> تتوالى الأحداث ويستمر العبث والمتاجرة بتراثنا وحضارتنا بل وهويتنا ولعل آخر الاحداث التي تم اكتشافها مؤخرا في مدينة الحديدة وتحديدا في مديرية القناوص عندما كشف الأهالي مجموعة كبيرة من المخطوطات مع أحد المهربين في طريقها إلى التهريب خارج البلاد فقاموا على الفور بالإبلاغ الجهات الأمنية التي قامت بدورها بضبط المخطوطات ومهربيها وتم إيداع المخطوطات في دار المخطوطات بصنعاء واقتياد المهرب إلى السجن لينال جزاءه ولكن ما يبعث على القلق والاستغراب في آن واحد هو أن المهرب اعترف بأنه اشترى أربع مخطوطات من سوق الملح بصنعاء القديمة وهذا ما أكده لنا الأخ مجاهد اليتيم وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية.
وإذا ما تتبعنا الأحداث التي تتعرض له الآثار اليمنية والتراث بشكل عام وتحديدا المتاجرة والبيع والسمسرة فإننا نجد أن سوق الملح يحضر وبقوة في الحوادث المكتشفة وما خفي كان أعظم.
فماذا يتم في سوق الملح وهل أصبح هذا السوق القديم مركزا لمافيا الآثار والمتاجرين بحضارة هذا البلد ثم أين الجهات ذات العلاقة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية هل هي في سباق عميق فمتى تصحو وتقوم بواجباتها إزاء الحضارة والتاريخ.
لعل البعض يتذكر ما نشرناه في ملحق الثورة السياحي في لقائنا مع أحد الدبلوماسيين الاجانب الذي قام بإهداء مجموعة من القطع الأثرية للهيئة العامة للآثار وعددها »17« قطعة وصفها المختصون بالهيئة بأنها نادرة ومتميزة تعود إلى عصور ما قبل الإسلام وعندما سألنا الدبلوماسي وكذا هيئة الآثار من أين حصل هذا الدبلوماسي الصديق على هذه القطع كان الجواب غير متوقع اشتراها من سوق الملح.
متاجرة في قلب العاصمة
> إذا تحدثنا عن عمليات نهب وتخريب للآثار في مناطق الجوف ومارب وشبوة وأبين وغيرها من المحافظات التي يضعف فيها تواجد الدولة فقد تكون الأمور شبه متوقعة لكن أن يصل العبث والتخريب والمتاجرة بتراثنا إلى العاصمة حيث توجد الدولة بكامل قوتها وأجهزتها الأمنية أليس هذا أمر مخزن وما يبعث عن الاستغراب أيضا أن القطع الأثرية يتم إحضارها من الجوف ومارب ليتم بيعها والمتاجرة فيها لمافيا الآثار في سوق الملح بالعاصمة صنعاء على مرآى وعلم من الجميع فها هو وكيل الهيئة العامة للآثار والمتاحف الدكتور عبدالرحمن جار الله في لقاء سابق معه يتحدث عن علم الهيئة بوجود عمليات متاجرة للقطع الأثرية بسوق الملح وتواجد كثيف لمافيا الآثار بحيث أصبح هذا السوق التقليدي القديم مرتعاٍ لعمليات المتاجرة والتهريب للآثار اليمنية مؤكدا أنه تم الإبلاغ عن أحد السماسرة وهو عربي الجنسية يقوم بعمليات المتاجرة بالتعاون مع سماسرة يمنيين وتم إبلاغ الجهات الأمنية بهذا السمسار ولكن لم يتم شيء.
وأشار إلى أن بعض تجار الأنتيكات التقليدية القديمة يمارسون هذا العمل كغطاء أو واجهة لممارسة عمليات المتاجرة بالآثار اليمنية وقال إن عمليات النبش والتخريب التي تتم في المحافظات تجد نصيباٍ كبيراٍ منها يهرب إلى سوق الملح حيث توجد مافيا الآثار.
يقال عن سوق الملح وعلاقته بمافيا الآثار وتجارها يجعلنا نشبه هذه الحالة بحالات سرقة الهواتف النقالة والتي تتجمع معظمها للبيع في باب اليمن وأضحى معروفا عند الكثيرين أن باب اليمن بات مرتعا لمعظم »نشالي« الهواتف النقالة مع العلم أن المسافة بين سوق الملح وباب اليمن قريبة جدا والجهات الأمنية على علم بهذا الموضع ايضا لكنها أذن من طين وأخرى من عجين كما يقال.
سرعة التحرك مطلوبة
> الدكتور عبدالله عوبل وزير الثقافة يؤكد أن الآثار في كل البلاد يتم المتاجرة بها ووزارة الثقافة ليس من اختصاصها ملاحقة المتاجرين وهذه مهمة رجال الأمن ومهمة المواطن أيضاٍ الذي ينبغي أن يتعاون مع الجهات الأمنية في الإبلاغ عن أية عمليات اتجار بالآثار باعتبار أن هذه الآثار هي ملك عام لكل أبناء الشعب.
وفيما يتعلق بسوق الملح وما يدور به من عمليات متاجرة بالآثار دعا الدكتور عوبل الأجهزة الأمنية إلى تحمل مسؤوليتها والعمل المباشر والسريع على التحقيق والتحري من هذا الموضوع بيد أن الأخ وزير الثقافة أشار إلى أن الوزارة لم تتسلم بلاغاٍ واحداٍ من أي جهة بحالات بيع ومتاجرة فقط موضوعات تكتب عبر الصحف.
وبعد مكاشفة الأخ الوزير وتذكيره بالحالات التي تؤكد وجود عمليات متاجرة في سوق الملح ومنها قصة الدبلوماسي الأجنبي ومخطوطات القناوص وبلاغات هيئة الآثار أكد الوزير بأنه ينبغي سرعة جمع المعلومات والتنسيق مع الجهات الأمنية التي يجب عليها سرعة فتح تحقيق في ما يحدث من عمليات متاجرة للآثار في سوق الملح.
وكشف وزير الثقافة أن وزارته ستعمل قريبا على تخصيص رقم مجاني للابلاغ عن أية حالات تهريب أو عبث أو متاجرة للآثار والمخطوطات اليمنية وأهاب بجميع المواطنين التعاون مع الوزارة والأجهزة الأمنية لحماية المواقع والقطع الأثرية اليمنية والحد من تهريبها إلى خارج البلد.
وإذا كان وزير الثقافة حصيفا في كلامه فهذا لا ينفي عن كاهله المسؤولية والعمل السريع للتواصل مع الجهات المعنية »الأمنية« للحد من هذه العمليات الخطرة في سوق يقع في قلب العاصمة.
خطة أمنية
> الدكتور مجاهد اليتيم وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية يؤكد أن سوق الملح بات أبرز الأوكار لمافيا الآثار تمارس فيه عمليات مشبوهة ومخالفة في بيع الآثار والمتاجرة بها واستدل بما حدث مؤخراٍ حيث أوضح بأن التحقيق مع الشخص الذي ضبطت بحوزته المخطوطات في مدينة القناوص محافظة الحديدة اعترف بأنه اشترى “أربع مخطوطات” من سوق الملح والآن ينبغي على الجهات الأمنية متابعة الموضوع وإلقاء القبض على الأشخاص أو المحلات التي باعت المخطوطات لهذا الشخص وقد يتم اكتشاف شبكة كبيرة تستهدف حضارة هذا البلد وتراثه.
وقال “اليتيم” إن الوزارة بصدد التنسيق مع الجهات الأمنية لوضع خطة لمتابعة وتعقب من يقومون ببيع الآثار والمخطوطات والتحري لهذه الحوادث وقد تم التفاهم مع قيادة وزارة الداخلية على هذه الخطة التي ستشترك فيها المباحث الجنائية.
حالات مضبوطة
وعزا “اليتيم” أسباب هذه العمليات إلى الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وشدد على ضرورة أن تقوم الأجهزة الأمنية بواحباتها والحد من هذه الحوادث في هذا السوق الذي يفترض أن يمارس دوره في التعريف بالتراث اليمني وإبرازه للأجانب.
وأضاف: لا نستبعد أبداٍ أن يكون وراء هذه العمليات أشخاص خارج البلد وشخصيات نافذة فمافيا الآثار تعمل على استهداف البلدان ذات الثراء الحضاري وهي متواجدة وتشتغل بشكل عالمي ولعل اليمن وبما تعيشه من ظروف وبما تمتلكه من ثراء حضاري تمثل بيئة خصبة لمافيا الآثار.
لافتاٍ إلى أن سوق الملح ودوره في بيع وتهريب الآثار ليست مشكلة وليدة الساعة فقد تم ضبط حالات متاجرة بالآثار في هذا السوق ولكن لم يتم اتخاذ أساليب رادعة كفيلة بالحد من هذه العمليات الأمر الذي أتاح الفرصة لهؤلاء العابثين بأن يستمروا في عبثهم بآثار اليمن وبات سوق الملح ربما موقعاٍ للاتفاق على العمليات والبيع والشراء بينما يكون التسليم في مكان آخر وهذا العمل منوط به وزارة الداخلية فأين هي من كل ما يحدث ¿¿!!
الأجهزة الأمنية مطالبة بالتحرك السريع
القاضي محمد الكستبان رئيس نيابة الآثار والمدن التاريخية أوضح أن هيئة الآثار في العام 2010م قامت بإبلاغ النيابة بوجود عملية اتجار لقطع أثرية في أحد المحال بسوق الملح وفعلاٍ تم التحرك بصحبة مدير أمن المنطقة آنذاك العقيد حميد بجاش وفعلاٍ تم تفتيش المحل وضبط القطع وكانت قطعاٍ أثرية هامة تم توريدها إلى الآثار وإحالة المتهم إلى المحاكم.
وقال: نحن لن نتهاون أبدأ مع أي شخص يسعى إلى العبث أو المتاجرة بتراث هذا البلد ولكن ينبغي على المواطنين التعاون مع الجهات المعنية والإبلاغ عن أي حالات بيع ونبش وسرقة لهذا التراث.
وفي رده على سؤال هل ينبغي الانتظار لبلاغات المواطنين وتعاونهم أم يجب على الأجهزة الأمنية المختصة التحري والبحث والقيام بدورها إزاء هذه العمليات الخطيرة في سوق الملح قال: يجب على الجهات المعنية وتحديداٍ الأجهزة الأمنية التحري والبحث كون العمليات تتم بشكل سري وخفي ولهذا ينبغي على الأجهزة الأمنية مواجهة ذلك باعتبارها المعني رقم واحد ولعل استحداث إدارة عامة تعنى بحماية الآثار أمر هام فقد تم استحداث الإدارة العامة لشرطة السياحة وحماية الآثار وبالتالي وجدت هذه الإدارة لغرض حماية الآثار والتحري والبحث عن كل من يسعى إلى العبث بها وتخريبها والمتاجرة فيها ولهذا يكون لزاماٍ عليها التحرك السريع وأن يكون لديها جهاز تحرِ فيه أقسام لتقصي والبحث عن الآثار ومهربيها..
وأضاف: بات سوق الملح يمثل خطورة كبيرة على الآثار اليمنية وهذا يتطلب التحرك السريع وعدم التهاون أو التغاضي وبالنظر إلى الحالات العديدة التي تم ضبطها وإحالة المتهمين فيها إلى القضاء فقد أصبح تجار الآثار في سوق الملح أكثر حرصاٍ ويأخذون احتياطاتهم ولديهم أناس أشبه “بالعسس” ولكن إذا وجدت أجهزة البحث والتحري فسرعان ما سيتم اكتشاف المسألة والحد من هذه الظاهرة الخطيرة..
ونفى القاضي الكستبان أن يكون المتهم بتهريب المخطوطات في مدينة القناوص قد اعترف بأنه اشترى عدداٍ من المخطوطات من سوق الملح ولكنه يدعي أنها ملكية خاصة ما تنفيه الإثباتات فالمخطوطات المضبوطة تتبع أسراٍ وعائلات أخرى بعيدة عن المتهم.
خاطبنا قيادة الوزارة ولا رد
إذا كانت معظم الآراء تذهب إلى أن المسؤولية تقع على كاهل الأجهزة الأمنية فماذا يرد المعنيون في وزارة الداخلية¿!
العقيد عبده غلاب مدير فرع الشرطة السياحية وحماية الآثار بأمانة العاصمة يؤكد أن هذه العمليات والصفقات التي تتم هي فعلاٍ من مهمة إدارة شرطة السياحة وحماية الآثار واختصاصها وبموجب لائحة الشرطة السياحية ليس من اليمن فحسب بل وفي سائر البلدان العربية فإنه لابد وأن يكون ضمن الهيكل إدارة بحث سياحي وتكون هذه الإدارة مهمتها متابعة تجار ومافيا الآثار والعابثين بتراث الوطن.
وقال: ولكن للأسف الشديد حتى الآن هذه الإدارة غير موجودة كما أن إمكانيات الإدارة العامة لشرطة السياحة وحماية الآثار فرع الأمنية “صفر” حتى إيجار المبنى المتواضع في صنعاء القديمة والذي تتخذه إدارة شرطة السياحة فرع الأمانة مقراٍ لها تدفعه وزارة السياحة ولاندري لماذا هذا التعامل المزدوج من قبل قيادة وزارة الداخلية فهناك إدارات عامة بأسماء من حيث توفير الإمكانيات وإدارات عامة أخرى في الأرض وإدارتنا من ضمنها مع أنها أقرت في الهيكل الجديد لوزارة الداخلية إدارة عامة وقد فعنا تقارير ووجهنا رسائل بالدعم إلى أكثر من جهة مثلاٍ لحماية المحتف الوطني ووجهنا رسائل لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزر الداخلية فقد وجدنا أننا عندما كنا نوجه رسائل لقيادة وزارة الداخلية تتوقف هناك لأشهر فمازالت البيروقراطية الإدارية هي المسيطرة.
وأمام هذا الوضع وهذه الحالة التي هي عليها إدارة الشرطة السياحية وحماية الآثار ماذا تستطيع عمله لحماية الآثار اليمنية التي تعتبر هماٍ وعبئاٍ كبيراٍ أضيف إلى كاهل هذه الإدارة التي تفتقر إلى أبسط الإمكانيات فقد كانت إدارة عامة تعنى بأمن السياحة..
وفي رده على سؤال هل شحة الإمكانيات تعفيكم من المسؤولية لاسيما وأن سوق الملح لايبعد عنكم سوى أمتار قليلة أوضح: لا أحد يعفى من المسؤولية ولكن الإمكانيات أمر بالغ الأهمية وقد سبق وأن خاطبنا وزارة الداخلية بوجود مثل هذه الصفقات في سوق الملح وضرورة توفير الإمكانيات وأفراد تحرُ في السوق ولكن لم تتم الاستجابة لنا وحتى أننا في المتحف الوطني كنا بحاجة إلى عدد من وسائل الحماية طالبنا قيادة وزارة الداخلية بتوفيرها لم يستجب لنا اضطررنا إلى مخاطبة وزارة الثقافة لتوجيه رسالة إلى وزارة الداخلية بتوفير تلك الوسائل ولكن لا حياة لمن تنادي وأكد غلاب أن المسؤولية في ما يحدث للآثار بشكل عام ومن صفقات بيع وشراء في سوق الملح بشكل خاص تقع على كاهل الجميع سواء وزارة الداخلية أو وزارة الثقافة وهيئة الآثار أو حتى على الإدارة العامة لشرطة السياحة وحماية الآثار.
وأمام هذه الحوادث يظل سوق الملح بفرادته وتنوعه وأسواقه المتميزة أبرز المعالم السياحية في مدينة صنعاء القديمة والرئة الحية لهذه المدينة التاريخية وهي دعوة نوجهها إلى كل العاملين الشرفاء في هذا السوق وهم كثيرون جدا ويشكلون الأغلبية العظمى إلى التصدي لمن يتاجر بتراثهم وهويتهم ويسعى إلى الإضرار بحضارة هذا البلد وكنوزه التاريخية.