مغالطات تقرير الخبراء الدوليين حول اليمن..
رشيد الحداد
عكس التقرير النهائي لفريق الخبراء التابعيين للأمم المتحدة الدور الضعيف والهش للمنظمة الأممية ، فالتقرير اعتمد على مصادر مشكوك فيها واستند على معلومات معظمها مضللة وموجهة لصالح طرف من أطراف الصراع ، بل أغفل الكثير من الحقائق التي كان يفترض بالفريق الكشف عنها بشكل محايد على الأقل، فما تحدث عنه في الجانب الاقتصادي كان جزءا من كل ، ومفسدة صغرى لتشويه الرأي العام الدولي ومجلس الأمن الدولي عن جرائم فساد كبرى ارتكبت من قبل تحالف العدوان وأدواته بحق الاقتصاد اليمني ، وعندما نتحدث عن اقتصاد دولة لا يقتصر الحديث عنه عن تلاعب طرف من الأطراف الموالية لتحالف العدوان بالوديعة السعودية لتحقيق كسب غير مشروع ، فالوديعة السعودية المقدمة من الجانب السعودي مطلع العام ٢٠١٨م ، والمقدرة بملياري دولار سحبت عبر ٣٩ عملية بموافقة الجانب السعودي وتم استثمارها منذ أول عملية سحب لطالبي الاعتماد من التجار بسعر ٤٤٠ للدولار وكان حينها سعر الصرف في السوق السوداء ٥٠٦ ريالات ، وظل بنك عدن يمول خمس سلع غذائية فقط أقرّها البنك في عهد المحافظ المقال أواخر العام ٢٠١٩م محمد زمام بنفس السعر حتى وصل فارق السعر إلى ١٥٠ ريالا للدولار الواحد وما فوق ذلك ، بينما كانت معظم السلع المستوردة عبر الوديعة تباع بسعر الدولار في السوق السوداء زائد هامش يتجاوز ١٥٠ ريالا .
ولذلك ركز تقرير الخبراء على فارق السعر الذي ذهب لصالح التجار والذي قال إنه بلغ ٤٣٠ مليون دولار ، والحقيقة أن فارق سعر الصرف الذي ذهب لغير المستحقين أكثر من ٤٠٠ مليار ريال يمني ، ولكن فارق سعر الصرف نعتقد انه لم يذهب كله لصالح التجار ، والدليل أن الكثير من التجار الذين تأخرت الموافقة على طلباتهم لفترات كبيرة والبعض منهم اضطروا إلى سحب أموالهم ولجأوا إلى السوق السوداء لتغطية فاتورة وارداتهم ، والسبب التلاعب الذي حدث من قبل بنك عدن بطلبات التجار فكان هناك مجموعة من تجار الأدوية والمواد الأساسية تمرّر طلباتهم دون أي إعاقة والسبب أنهم عرفوا كلمة السر المتمثلة بتقاسم فارق السعر ودفع عمولات كبيرة وفق قاعدة مشّي لي هذا الطلب وحقك محفوظ .
الجانب الآخر الذي لم يتطرق إليه التقرير أن هناك عمليات سحب من الوديعة وهمية ، بمعنى أن الجانب السعودي وافق على عمليات لغرض تمويل واردات لم تصل الموانئ اليمنية أو ربما تم بيعها في أسواق دول أخرى ، وهذا الأسلوب ليس غريبا بل تكرر خلال سنوات الحرب وقبلها وكان يتم سحب عشرات الملايين من الدولارات تحت ذريعة تغطية فاتورة استيراد ولكن لم تصل الشحنات والبعض منها رست في موانئ دول القرن الأفريقي وهو أسلوب من أساليب تهريب العملة للخارج .
يضاف إلى أن التقرير اكتفى بصراعات جماعات حول البزنسس وتوّه الناس عن مصير قيمة الوديعة السعودية المقدرة بـ ٢ مليار دولار ولو افترضنا أنها احتسبت بسعر ٤٤٠ ريالا للدولار سنكون أمام عائد من السيولة بالعملة المحلية يقارب التريليون ريال ، يضاف إلى أن حكومة هادي طبعت حتى أواخر ٢٠١٩م أكثر من ١.٧ تريليون ريال ولم تصل كلفة تلك العملة المطبوعة بدون غطاء حتى ٢٥٠ مليون دولار . وهذا ما يأكد بأن تقرير الخبراء التابعين للأمم المتحدة هش وموجه ومضلل بل ومكتوب من قبل أطراف الصراع ووفق رغباته ، وعكس حالة الصراع بين جماعات المصالح في حكومة هادي حول الوديعة ، فقد تجاهل الخبراء الدوليين مصير إيرادات النفط والغاز اليمني الذي يعد أهم مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة وبنسبة تتجاوز ٦٠%، وهذا المصدر الهام للعملات الأجنبية يتعرض للنهب والتقاسم من قبل دول العدوان وتورد عائداته إلى حسابات في بنوك سعودية ، ولا يعلم الشعب اليمني عن تلك الإيرادات كم حجمها وما مصيرها وكيف تصرف ومن يصرفها وعلى ماذا تصرف ، خصوصا وأن صادرات النفط الخام من موانئ شبوة وحضرموت تصل سنوياً إلى ٢.٧ مليون برميل ، وتتجاوز إيراداتها اكثر من مليار دولار سنويا في حال ما كان سعر برنت أقل من ٤٠ دولارا ، ووفق للتقارير الرسمية بلغت إيرادات صادرات النفط اليمني خلال الفترة ٢٠١٦_٢٠١٩م ٣.٦ مليار دولار ، أي بزيادة ١.٦ مليار دولار عن الوديعة السعودية ، بينما لم يتحدث التقرير عن خسارة اليمن نتيجة منع الإمارات تصدير الغاز المسال وتعمّدها تحويل ميناء بلحاف الذي يعد ثاني اكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في المنطقة إلى قاعدة عسكرية وهو ما أحرم الاقتصاد اليمني من عائدات من العملة الأجنبية تتجاوز مليار دولار وقد تصل إلى مليار ونصف المليار دولار كتقدير أولي.
التقرير الذي تعمد انتقاء بعض الكوارث الاقتصادية فقط وتحدث عن ضلوع بنك عدن في جرائم غسيل أموال لم يتحدث عن ضلوع البنك نفسه في عمليات مضاربة وتلاعب بأسعار صرف العملة التي كُلّف بإدارتها في السوق وحمايتها من أي تلاعب ، ورغم أن التقرير لم تأت فيه أي إشادة لحكومة هادي لكنه لم يشر إلى مصير الكميات الضخمة من العملة المطبوعة وأين صرفت ومن صرفها ولمن ، خصوصا وان إجمالي الأموال المصروفة لموظفي بعض القطاعات في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء لا يصل حتى ١٠ مليارات طيلة الفترة ٢٠١٨_ ٢٠١٩م ولم يتم صرف معظم رواتب موظفي الجنوب ، ونظراً لأن السعودية والإمارات لا تريد الحديث عن هذه الملفات وفصّلت التقرير وفق رغبات بعض أجنحتها ووفق مصالحها ، والملاحظ أن بصمات الناشطين الموالين للإمارات وآخرين موالين للسعودية واضحة ، فقد اتهم الحوثيين باستخدام الإيرادات في تمويل العمليات العسكرية وهو أمر طبيعي كون دعم الجبهات يحتل أولوية قصوى لدى حكومة صنعاء ولدى المواطنين أيضاً في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي وإن كان الحديث عن ١.٨ مليار دولار مبالغا فيه ، ولكن التقرير الأممي لم يتطرق إلى مصير إيرادات نفط وغاز مأرب التي تصل يومياً إلى ٧٠٠ مليون ريال من دون الإيرادات الأخرى من الضرائب والجمارك ورسوم الخدمات الحكومية التي تم نقلها من صنعاء كجوازات السفر وغيرها ، وتجاهُل الحديث عن مصادر تمويل أكثر من ٩٠ الف جندي تابع للانتقالي الجنوبي وبالمثل مجندي القوات التابعة للتيارات والشخصيات الموالية لتحالف العدوان ، فتلك المليشيات معدل إنفاقها المالي كبير ولكن لم يذكرها التقرير الأممي ، كما لم يذكر جرائم تهريب الأموال من الداخل والتي تقف وراءها قيادات سياسية وحزبية وعسكرية كما تؤكد تقارير رسمية لدول عربية وإقليمية والتي تتحدث عن شراء قيادات موالية للعدوان الآلاف من الفلل والمنازل في عواصم دول عربية وفي دبي وإسطنبول وحتى جزر المالديف واليوتان، وصلت أموال الشعب اليمني المنهوبة كاستثمارات وشركات من قبل تجار الحروب خلال السنوات الماضية وتسببت بتدهور سعر صرف العملة. تراجع المستوى المعيشي لكل اليمنيين .
ختاماً.. تقرير الخبراء الدوليين انتقائي وموجّه وغير محايد وما جاء فيه يعكس هشاشة الدور الأممي في اليمن منذ ست سنوات وعمل المنظمة المنحاز لمن يدفع أكثر ولم تنحاز إلى مبادئها .