وقف الحرب على اليمن.. هل يشمل وقف التدخل وفك الحصار؟
شارل ابي نادر
كان منتظرًا قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالعمل على وقف الحرب على اليمن، وذلك بالاستناد إلى مسار سابق من مواقفه حول الملف، قبل انتخابه رئيسًا وبعده. وفي كلمة له في وزارة الخارجية الأمريكية، أشار إلى أنه طلب من فريقه المختص للشرق الأوسط العمل لوقف إطلاق النار لإيصال المساعدات الإنسانية وفتح الحوار. وكان قد شدد في كلمته على أنه: “يجب أن تتوقف الحرب على اليمن، وسنوقف كل دعمنا للعمليات الهجومية”، وقد تم عمليًا تعيين تيم ليندركينغ مبعوثًا أميركيًا خاصًا إلى اليمن للدفع باتجاه حل دبلوماسي.
وأيضًا، لم يتأخر الطرفان الأساسيان في العدوان على اليمن، السعودية والإمارات، عن ترحيبهما بقرار الرئيس الأمريكي، الأمر الذي كان أيضًا منتظرًا، ليس لأن كلًّا من السعودية والإمارات مقتنعة ذاتيًا بوقف الحرب على اليمن، لأنها كانت عمدت إلى ذلك من تلقاء نفسها، وكان لديها المتسع من الوقت (ستة أعوام كاملة) من العدوان العقيم والفاشل إلا فقط في دمار اليمن وقتل أبنائه، بل لأنها مرغمة من ناحية، حيث لا مجال للرفض والاعتراض على قرار الرئيس الأمريكي، وأيضًا لأنها وجدت في ذلك مخرجًا مقبولًا لفشلها ولعجزها عن تحقيق أي من أهدافها من العدوان على اليمن، وأيضًا، لأنها وجدت من ينتشلها (رغما عنها) من مستنقع الهزيمة في اليمن.
عمليًا، أن يعلن الأميركيون وقف الحرب على اليمن وبالتحديد كما قال الرئيس بايدن “وقف دعم العمليات الهجومية”، فهذا غير كافٍ لوقف الحرب، لأن الدعم الديبلوماسي والسياسي أمام مؤسسات المجتمع الدولي كان فاصلًا وأساسيًا لإبقاء السعودية والإمارات قويتين أمام المعارضة الدولية للعدوان على اليمن، كما أن اليمنيين لم يعودوا بحاجة لمن يوقف دعم العمليات الهجومية عنهم، لأنهم صمدوا ودافعوا وقاتلوا وانتصروا رغم الدعم الواسع – الأميركي وغيره – لدول تحالف العدوان.
أيضًا، ليست المرة الأولى التي يصرح فيها السعوديون والإماراتيون أنهم ملتزمون بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية أو وقف دعمها في كافة الميادين اليمنية، وكانوا عمليًا، يتجاوزن وقف اطلاق النار بشكل شبه متواصل، وأساسًا، أغلب سيطرتهم الميدانية – في بداية الحرب طبعًا وليس مؤخرًا، حيث غابت هذه السيطرة بالكامل مؤخرًا – كانت تتم أثناء وقف اطلاق النار، مستغلين التزام الجيش واللجان الشعبية ووحدات “أنصار الله” بوقف النار والعمليات العسكرية.
فكلام الرئيس الأميركي عن وقف الحرب على اليمن، وترحيب العدوان بذلك، لا يعني شيئًا من الناحية العملية بتاتا، إلا بعد معالجة الكثير من النقاط، والتي أشار إلى بعضها رئيس وفد حكومة صنعاء المفاوض محمد عبد السلام.
فقد قالت الإمارات، إن قواتها أنهت تدخلها العسكري في الأزمة اليمنية في أكتوبر من العام الماضي، ولكن عمليًا، الإمارات سلَّحت الكثير من الأطراف اليمنية الجنوبية والساحلية، وهي ترعى مسلحي المجلس الانتقالي أو المجلس الجنوبي، والذين يسيطرون على أغلب المؤسسات الرسمية والعسكرية جنوبًا، ويتصرفون وكأنهم دولة أو كيان ذاتي، ترعاه أبو ظبي، بالإضافة لتعاونهم مع وحدات عسكرية واستخبارية إسرائيلية في جزيرة سقطرى وبعض النقاط الساحلية على خليج عدن والمكلا وغيرها.
السعودية أيضًا رحبت بقرار الرئيس بايدن، وأكدت: “استمرار دعمها للجهود الدبلوماسية للتوصل لحل سياسي شامل في اليمن.. ودعمها للشرعية اليمنية سياسيًا وعسكريًا”، وهنا تكمن مشكلة التدخل السعودي، والذي ما زالت مصرّة على القيام به ضد اليمن.
فعندما تقول الرياض، وكما كانت تدعي منذ بداية الحرب، إنها تدعم الشرعية عسكريًا وسياسيًا، فهذا الدعم العسكري بالتحديد “للشرعية” كما تدّعي، هو العدوان بحد ذاته وهو الغطاء الخادع لشن حربها على اليمن، ويبدو أنها ما زالت سائرة به، تحت عنوان “دعم الشرعية عسكريًا وسياسيًا”، حيث المقصود أيضًا بـ “الدعم السياسي”، إبقاء الشرذمة الداخلية ومتابعة الدفع نحو تمترس الأطراف التي تدعمها على مواقفها المتصلبة، وهذا أيضًا شكل من أشكال العدوان، تمامًا كما هو الدعم العسكري المذكور “للشرعية”.
الرياض تقول إنها حاليًا لم تعد تتدخل مباشرة، ربما الكلام صحيح في مكان ما، وخاصة في الميادين الداخلية، وذلك تمّ أو تحقق بعد تعرّض وحداتها للهزيمة والانكسار في سلسلة من المعارك الشرسة التي خاضتها بمواجهتها وحدات الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله، وهي اليوم ما زالت تتدخل وبفعالية عبر مرتزقتها، بعد دعمهم بالسلاح والمال والمعلومات الاستخبارية.
صحيح أن السعودية قد توقِف طلعاتها الجوية، وستطلب فورًا وقف أنصار الله إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو عمقها، ولكن عمليًا، هي مؤخرًا أصبحت عاجزة عن تأمين الحماية بشكل كامل لقاذفاتها وطائراتها المسيرة، بعد تنامي فعالية الدفاع الجوي اليمني، وبعد أن أصبح الاستهداف الاستراتيجي اليمني بالصواريخ والمسيرات ضاغطًا عليها ولا تستطيع مواجهته، وستجد حتمًا اليوم في وقف إطلاق النار خلاصًا لها، وسيكون الوضع مناسبًا لها، مع إبقائها على نقاط الضغط على اليمنيين، وأهم نقاط الضغط هذه هي الحصار.
وهنا بيت القصيد، ستحاول الرياض إبقاء سيف الحصار مصلتًا على المناطق اليمنية وخاصة الشمالية والوسطى شرقا، وستدعي أن هذا الحصار هو بإشراف ورعاية الأمم المتحدة، بحجة منع إدخال السلاح إلى أنصار الله.
لذلك، من دون رفع الحصار وتسهيل التفاوض المتكافئ بين الأطراف اليمنية، ودون الاعتراف بحقوق كافة مكونات الشعب اليمني، السياسية والاجتماعية، ودون انسحاب كل ما يمكن أن يُطلق عليه “تواجد سعودي أو إماراتي عسكريا كان أم سياسيا”، من محافظات الجنوب والشرق (مارب وحضرموت والمهرة) ومن المدن والموانئ الجنوبية، ستبقى الحرب عمليًا، وسيبقى العدوان فعليًا، والأهم، من دون أن ينتهي وبشكل كامل، أي شكل من أشكال التواجد الصهيوني، المباشر أو غير المباشر، في الجزر والسواحل والممرات البحرية والموانئ اليمنية ومياهها الإقليمية، تكون الحرب ما زالت قائمة على اليمن، ويكون العدوان ما زال مستمراً عليها بكافة عناصره وأشكاله.