على مر التاريخ واختلاف البلدان والدول والحكومات والأنظمة، تبرز مظاهر الظلم والفساد وتستشري أساليب القمع والاستبداد عندما تحيد المجتمعات عن التوجيهات الإلهية ومبادئ العدالة والفطرة الإنسانية، ومالم تتحرك الشعوب لرفض جبروت الطاغوت وتسلط الأشرار فتستمر المعاناة، وهنا يأتي دور أولئك الشجعان الذين امتلأت نفوسهم عزةً وإباءً ، وقلوبهم الرحمة والصفاء، فيقدمون مصلحة مجتمعاتهم وشعوبهم على مصالحهم، ويصدعون بكلمة الحق ضد أهل الباطل والشر، يحيون ضمائرَ ماتت، ويحركون مشاعرَ جَمِدت، ويستصرخون أفواهاً خرست، ينتصرون لمظلومٍ كاد الجلاد أن يرديه، ويضحون بأنفسهم في سبيله، مستضعف كاد الجوع والقهر أن يفنيه، ويقدمون أرواحهم رخيصة ثمناً ليصحو شعب من غفلته وينتشر وعي تنهض به أمة.
فمن سار على نهجِ سيدنا ونبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله في الصبر على الظلم من مجتمع هو الأحرص عليه، فقد عزّ عليه أن يبقى الناس في واقع الاستعباد وامتهان المرأة وقتل الطفلة وضياع الحقوق ، وبقي صلوات الله عليه وعلى آله صادعاً بالحق و داعياً للإسلام والسلم والسلام والرأفة والمحبة “لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”.
كذلك من سار على نهج الإمام علي عليه السلام الذي رفض إخضاع مبادئ العدالة لمصالح بناء الدولة بالمتسلطين والفاسدين ، وسَطّر أعظم دستور ومنهج لإدارة وتثبيت دولة الحق، فكان عهده لمالك الأشتر رضوان الله عليه مرجعية للإنسانية منذ أن كتبته يداه الكريمة وحتى اليوم في مواثيق الأمم المتحدة وجدرانها ، أيضا من سار على نهج أبنائه المعلنين تسخير أنفسهم وأموالهم وأولادهم لنصرة دين الله الحق، ودفاعاً عن المستضعفين وتثبيتاً لمبادئ الإنسانية وأسس العدالة والحرية .
هكذا هم المدافعون عن حقوق الإنسان بصدق هم من النماذج الأعظم في تاريخ البشرية، هم من يتحركون بلا شروط وبلا دعم ولا مساندة ، هم الأكثر تعرضاً لمحاولات القمع والإسكات والترهيب ، لكنهم يأبون ويكونون دائماً الأكثر صموداً وثباتاً وتصميماً لمواصلة المسير في طريق أولئك العظماء الذين خلدهم الله في التوراة والإنجيل والقرآن، وخلدتهم البشرية في كُتُبِها ونقوشها وملاحمها وقِصَصِها الشعبية التي ترويها الأمهات والجدات لأطفالهن في كل ليلة شتاء طويلة .
وفي زمننا المليء بالحروب التي لم تشهد لها البشرية مثيلا ، في عصر تسلطت فيه قوى الشر وهيمنت على الشعوب بسياسة الاستبداد وانتهاك الحقوق ونهب الثروات، وفي بلادنا التي تعاقبت عليها الأنظمة الظالمة والزعامات الفاسدة، كأن الصبر عنواناً غالباً، والثورة صرخةً خاتمةً لكل نظام عميل رجح انصياعه للطاغوت وتحقيق مصالح المحتل على مصلحة بلاده وشعبه.
وبعدت أن سطرت الحرب على اليمن للعام السادس على التوالي ودخولها العام السابع أقسى أنواع الظلم والاضطهاد تجاه شعبنا اليمني الحر نذكر اليوم من ضحوا بأنفسهم لأجل حرية هذا الشعب وكرامته وهم الصحفي المدافع عن حقوق الإنسان الشهيد عبدالكريم الخيواني، والمدافع عن حقوق الإنسان الشهيد محمد عبدالملك المتوكل، والمدافع عن حقوق الإنسان المحامي الشهيد حسن عباس عنتر.. هؤلاء الذين هم وغيرهم الكثير قدموا أرواحهم فداءً لقضية هذا الوطن ومظلومية شعبه، وكانوا ممن التحقوا بركب مسيرة أعظم شهداء الأمة في عصرنا الحالي ، مًخرج اليمنيين من الظلمات إلى النور، ومن الاستعباد إلى السيادة ، ومن الذل إلى العزة، ومن الجهل إلى الوعي، ومن القبول بالظلم إلى الدفاع عن مظلومي العالم، من أشعلت حميتَه دموعُ ثكالى العراق وأنينُ أسيرات فلسطين ،وحركتّهُ صرخاتُ أطفال أفغانستان، فلم يحتمل ناشرو الموت من تجار الحروب وقاتلي الأطفال بدعائه عليهم بالموت، وضاق تجار الرقيق والدعارة ذرعاً بلعنته التي حلت عليهم، وهم من اتفقت البشرية على نبذهم ولعن أفعالهم المدمرة للمجتمعات والقيم الإنسانية، ونسي البعض أن اللعنة حلت على من رضي بتلك الأفعال أو سكت عنها ولم يحرك ساكناً، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [سورة المائدة 78 – 79] ، فلاحقوه من أجل فكرة، وقتلوه بسببِ كلمة ، إنه السيد الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وعلى جميع الشهداء .