جو بايدن ودبلوماسية ترويض البقرة ودعم العدوان
منير إسماعيل الشامي
مما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تعامل مع نظام الرياض بالأسلوب الذي يناسبه، وهو الأسلوب الذي يتقنه فهو لا يعرف الدبلوماسية ولا يعي أصلا مفهومها ولا يدرك فنونها مثله مثل أعراب نجد فهم كانوا ولا زالوا لا يفقهون في هذه الحياة إلا فنون التعامل مع الإبل والشاة والبعير فهم رعاتها، وترامب صار في فترة ولايته راعيهم ولذلك ارتاحوا له وأحبوه وهو ارتاح لهم وحقَّرهم ، نظر إليهم كما لو كانوا أبقارا وجعل من نفسه راعيا لها وربما أنه تأثر بقصص رعاة البقر في القارة الأمريكية وأراد أن يجسَّدها فجسَّدها في تعامله مع ممثلي نظام الرياض من أعراب نجد، فساقهم كما كان يسوق أسلافه الأبقار واحتلبهم جهارا نهارا كما كان يحتلب أجداده قطعان الأبقار في براري أمريكا، فجعلهم خلال ولايته مسخرة أمام شعوب وأنظمة العالم فشبّههم بالبقرة وشبَّه نفسه بالحالب لها.
جو بايدن هو الآخر يريد أن يكون حالباً بارعا للبقرة ولكن ليس في العلن مثله مثل من سبقوا ترامب، ويبدو أنه يريد أن يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في كمية الحليب التي سيحلبها من بقرة نجد، والدليل على ذلك أنه بدأ في تهيئة البقرة الحلوب خلال حملته الانتخابية وقبل أن يصل إلى البيت الأبيض، فتوعَّد نظام الرياض وعرَّى حقيقتهم وفضحهم وأهانهم ولكن بأسلوب دبلوماسي ذكي وليس بأسلوب راعي الأبقار.
وها هو جو بايدن اليوم وبعد أن أصبح رجل البيت الأبيض يلتزم نفس الدبلوماسية في تعامله مع بقرة نجد ويصرِّ أن يهيئها لإدرار الحليب والخضوع المطلق له بطريقة دبلوماسية من خلال إعلان تجميد صفقات أسلحة سبق لنظام الرياض ونظام دبي إبرامها مع حكومة ترامب، وهدفه بالطبع الضغط على البقرة والماعز وتحفيزهما على إنتاج الحليب بكميات تفوق قدراتهما حتى ولو استخدم معهما منشطات الإدرار بمختلف أنواعها.
قد يظن البعض أن تجميد تلك الصفقات المعلن من قبل حكومة بايدن يأتي في طريق تنفيذ التزاماته المعلنة في حملته الانتخابية، لكن ذلك غير صحيح، فما يهمه هو الحليب الوفير وليس هدفه إيقاف الحرب على الشعب اليمني إطلاقا، لأنه لو كان هدفه وقف العدوان لما كان التجميد هو القرار تجاه صفقات الأسلحة الأمريكية، بل سيكون هو الإيقاف النهائي كخطوة أولى ، ولو كان صادقا وجادا في تحقيق وعوده بوقف العدوان لعرف ما عليه فعله، لأنه يعلم أن مشاركة أمريكا في العدوان على اليمن لا يقتصر على بيع الأسلحة فقط، بل يعلم أن مشاركة دولته مشاركة مباشرة ومحورية وأكبر من ذلك بكثير. فهو يعلم أن بوارج البحرية الأمريكية المنتشرة في البحرين العربي والأحمر هي من تفرض الحصار على اليمن وهي من تقصف بصواريخها وقنابلها الذكية الموجهة أطفال ونساء اليمن بين الحين والآخر، وهو يعلم أن غرف عمليات العدوان تتحكم بها وتتولى إدارتها فرق مختصة من الجيش والاستخبارات الأمريكية، ويعلم أن الأقمار الصناعية الأمريكية مسخَّرة بطواقمها لخدمة العدوان وعلى مدار الساعة، ويعلم أن الإمداد اللوجستي لطيران العدوان أمريكي يشمل إمدادا ووقودا، ويعلم أن هناك قوات وفرقا أمريكية استخباراتية متواجدة في عدد من المحافظات الجنوبية لتنفيذ مهام حربية هو أدرى بها ويعلم غير ذلك الكثير وأن هناك الكثير والكثير من الأمور التي عليه أن يقوم بها فيما لو كان صادقا تشمل مختلف الأصعدة العسكري منها، والدبلوماسي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والإنساني وغير ذلك.
محاولة وزير خارجيته مؤخرا العمل على تجميل صورة دولته المضرجة بدماء وأشلاء اليمنيين والملطخة بمعاناتهم وآهاتهم لست سنوات، ليست سوى مكياج لن يستطيع تثبيته في وجه أمريكا فوق تلك الدماء المتدفقة والأشلاء المتناثرة عليه، ولذلك فمن المستحيل أن ينجح بايدن ووزير خارجيته في هذا الأمر إلا إذا تحركا لوقف العدوان وعلى مستوى مختلف الجوانب، وهذا ما لا يمكن أن يحدث لأنه يتعارض مع مصالح وأطماع أمريكا وإسرائيل في المنطقة وأولها السيطرة العسكرية على البحرين الأحمر والعربي، وهو ما تسعى أمريكا والعدو الإسرائيلي إلى بلوغه بكل الوسائل وشتى الطرق.