الغزو الفكري الثقافي المعروف بـ”الحرب الناعمة “أشد خطراً من الغزو العسكري ، إن ضرب الناس بالقنابل والصواريخ أسهل من غزو أفكارهم وتغيير وتبديل ثقافاتهم وقناعاتهم الدينية والوطنية، الصاروخ أو القنبلة قد تقتلك وتنهيك وقد تجرحك وتتعافى وتذهب آثارها بعد سنوات، ولكن الغزو الفكري والثقافي يقتل فيك عقلك يخدر مروءتك وُيميت ضميرك الإنساني ويمسخ فطرتك وهويتك ويغير قناعاتك وتوجهاتك وإيمانك ويجعلك تتقبل كل ما يأتي به الأعداء المستبدون والغزاة المحتلون والطغاة الظالمون ، ويحولك إلى دمية تخدم الباطل، والظالم وتنشر الثقافات الخاطئة والمغلوطة بين الناس وتؤثر في أغلب من حولك . إنِّ أثر الغزو الفكري والثقافي أثر الأفكار المغلوطة الخاطئة يبقى على كل الأجيال القادمة حتى لو انتهى رموز الباطل، تظل الأفكار المغلوطة راسخة في قلوب الذين تأثروا بها، ولنا عبرة في بني إسرائيل الذين عبدوا العجل وأضلهم السامري بعجله وباطله وثقافته الخاطئة قال الله في التعبير القرآني :” وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ” ، تعني الآية أنه لم تنتهِ حكاية من تأثروا بالثقافة المغلوطة وانحرفوا عن الحق مع العجل بإلقائه في البحر ولم يقتنعوا بعد أن تبين أن ما عبدوه لا يستطيع أن يفعل لهم شيئاً ولا يستطيع حتى حماية نفسه ، ولم ينتهوا عن عبادته في الحقيقة أبدا فكأنما قد ترسخ في عقولهم وانطبع في قلوبهم وفي أول موقف لهم مع نبي الله موسى قالوا : “سمعنا وعصينا” ثم بعد كل تلك الآيات الربانية والمعجزات العظيمة : “قالوا أرنا الله جهرة ” ، هكذا سيكون مصير العقول التي تأثرت بالثقافات المغلوطة ودُجنت بالغزو الفكري .. تنحرف عن الحق إلى مزالق الباطل وتتحول عن الإيمان بالحقيقة إلى تصديق الكذبة والخديعة ؛ فيطبع الله على القلوب، فلا تنفع معها فصاحة أهل الحق وتجلي حقائقهم ولا شدة بأسهم ومصداقية قضيتهم وعدالتها ولن تؤثر فيها آيات ولا معجزات لأنها قد آمنت بما جاء به الفاسدون بغزوهم الفكري ، عكس الحرب العسكرية الصلبة التي ينتصر فيها العنصر الحر وتكون العاقبة فيها لأصحاب الأرض وأهل الحق عكس ذلك تماماً ، لذلك يحتم علينا الواجب الديني والوطني والإنساني حماية أنفسنا وأجيالنا من الوقوع في فخ غسل الأدمغة وذلك بنشر الثقافة القرآنية وترسيخها في المناهج التعليمية وإعداد الأفلام الوثائقية والحلقات والبرامج الثقافية عبر الوسائل الإعلامية وتوضيح خطورة تلك الثقافات وأهمية محاربتها وضرورة التمسك بالهوية الإيمانية لعامة الناس وهي السبيل لإنعاش الأفكار من الكساد صناعة الوعي اللازم ضرورة حتمية للبقاء والبناء والارتقاء .