود من الزمن، وأتت فيه كل هذه المتغيرات والأحداث، يجب أن نرسِّخ في واقع أمتنا أنَّ هذا الخطر إذا استمر؛ فإنما يتفاقم، وأنَّ المسؤولية مستمرة على أمتنا في التصدي لهذا الخطر، وليست معفيةً عنه، وأنَّ هذه المسؤولية ليست منحصرةً على مستوى مثلاً الداخل الفلسطيني، أو الجوار العربي لفلسطين، هذه مسؤولية الأمة كل الأمة، والعدو الإسرائيلي هو عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة للأمة بكلها، ويشكِّل تهديداً وخطراً عليها، وحتى على مستوى المجتمع البشري بشكلٍ عام.

نتحدث عن بعضٍ من الحقائق المهمة، وعما يوضِّح لنا من خلال القرآن الكريم والواقع خطورة هذا العدو، والضرورة القصوى والمسؤولية المهمة في التصدي لهذا الخطر.

العدو الإسرائيلي هو عدو، ليس فقط مجرد عدوٍ كبقية الأعداء، وإنما هو الأشد عداوةً لنا كأمةٍ مسلمة، الأشد عداوة، بين كل الأعداء هو في رأس القائمة الأشد عداوةً للمسلمين، وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم بصريح العبارة، والله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، فكانوا هم رقم واحد، وحتى قبل الذين أشركوا، رقم واحد في كونهم الأشد عداءً لأمتنا، فهم ليسوا بأصدقاء، هم أعداء، وهم الأشد عداءً.

القرآن الكريم تحدَّث كثيراً عن عداوتهم لنا كمسلمين وبعبارات مهمة، ” قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم عن هذا العدو: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، بمعنى: أنهم يودُّون لكم كل ضرر؛ وبالتالي يسعون إلى إلحاق كل ضررٍ بكم، مهما كان ضرراً بالغاً، فهم يرغبون في أن يلحقوا بكم أبلغ الضرر، وأشد الضرر، على كل المستويات: خطر على حياتكم، خطر على أمنكم، خطر على اقتصادكم، يسعون إلى إلحاق الضرر بكم على أبلغ مستوى، على أشد مستويات الضرر، في كل شؤون حياتكم.

يقول عن عدائهم الشديد: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، يعيشون حالة من الشعور بالعداء نحوكم، إلى درجة أن يعضوا على أناملهم تغيظاً عليكم، وحنقاً عليكم، فحالة المشاعر العدائية لديهم هي ساخنة جداً، ساخنة جداً، تتأجج في مشاعرهم حالة العداء والكراهية والبغضاء ضد أمتنا الإسلامية.

يقول عنهم “سبحانه وتعالى” أيضاً عن عقيدة من عقائدهم الدينية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: من الآية75]، فلديهم عقيدة دينية يستبيحوننا بها كأمةٍ مسلمة استباحةً شاملة، يستبيحون دماءنا، وقتلنا، يستبيحون الأموال، يستبيحون انتهاك الحرمات والأعراض، وهذه عقيدة عدائية خطيرة، إضافةً إلى أنها عندهم عقيدة دينية، هذه الحقائق المهمة يشهد لها الواقع:

على المستوى التاريخي: كيف حاربوا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، كيف غدروا ونقضوا العهود والمواثيق والاتفاقيات، وكيف كان غدرهم ومكرهم، ومعروف ما حصل تاريخياً معهم.

وعلى مستوى الحاضر: كلنا يعرف أنَّ الكيان الصهيوني نشأ على أساس الاعتماد على الجرائم: جرائم القتل والإبادة الجماعية والوحشية، وارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وبحق هذه الأمة، في كل المراحل الماضية وسلوكه الإجرامي هو السلوك الثابت، العدواني، الذي قتل فيه مئات الآلاف من أبناء أمتنا الإسلامية، وبالذات من أبناء شعبنا الفلسطيني، وشرَّد الملايين، واغتصب الأراضي، ولا يزال سلوكه الإجرامي على نحوٍ يومي بحق الشعب الفلسطيني، ولا تزال أنشطته العدوانية ذات الأشكال المختلفة والمتنوعة في كل المجالات تستهدفنا كأمةٍ مسلمة.

ثقافتهم تشهد، على مستوى موروثهم الثقافي الذي يقدَّم على أنه ديني، فيه من العقائد، فيه من المفاهيم، فيه من النصوص ما يعبِّر عن عداء شديد مع استباحة، عداء شديد لنا كأمةٍ مسلمة، عداء للمجتمع البشري بشكلٍ عام، مع الاستباحة للدم، والعرض، والمال، وفي نفس الوقت مع الاحتقار الشديد، فهو يعتبروننا إلى أننا لسنا حتى بشراً حقيقيين، كمسلمين لسنا بنظرهم في موروثهم الثقافي كبشر حقيقيين.

مناهجهم المدرسية تشهد، فيها الكثير والكثير من العبارات، من التعبئة العدائية الشديدة التي يربون عليها حتى الأطفال، حتى أطفالهم.

مع سلوكهم الإجرامي، وثقافتهم، وسياساتهم، وممارساتهم العدوانية، تتجلى لنا الحقيقة الواضحة أنهم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، ومع عدوانيتهم الواضحة في ثقافتهم، في مناهجهم الدراسية، في شعاراتهم، في سياساتهم، في خططهم، في سلوكهم الإجرامي العدواني البشع المعروف، الذي سجَّله التاريخ، وسجلته الوقائع والأحداث، يحاولون بخداع عجيب أن يقدِّموا لنا صورةً مختلفة عنهم، وأنهم أصدقاء، وأنه يجب أن ننظر إليهم كأصدقاء وليس كأعداء، وتصل هذه النظرة التي يحاولون أن تحملها الأمة تجاههم، ليتبناها البعض من أبناء الأمة في هذه المرحلة، تتبناها بعض الأنظمة، وتبني عليها سياستها في التطبيع معهم، وتتبناها جماعات تكفيرية، تزعم أنها متدينة، وأنها دينية، وتبني هذه الجماعات وتلك الأنظمة التي اتجهت في سياق الولاء المعلن، والعلاقة المكشوفة المفضوحة مع العدو الإسرائيلي، تبني عليها نشاطها الإعلامي والتثقيفي حتى باسم الدين، وتحت العناوين الدينية؛ لتقدِّم صورةً مختلفة، الهدف منها: حرف بوصلة العداء، لا تبقى متوجهةً منا نحن كمسلمين تجاه ذلك العدو، الذي هو عدوٌ حقيقي أخبرنا الله عن أنه عدوٌ لنا، وهو “سبحانه وتعالى” الأعلم بمن هو العدو، حتى في سياق وهو يخبرنا أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو العدو الحقيقي لنا، قال جلَّ شأنه عبارةً مهمةً جداً: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء: من الآية45]، ليست مسألة دراسة من مركز أبحاث ودراسات، استنتج منها بقرائن غامضة وخفية، أنَّ هذا عدو، أنَّ العدو اليهودي الصهيوني هو عدو هذه الأمة، لا، الذي أخبرنا بذلك، أعْلَمنا بذلك، أكَّد لنا على ذلك: هو الله “سبحانه وتعالى”، العليم بعباده، العليم بذات صدورهم، العليم بما يعملون، والخبير بما يعملون، والذي يخبر وهو يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر في السماوات والأرض، هو الذي أعْلَمنا بأنهم الأشد عداوةً لنا حتى، وليسوا أعداء كبقية الأعداء، وإنما الأشد عداءً، والأخطر في عدائهم لنا بين كل الأعداء، وبين قائمة كل الأعداء.

مع ذلك تأتي بعض الأنظمة، ومنها أنظمة يأتي قادتها ليقولون: [أنَّ دستورهم هو القرآن]، فإذا بهم يتبنون رؤيةً مخالفةً بشكلٍ صريحٍ للقرآن، ومتباينةً بشكلٍ كليٍ مع القرآن، فيقولون: العدو هو من؟ العدو هو الشيعة، العدو هو إيران، العدو هو جزءٌ من المسلمين، هو العدو الأشد، العدو الأخطر، العدو الذي يجب أن تتجه إليه بوصلة العداء،

ثم يريدون من الأمة أن تحرف بوصلة العداء كلياً، فلا تتجه نحو العدو الإسرائيلي، فتتجه إلى الداخل فيما بينها، لتتناحر فيما بينها تحت عناوين مذهبية وطائفية، وفي الإطار إطار التكفيري، الذي تنشط فيه الجماعات التكفيرية، في مخالفة واضحة وصريحة للقرآن، تلك الجماعات التكفيرية التي تبنت رؤية مختلفة في من هو العدو الأشد عداوة، والأخطر عداوة، مخالفةً بشكلٍ واضحٍ للقرآن، هي مكشوفة ومفضوحة، وتجلى بالشواهد الدامغة على مستوى الفعل والقول مدى ارتباطها بالأعداء، بخدمة الأعداء، بخدمة أمريكا وإسرائيل.

تلك الأنظمة يتبين لنا جميعاً، أنها وهي تحمل رؤيةً مخالفةً للقرآن، مخالفةً للواقع، مخالفةً للأحداث والوقائع المعروفة، أنها كذلك منحرفة بتوجهها، ومخدوعة، ومتجهة الاتجاه الخاطئ.

لماذا يحرص اليهود الصهاينة على أن نحمل رؤيةً مختلفةً عنهم، ألَّا ننظر إليهم كأعداء، بعد أن أخبرنا الله، وبعد أن رأينا من الواقع، وبعد أن أثبتت الأحداث أنهم هم العدو؟ لأنهم أعداء خطيرون، يريدون أن نتجه بحالة العِداء إلى اتجاهات ثانية، اتجاهات خاطئة؛ وبالتالي يتمكنون هم من مواصلة نشاطهم العدائي بأساليبهم الخطيرة الشيطانية؛ لأنهم عدوٌ ليست معركته فقط معنا معركةً عسكرية، معركته معنا شاملة، واستهدافه لنا شاملٌ في كل المجالات، والاستراتيجية التي يعتمد عليها في مواجهتنا كأمةٍ مسلمة، هذه الاستراتيجية هي: تجريدنا كأمةٍ مسلمة من كل عناصر القوة المعنوية والمادية؛ بما يسهِّل له السيطرة الكاملة علينا بأقل كلفة، ومن دون عناء، وهذا ما حرص القرآن الكريم أن ينبهنا عليه، وأن يوضِّحه لنا بشكلٍ واسع في القرآن الكريم.

ولذلك لاحظوا، والقرآن الكريم يبين لنا أنهم أعداء، ويكشف لنا الحقائق الكثيرة عنهم، ويبين لنا خطورتهم ومؤامراتهم ومكائدهم، يأتي من أول يوم ليحذِّرنا من الطاعة لهم والتولي لهم، وهذا شيءٌ غريب، لاحظوا عندما يحذرك الإنسان من عدو مثلاً، فتلقائياً الشيء الطبيعي أن يتجه إلى تنبيهك على الاستعداد للمواجهة، إلى أن ينبهك على ما تستفيد منه في الاستهداف لهذا العدو، أن يعرِّفك كيف تستهدف عدوك هذا، أمَّا أن يأتي من أول يوم ليحذرنا من الولاء للعدو، من الطاعة للعدو، فهذه مسألة غريبة جداً، ولكنها تبين لنا كيف يعمل هذا العدو، كيف يستهدفنا هذا العدو.

هذا العدو يسعى إلى الوصول بنا إلى أن نطيعه، أن نصبح أداةً بيده، أن يسيطر علينا هذه السيطرة الشاملة، التي تجعلنا أداةً في يده يستثمرنا، ويستثمر كل إمكانياتنا، ولذلك هو يشتغل على أن يبعد عنا، أن يخرج منا كل حالة الاستشعار للعداء نحوه، وأن يغير من نظرتنا إليه، وأن يكسب ولاءنا في الوقت الذي هو عدوٌ لنا، ولاؤنا له لن يغيِّر شيئاً من عدائه لنا، يبقى عدواً، هو يبقى عدواً مهما كان، يبقى متآمراً، يبقى لا يريد لنا أي خير، يبقى ساعياً فقط لكل ما يساعده على السيطرة التامة علينا، وعلى استثمارنا كأمة، واستثمار إمكاناتنا ومقدراتنا التي بين أيدينا.

وهذه نقطة خطيرة جداً؛ لأنه لا بدَّ لنا من الوعي كيف يعمل هذا العدو؛ وبالتالي ماذا علينا أن نعمل في المقابل، فيأتي في القرآن الكريم التحذير الشديد من التولي لهذا العدو، إلى درجة أن يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، هذا تحذير شديد جداً، من يتولهم فَقَدْ فَقَدَ هويته الإيمانية، وانتماءه الديني، وأصبح محسوباً منهم.

يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]؛ ليبين أنها حالة انحراف خطير، وحالة ليست صحية، لا على المستوى الإيماني، ولا الثقافي، ولا على مستوى زكاء النفس، ولا على مستوى الوضع الطبيعي للإنسان كإنسان، أن يسارع في خدمة عدوه، في التولي لعدوه، في العمل لصالح عدوه.

يقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، فنلاحظ تحذيره من طاعتهم؛ لأنهم في خبثهم، وبوسائلهم الشيطانية الماكرة، وأساليبهم الشيطانية الماكرة، يصلون بالبعض إلى أن يكون مطيعاً لهم؛ وبالتالي يعمل لتنفيذ مخططاتهم، لتنفيذ مؤامراتهم، للعمل وفق سياساتهم، وفق املاءاتهم، وفق توجيهاتهم، وفق أوامرهم، بما يخدمهم ويضر بالأمة، ويضر به، بما يمثل ارتداداً عن الإسلام في مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، وتعليماته، ومنهجه العظيم، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنها تبين لنا جوانب خطيرة جداً في الصراع مع هذا العدو، يترتب عليها الخطوات العملية المقابلة لمثل هكذا مساعي، ومؤامرات، وأساليب، وخطط.

يبين لنا القرآن الكريم أنهم يسعون إلى أن يسلبوا منا وأن يجرِّدونا من كل عناصر القوة المعنوية، وفي مقدِّمتها: صلتنا بالله “سبحانه وتعالى”، الصلة الإيمانية، أن يفصلونا عن هذه الصلة؛ حتى لا نحظى بتأييد الله “سبحانه وتعالى”، بنصره، بمعونته، بهدايته، وسعيهم لأن يردونا بعد إيماننا كافرين؛ لأنهم يعرفون أنَّ الصلة بالله هي صلة إيمانية، أنَّ الصلة بنصر الله وتأييده هي صلة إيمانية، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: من الآية38].

سعيهم لأن يحوِّلوا هذه الأمة إلى أمة ترتد عن إيمانها، يتبعه نشاط واسع على كل المستويات: نشاط سياسي، نشاط ثقافي، نشاط فكري، نشاط واسع جداً، نشاط على المستوى الأخلاقي؛ لضرب الأمة في أخلاقها، التحريف للمفاهيم، اللبس للحق بالباطل، وأحياناً تأتي الكثير من هذه الأنشطة بأساليب غير مباشرة، على أيدي البعض من المحسوبين على الأمة: كُتَّاب من أبناء الأمة، أحزاب، اتجاهات تكتب، تتحدث، تتبنى أفكار، ثقافات، مفاهيم، تفصل الأمة عن هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”، تجرِّد الأمة من هويتها الإيمانية، تبعدها عن انتمائها الإيماني، فهم يفصلون الأمة على المستوى المبدئي، والعقائدي، والثقافي، والفكري، والأخلاقي، والسلوكي، عن مقتضيات وارتباطات الانتماء الإيماني، وهذا الفصل عن الانتماء الإيماني يدخل من البوابة السياسية على نحوٍ واسع، من البوابة الثقافية والفكرية على نحوٍ واسع، ويشتغلون عليه بنشاطٍ واسعٍ ومتنوع، والكلام عن هذا يطول، لكنه توصيفٌ إجمالي.

ولهذا يحذِّرنا الله منهم، فيقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ويجب أن يتلمَّس الإنسان تجاه كل خطوة، كل ما يقدَّم وهو يفصل الناس عن انتمائهم الإيماني، ما كان بشكل عقائدي، ما كان بشكل ثقافي وفكري، ما كان بشكل أخلاقي وسلوكي، ولو كان له قناع ذو وجه عربي أو إسلامي، فإنَّ وراءه اليهود، وراءه اليهود الصهاينة، وراءه مساعيهم الشيطانية لأن يفصلوا الأمة عن انتمائها الإيماني على كل المستويات، وبكل أسلوبٍ خبيثٍ وماكر.

يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، وتكرر الحديث عنهم في القرآن الكريم أنهم يريدون، ويودون، ويسعون، ويعملون لإضلالنا، يعملون على أن نضل، على أن نكون أمةً ضالة، ضالة على كل المستويات، يتسرب هذا التضليل من جانبهم بأساليبهم الماكرة، وأحياناً عبر أدواتهم، عبر عملائهم، عبر المرتبطين بهم، يتسرب إلى الثقافة، إلى العقيدة، إلى المفاهيم، إلى الرأي العام تجاه قضايا كثيرة جداً، فإذا بالناس يحملون أحياناً عقائد ضالة هم وراء تسريبها، هم وراء زرعها في الاتجاه العقائدي للأمة، فإذا بالناس يحملون مفاهيم، والكثير منها هم من عمل على أن يدسها في ثقافة الأمة، وهي مفاهيم خطيرة تخدمهم، وتضل الأمة وتضيعها عن المفاهيم الصحيحة، عن الرؤية الصائبة، ثم على مستوى الرؤية، يحاولون أن يؤثروا في الرؤية لدى الأمة تجاه مختلف القضايا، وبالذات فيما يتعلق بالصراع معهم، وبالذات فيما يتعلق بكل ما يبني الأمة لتكون بمستوى مواجهتهم.

على مستوى التأثير على الرأي العام من خلال النشاط الإعلامي الذي يزيِّف الحقائق، ويزيِّف صورة الأمور، ويزيِّف النظرة إلى كثيرٍ من الأمور، لهم نشاط واسع جداً، ومن أهم ما يركِّزون عليه: التأثير على الرأي العام، ولذلك يجب أن نكون على يقظة تامة، وأن ندرك جيداً، وأن نعي جيداً: أنَّ كثيراً مما نسمعه من الرؤى والتحليلات والتصورات مما يخدمهم، إنما هم وراء ذلك ولديهم أساليبهم التي يوصلون ما يؤثِّر على الرأي العام، ما يؤثِّر على الرؤية العامة على مستوى الشعوب، أو على مستوى الحكومات، أو على مستوى الاتجاهات والكيانات، هم يعملون على ذلك، وكيف يوصلونها بطريقة أو بأخرى.

التضليل على مستوى الجانب المعلوماتي: يقدمون معلومات مخادعة، على المستوى الاستشاري في مراكز الدراسات والأبحاث، ومن الغبن الشديد لبعض الأنظمة العربية أنها تعتمد عليهم مع الانبهار بهم، تعتمد على معلوماتهم، تعتمد على مراكز دراساتهم وأبحاثهم في الأمور السياسية، والقضايا المهمة، فيستطيعون أن يقدِّموا- وبصفة استشارية- رؤى مخادعة، رؤى مخطئة، رؤى غير صائبة أبداً، ومنها ما يتجه بالإنسان إلى أن يتبنى عداءً لبديلٍ عنهم، عداءً لمن يعاديهم هم؛ حتى تصبح الرؤية تجاه العدو والصديق رؤية خاطئة تماماً، حتى ينصرف البعض، وتنصرف بعض الجهات عن الأولويات الصحيحة، عن المواقف الصحيحة، عن الاتجاهات الصحيحة، نتيجةً لهذا التضليل، التضليل الواسع، الذي يأتي عبر وسائل كثيرة، وبأساليب كثيرة جداً.

من أهم ما نبه عليه القرآن الكريم وحذر منه فيما يتعلق بهم، هو الإفساد، وقال عنهم أنهم: يسعون في الأرض فساداً، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: من الآية64]، ومعنى هذا: أنهم يعملون بكل الوسائل، بكل الأساليب، على نشر الفساد في كل المجالات، وفي مقدمته: الفساد الأخلاقي، هم يعملون بكل وسيلة، بكل جهد، إلى انتشار الرذائل، إلى انتشار الفساد الأخلاقي، إلى انتشار جرائم الزنا والفساد الأخلاقي على نحوٍ واسع، إلى تفكيك الأسر والمجتمعات، وضرب اللبنة الأولى في تأسيس المجتمعات، التي هي الأسرة، هذا مخطط رئيسي بالنسبة لهم، ومسعىً يستمرون في العمل عليه بكل الوسائل وبكل الأساليب، وفي هذا العصر يستغلون التقنيات والإمكانات المعاصرة، والوسائل المعاصرة، التي يمكن أن تستغل على نحوٍ واسع لنشر الفساد وما يوصل إلى الفساد، وما يسبب إلى الفساد، وهم وراء نشر الكثير من الثقافات، والمفاهيم الخاطئة، التي تخرج المرأة عن حشمتها، التي تكسر الحواجز والضوابط الشرعية والأخلاقية ما بين الرجل والمرأة، والتي تسعى إلى نشر الفساد بشكلٍ واسع على هذا المستوى، وكذلك على بقية المستويات.

معنى هذا: أنهم يعملون بجدٍ واهتمامٍ كبير في هذا المجال؛ لأنه يخدمهم، يخدمهم في تفكيك المجتمع، يخدمهم في ضرب الأسرة، حتى لا تبقى هذه اللبنة الأساسية في المجتمع قائمة، يخدمهم في ضرب النفوس، في تحطيم النفوس، في تمييع النفوس، في تطويعها، والسيطرة عليها وإخضاعها، يخدمهم في ضرب الروح المعنوية لدى الأمة ولدى شعوبها.

مما أخبر عنهم أنهم يحرصون على سياسة التفريق، وبلغوا فيها إلى النهايات، يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، يسعون إلى أن يفرقوا، ويتعلمون إلى أن يفرقوا حتى- كما قال الله عنهم- ما بين المرء وزوجه، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة : 102]، إلى هذا المستوى، ومعنى هذا: أنهم يعملون على تفريق الناس بكل الوسائل، وعملوا على هذا، عملوا على هذا، وحققوا خطوات كبيرة في تفريق الأمة الإسلامية، فرقوا الأمة الإسلامية وقطعوا أوصالها، على المستوى الجغرافي والسياسي أوجدوا بينها الحواجز الكبيرة جداً، ثم يسعون لتوظيف الخلافات المذهبية، من خلال الشحن الطائفي والعداوات المذهبية إلى أنهى مستوى، ثم يستمرون إلى بعثرة الشعوب، كل شعبٍ في داخله، وتجزئة هذا المجزأ من أبناء الأمة تحت كل العناوين: العناوين السياسية يجزئون الأمة من خلالها باستمرار، ويبعثرونها إلى كيانات، وبشكلٍ مستمر، كيانات بعد كيانات بعد كيانات، ويشجعونها على المزيد والمزيد من الفرقة والاختلاف في كل شيء، ألَّا يكون لها رأيٌ واحد، ولا كلمةٌ واحدة، ولا منهجٌ واحد، ولا موقفٌ واحد، ولا توجهٌ واحد، وأن تكون مبعثرة، متفرقة، مختلفة في كل شيء، تختلف أنظارها في كل شيء، وآراؤها في كل شيء، وأن تتباين في كل شيء، وألَّا تتفق على شيء، لديهم نشاط واسع في الإطار السياسي، وتحت العناوين السياسية، والأساليب السياسية، في هذا الاتجاه.

وعلى المستوى الثقافي والفكري، وعلى المستوى الديني، لا يزالون يعملون على المزيد والمزيد من الفرقة والفرقة والفرقة، والشتات، والبعثرة، عمل نشط جداً، وحتى على المستوى الاجتماعي: إثارة مشاكل وحساسيات بين الرجل، والمرأة، والشباب، والكبار، والصغار، وعلى المستوى المناطقي هم يعملون على ذلك، ويستغلون المعقدين، والذين لديهم مشاكل وعقد نفسية، وفكرية، وثقافية، في هذه الإشكالات وإثارتها.

يعملون بكل جهد على توظيف كل المشاكل، والأزمات، والخلافات، والتباينات، إلى أقصى حد، وباتت هذه مشكلة مؤثرة على واقع أمتنا، ومضعفة لأمتنا، ومؤثرة على نهضتها، مؤثرة حتى على مستوى أن تسير في حياتها بشكل اعتيادي وطبيعي، ما بالك بأن تنهض، أزمات كبيرة في أمتنا الإسلامية في هذه الدولة، وتلك الدولة، والدولة الأخرى، أزمات سياسية، أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية، أزمات أمنية، مشاكل على كل المستويات، تجعلها غارقة في مشاكلها وأزماتها، وفي حالة من الإحباط والضغط الكبير.

يسعون أيضاً إلى تجريد أمتنا من كل عناصر القوة المادية، على المستوى الاقتصادي، كما قال الله عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105]، لا يريدون لنا أي خير، الله هو الذي يخبرنا بذلك، ليس مركز دراسات وأبحاث مشبوه، أو خاطئ وقاصر في قراءته وفي معطياته، الله هو الذي يخبرنا عنهم: أنهم ما يودون لنا أي خير، لا معنوي ولا مادي، ولذلك لهم دور كبير في أن يبقى وضعنا الاقتصادي، كأمةٍ مسلمة على ما هو عليه من السوء والتردي، وأن تبقى أمتنا مجرد سوقٍ استهلاكية لمنتجاتهم وبضائعهم، وألَّا نكون أمةً قوية تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، ألاَّ نكون أمةً منتجة، تستثمر خيراتها ونعم الله عليها، لتكون أمةً، قويةً مصنعةً منتجةً، تعتمد على ما منحها الله “سبحانه وتعالى” من النعم، فيعملون بشكلٍ مستمر أن نبقى أمةً تعتمد عليهم اقتصادياً في كل شيء، وأمةً تعيش الأزمات الاقتصادية، أمةً تعتمد سياسات اقتصادية خاطئة، مفلسة، تصنع المزيد، وتنتج المزيد من الأزمات والمشاكل الاقتصادية والبؤس.

لديهم أيضاً سعي لأن يؤثروا على مستوى التوجهات والسياسيات الاقتصادية، وأن يؤثروا أيضاً على النهضة العلمية، فلا تنهض الأمة علمياً، ولهذا ينزعجون انزعاجاً شديداً من نهضة الجمهورية الإسلامية في إيران، يستهدفون علماءها، فيعملون على اغتيالهم، وعلى قتلهم؛ لأنهم لا يريدون أن ينهض أي شعبٍ مسلم، أن يمتلك العلم والمعرفة، التي تساعده على بناء نهضة وحضارة، وأن يبني وضعه الاقتصادي على أساسٍ صحيح، فهم يحاربون ذلك بشكلٍ واضح.

هم يريدون أن تبقى هذه الأمة سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم، وأن تذهب كل الأموال إلى بنوكهم وإلى جيوبهم، أن يستأثروا بالمواد الخام في هذه الأمة، وعندما يعيدون إنتاجها، وحصلوا عليها بالمجان، أو بأبخس الأثمان، يعيدون تصديرها إلينا، ليحصلوا في المقابل على أموال هائلة جداً، فنبقى دائماً ندفع لهم، ومن واقع بؤس، وفقر، وحرمان، وعناء.

سعيهم أيضاً لمنع امتلاك القدرات العسكرية لهذه الأمة، وبالذات على أساسٍ من الاستقلال، وهذا واضحٌ جداً، هم يسعون فيما يتعلق بهم أن يمتلكوا أفتك أنواع الأسلحة، وسعى الكيان الإسرائيلي إلى أن يمتلك حتى السلاح النووي، وأنشطته واهتماماته العسكرية معروفة، لا مثيل لها في منطقتنا بشكلٍ عام، تعبئة عامة، نشاط مستمر، سعي مستمر لتقوية جيشه، للاستفادة من كل وسائل العصر، سعي للحصول على كل جديد من الأسلحة المهمة، والفتاكة، والتقنيات العسكرية المتطورة، سعي مستمر.

بينما في واقعنا هناك عمل جاد لمنع بلدان أمتنا من امتلاك قدرات عسكرية قوية، جيدة، ولهذا انزعاجهم الكبير من الجمهورية الإسلامية في إيران، ألَّا تطور أسلحتها الصاروخية، انزعاجهم الواضح من شعبنا اليمني، ومما بات يمتلكه من قدرات عسكرية، انزعاجهم الجنوني من اقتناء حزب الله للسلاح، ومن ترسانته العسكرية، انزعاجهم الشديد جداً من امتلاك المجاهدين في فلسطين للسلاح، وانزعاجهم الشديد من أن تتطور هذه القدرات، وأن تمتلك شعوبنا المزيد من القدرات العسكرية، هذه بالنسبة لهم مسألة حساسة جداً، يعملون على محاربتها بكل جهد، ويسعون إلى الحيلولة دونها بكل الوسائل، حتى على مستوى الثقافة العامة، يحاولون أن يقدموا صورة وفكرة عامة لدى شعوب أمتنا، يبعدونها من خلالها عن الأخذ بعناصر القوة، عن إعداد ما تستطيع من القوة، عن السعي لأن تكون أمةً قوية على كل المستويات، وأن تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية، وسائر القدرات وعناصر القوة اللازمة.

ولهذا نلاحظ أنهم يسعون أن تبقى مسألة القدرات العسكرية في حدود ما يمتلكه عملاؤهم، بمقدار ما ينفذونه لخدمتهم، فهذا المسموح به لهذه الأمة، أن تمتلك من القدرات العسكرية ما تنفذ به مخططاتهم، ومؤامراتهم فقط؛ أما غير ذلك فهم يسعون إلى محاربة هذه الأمة، هذه الشعوب، ألَّا تمتلك القدرات العسكرية، ولا السلاح العسكري، ويجعلون هذه مشكلة، ويحاولون أن ينظر إليها على أنها مشكلة، وأنها سلبية، وأن أي شعب من هذه الشعوب يمتلك القدرة العسكرية يجب أن يجرد من هذه القدرة، ويجب أن تسحب منه هذه القدرة، وأن يبقى هذا فقط لهم هم، أن يبقى لهم هم الحق في أن يمتلكوا كل أنواع السلاح، حتى النووي؛ بينما شعوب هذه الأمة ليس مسموحاً لها أن تمتلك أي نوع من أنواع السلاح، وهذه مسألة معروفة وواضحة.

ومع ذلك، مع كل مؤامراتهم ومكرهم وكيدهم، وسجلهم الإجرامي بحق هذه الأمة، وما قد قتلوا، وما يفعلونه يومياً من الممارسات الإجرامية في فلسطين، وفي غير فلسطين، وأنشطتهم المستمرة في استهداف هذه الأمة في كل المجالات، يقدمون عنوان السلام للخداع فقط، ليس للسلام الذي يقدمونه من مضمون فعلي، إلا الاستسلام لهم من خلال التبعية لهم، وتنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم، يريد أن يحتل الأرض، أن يقتل مئات الآلاف، وأن يأتي من هذا الواقع الذي بنى فيه كياناً غير شرعي، مسيطراً على أرضٍ من أرض الأمة، مضطهداً لشعبٍ من شعوب الأمة، ومسيطراً أيضاً على أراضٍ أخرى، ومناطق أخرى، من واقعه العدواني الإجرامي، المغتصب، المستمر في مؤامراته، ليقدم عنوان (السلام)، وهذا مجرد خداع؛ لأنه على ما هو عليه من احتلال، على ما هو عليه من سلوك إجرامي، على ما هو عليه من اضطهاد لأبناء هذه الأمة، ولجزءٍ من أبنائها، على ما هو عليه من مؤامرات وحقد وعداء أخبر الله عنه، وأخبر الواقع عنه، ثم ليقدم عنوان السلام كمجرد خداع، وليس هناك من مضمون إلا ماذا؟ إلا الاستسلام؛ لأنه يريد أن يبقى الأمر كما هو، وأن يأتي من هذا الواقع الذي هو فيه وأن يتم التعامل معه بما هو عليه، وتحت عنوان السلام، معنى هذا هو الاستسلام، معنى هذا هو تمكينه من النفوذ في بقية بلدان هذه المنطقة، من التأثير، من التحرك بمؤامراته والاستمرار في مؤامراته بأقل كلفة.

ولهذا يجب أن تكون أمتنا على وعيٍ تام أنه عدوٌ مخادع، وأنه مستمرٌ في مؤامراته، وأنه يريد مما هو فيه وما هو عليه، وما هو مواصلٌ ومستمرٌ فيه: أن يقدم هذا العنوان لمجرد الخداع، وليحظى من خلاله بتبعية البعض تحت هذا الغطاء، وهي حالة تبعية له، في مؤامراته، في إجرامه، في سياساته العدائية بحق هذه الأمة.

هذا العدو مهما فعل، ومهما يشكله من خطورة، ومهما قد فعله في كل هذه المراحل الماضية، فإننا نصل إلى حقيقة الحتميات الثلاث، الحتميات الثلاث التي هي نهاية لكل هذا الصراع ومآلات هذا الصراع، ومآلات هذا العدو إليها حتمية، الحتميات الثلاث قدمها القرآن الكريم، ويجب أن نعيها جيداً:

الحتمية الأولى: هي هزيمة هذا العدو: هذه مسألة محتومة أكد عليها الله في القرآن الكريم، في الوقت الذي أخبر الله فيه في بداية سورة الإسراء عن هذا العدو، عن خطورته، عن فساده في الأرض، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء: من الآية4]، أخبر في نفس الوقت عن حتمية سقوط هذا العدو، وهزيمة هذا العدو، وفشل هذا العدو، وأن هذه النهاية حتمية، فيقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا}، يعني: وعد المرة الآخرة من المرتين، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء: من الآية7]، فهو يبين هنا النتيجة الحتمية لسقوط هذا العدو، وهزيمة هذا عدو، وهذه طمأنة كبيرة جداً، وهذا هو مقتضى العدل الإلهي، مقتضى العدل الإلهي، كيان بهذه الإجرامية، بهذا الإفساد، بهذا التضليل، بهذا العداء لله ولرسله ولأنبيائه ولعباده، بهذا السلوك الإجرامي، مآله هو الهزيمة، هو السقوط، هو هذه النهاية المحتومة.

الحتمية الثانية: حتمية خسارة الموالين له: أن الذين يوالون هذا العدو، ودخلوا في رهانات خاطئة، وتصورات باطلة، وأوهام وسذاجة وغباء، دفعهم إليها ما هم عليه من المرض في قلوبهم، الانحطاط الأخلاقي والإنساني، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، وعسى من الله هي وعد، ليست تخمينات، ليست احتمالات، هي وعدٌ قاطع، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، إن كل هؤلاء المطبعين والمطبلين للتطبيع، والمتجهين علناً أو سراً في الولاء للعدو الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، واللوبي اليهودي في العالم، مهما فعلوا، مهما كانت تبريراتهم، مهما كانت إمكانياتهم، تصوراتهم خاطئة، ورهاناتهم ساقطة، وفشلهم، وخسرانهم، وندمهم هو النتيجة الحتمية، ومآل أمرهم إلى ذلك حتماً، لا شك في ذلك، لا شك في ذلك.

الحتمية الثالثة: هي غلبة عباد الله، المؤمنين، الذين وثقوا به، الذين عندما اتجه العدو ليستقطب أبناء هذه الأمة، ليكونوا موالين له، كان ولاؤهم هم لله “سبحانه وتعالى”، ولاؤهم في الاتجاه الصحيح، ارتباطهم وثقتهم بالله “سبحانه وتعالى”، وتوكلهم عليه، فكان نتاج ذلك ثباتهم على الموقف الحق، على الموقف الصحيح، على الاتجاه الصحيح.

لاحظوا، الله أخبر عن العدو الإسرائيلي أنه عدو، حتى على المستوى الرسمي العربي كان هناك اعتراف بأنه عدو للأمة، كان هذا محط اعتراف في الجامعة العربية، في منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً، وكانت هذه مسألة معروفة لدى الجميع، الذي ارتد عن هذا إلى مسار التطبيع والولاء لإسرائيل علناً بعد أن كان سراً: هو يخرج عن هذه الحقيقة، هو أوقع نفسه في اتجاه يخسر فيه لا شك في ذلك.

فالاتجاه الأصيل الثابت الصحيح، الذي تعتمد فيه الأمة على الله “سبحانه وتعالى”، تتوكل عليه، تلتجئ إليه، تجاهد في سبيله، تسير وفق هديه، تعتمد على منهجه، وتنهض بمسؤولياتها وواجباتها في الدفع لهذا الخطر، بالاعتماد على الله “سبحانه وتعالى”، هذا يؤهل الأمة لتكون حزباً لله، ينصرها الله، ويعينها، ويؤيدها.

فالحتمية الثالثة: هي غلبة حزب الله، حزب الله هم هؤلاء الذين يتجهون هذا الاتجاه في الولاء لله “سبحانه وتعالى”، والثقة به، والتوكل عليه، ويعتمدون على منهجه، يسيرون وفق توجيهاته، يهتدون بهديه، ينهضون بمسؤولياتهم وواجباتهم،{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56].

فمآلات هذا الصراع الحتمية هي في هذه الثلاث:

في هزيمة العدو.

في خسارة الموالين له.

في انتصار المؤمنين الذين ينطلقون على أساس هدي الله.

وهذا هو الموقف الصحيح الذي يجب أن تتوجه الأمة على أساسه، وأن تتحرك بمقتضاه، هذا هو التوجه الصحيح، والخيار الصحيح، وإيجابياته كبيرة في واقع الأمة؛ لأنه يمثل عاملاً لنهضتها، لأخذها بأسباب القوة، لاحتمائها من هذا الخطر في كل أشكاله، في كل ثغراته التي ينفذ منها، ويتسلل إلى الأمة عبرها، ونجد إيجابيات هذا الموقف في من يتبناه، في من ينطلق على أساسه، هم الأحرص على امتلاك هذه الأمة على عناصر القوة، هم الأحرص على أن تكون هذه الأمة متوحدة وقوية ومتآخية، وواعية وفاهمة، هم الأحرص على أن يتصدوا لكل محاولات الفتنة في داخل هذه الأمة، هم الأحرص على بناء القدرات، وتحصين هذه الأمة، إيجابية واضحة جداً.

نجد أيضاً في المنهج القرآني- مع وضوح أنشطة هذا العدو- أن علينا أن نعمل على تحصين أمتنا من الولاء له على أن يكون هناك نشاط تعبوي مستمر للعداء لهذا العدو، للحذر من كل الثغرات التي ينفذ فيها، أن ننزل في كل ميدان بوعي: ميدان المعركة الثقافية، المعركة الفكرية، المعركة السياسية، المعركة في الميدان الإنساني والأخلاقي المعركة في كل مجال، وأن ندرك أن مع العدو جيشاً من نفس أبناء الأمة يشتغل به في كل ميدان: في المجال الثقافي، والفكري، والسياسي، أن من يصدر إلى أمتنا تلك الأفكار المشبوهة، تلك المفاهيم الخاطئة، التي تضل الأمة، أو تفسدها، هو اليهود، هم اليهود الصهاينة، عبر عملائهم، عبر وكلائهم، عبر خدامهم الذين يشتغلون في ذلك، وأن نسعى لتفعيل ساحتنا الداخلية على كل المستويات، وأن نعمل على تفعيل المقاطعة، مع الشعارات التي تستنهض الأمة في العداء لهذا العدو، وترسخ هذه الحقيقة في أنه العدو، ويتمثل حافزاً مهماً للاتجاه في كل عناصر وأسباب القوة المعنوية والمادية في كل المجالات، أن نعمل على تقوية المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، هذه نقطة مهمة جداً، لأن أكثر ما يفيد العدو على المستوى الاقتصادي والمادي هو بضائعه، هو تجارته، التي يعمل على الترويج لها، وعلى نشرها، وسلاح المقاطعة سلاح فعال، وباستطاعة كل إنسان أن يفعله، وهو موقفٌ مسؤولٌ وواعٍ، وهو من أقل ما يجب علينا، من أقل ما يجب علينا، سلاح فعال، سلاح مهم.

الله “سبحانه وتعالى” أمر المسلمين في زمن رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أن يقاطعوا (مفردة) كلمة كان العدو يستفيد منها في معنىً من معانيها، {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: من الآية104]، فكيف لا نقاطع البضائع التي تذهب من خلالها مليارات الدولارات إلى جيوب الأعداء، ويستفيدون منها في محاربة أمتنا، وفي دعم موقفهم ضدنا، وفي تعزيز قدراتهم العسكرية لمواجهتنا، هذه مسألة مهمة جداً.

أما سلبيات المواقف الأخرى: موقف العمالة، اتجاه العمالة: هو اتجاه خاسر، يمكِّن إسرائيل، يمكِّن العدو اليهودي، اللوبي اليهودي العالمي، من إخضاع من يخضع له، واستغلاله بدون محبة، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران : 119]، بدون محبة، مع أنه سيبقى عدواً حتى لهم؛ إنما يستغلهم.

سلبية اتجاه موقف الجمود: الجمود هو استسلام، الجمود هو تمكينٌ للعدو، الجمود هو تكبيلٌ للأمة، تكبيلٌ للأمة عن التحرك، مخالفة لمنهج القرآن الكريم، الجمود يترتب عليه تعاملٌ باستهتار تجاه هذا الخطر وتجاه كل قضايا الأمة، كل واقع الأمة، من لديهم اتجاه في العمالة، أو الجمود، هم الأكثر سلبية في الواقع الداخلي للأمة، ليس عندهم أي حرص على وحدة كلمة الأمة، ولا على أن تكون أمةً قوية، ولا على معالجة أي مشاكل من مشاكلها بكل جدية.

إذاً الاتجاه الصحيح واضح، يبقى أن يكون المسار مستمراً، وأن يكون هناك جدية كبيرة جداً في الحديث عن هذا العدو، والأنشطة العملية على كل المستويات.

في الختام: نؤكد أولاً على ثباتنا على موقفنا المبدئي الإيماني، في مناصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف مع كل الأحرار في أمتنا، ومحور المقاومة، في السعي لتطهير كل بلاد المسلمين من العدو الإسرائيلي وتحرير المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.

ثانياً: نؤكد وقوفنا مع كل شعوب أمتنا في كل قضاياها ومظلومياتها في العراق، ولبنان، وسوريا، والبحرين، والأقليات المسلمة المضطهدة في سائر أنحاء المعمورة.

أتوجه إلى شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن المواقف الإيمانية، يمن الرجولة والشجاعة والثبات، يمن التضحية والصمود، بهويتك الإيمانية أنت يا شعبنا اليمني، أنت تمثل إزعاجاً كبيراً لهذا العدو الإسرائيلي، من بداية ثورتك الشعبية وهو يعلن ويعبر عن انزعاجه الشديد منك، من ثورتك، من مسارك التحرري، من مسيرتك القرآنية، من توجهك القرآني، من وعيك، من تحركك الجاد، إلى درجة أنه قال: أنك تشكل خطورةً عليه أكبر من النووي الإيراني، ينزعج اليوم من تطويرك لقدراتك العسكرية؛ لأنها قدرات معها وعي، معها إيمان، معها موقفٌ صحيح، موقفٌ ثابت، موقفٌ صامد، موقفٌ لا يتغير بفعل الضغوط، ولا بفعل عدوان العملاء والخونة والأدوات التي يعتمد عليها الأعداء، ولذلك كنت بارزاً في موقفك، صادقاً في موقفك، جاداً في موقفك وتوجهك، في كل مناسبات يوم القدس الماضية كان لك الحضور البارز، والحضور المشهود، والحضور المشرف في الساحات، وأنت تعبر عن موقفك الصادق، آمل في يوم الغد- إن شاء الله- أن يكون الحضور في هذا العام، في يوم القدس العالمي، عصر غد الجمعة، مشرفاً، كما في الأعوام الماضية، وحضوراً يعبر عن هذا الانتماء الإيماني الأصيل، عن هذا الوعي القرآني لشعبنا العزيز، عن رجولته، وشهامته، وشجاعته، وعطائه، وإبائه، وثباته.

في نهاية المطاف نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

قد يعجبك ايضا