تحقيق/ هشام المحيا –
مدرسة الرماح في حي الحصبة بأمانة العاصمة إحدى المدارس التي هي شاهد حي على غياب الترميم من قبل وزارة التربية والتعليم … المدرسة كانت تمتلك رصيفاٍ للساحة وبيتاٍ للحارس ودورات مياه ومعملاٍ تجري المياه في أحواضه وأبواباٍ لبعض المداخل كل هذا اختفى ـ سهواٍ ـ تحت مبرر الترميم … هذه المدرسة ليست الوحيدة فغيرها الكثير والكثير من المدارس بحاجة إلى ترميم حقيقي من جهة أخرى وحسب إحصائيات رسمية فإن أكثر من عشرة آلاف مدرسة في الجمهورية غير مكتملة ومدارس أخرى في العراء وفي هناجر وكهوف ومدارس آيلة للسقوط … والسؤال الذي يبحث عنه التحقيق أين تذهب الميزانيات الهائلة التي ترصد للترميم والتي كان آخرها 10 ملايين دولار¿ هل تذهب إلى المدارس أم إلى الأمعاء الغليظة¿ وهل الترميم إذا ما تم يؤدي الغرض المطلوب¿… تفاصيل أكثر دقة في التحقيق التالي :
نقرأ في الصحف ونشاهد في التلفاز ونسمع في الإذاعة عن إعلانات المناقصات ذات المبالغ المهولة التي تذهب باسم بناء مدارس إلا أنها تبنى ـ بالفعل ـ وتسلم للدولة ولكن ليس كتسليم المدارس في أي دولة أخرى فالمدرسة اليمنية يسلمها المقاول مبتورة اليد أو مشلولة الرجل أو مكشوفة الرأس بمعنى إما بدون سور أو نوافذ أو نقص في المرافق ـ كدورات المياه مثلاٍ ـ إضافة إلى ذلك لا تكمل هذه المشاريع عامها الأول إلا وتنادي اغيثوني بالترميم واستجابة لنداءات الاستغاثة هذه تبنت وزارة التربية والتعليم ترميم بعض المدارس في أمانة العاصمة وبقية المحافظات وأعدت مناقصات بمبالغ لو أنها سلمت إلى مقاول من الصين لبنى بها اليمن بكاملها حيث تم رصد مبالغ هائلة باسم ترميم مدارس .
حجم الدمار
وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة التربية والتعليم فإن أربعة وعشرين ألف فصل دراسي يحتاج للترميم و10 آلاف و36 فصلاٍ غير صالح للاستخدام. فيما تذكر إحصائيات أخرى أن عشرة آلاف مبانُ مدرسية غير مكتملة من إجمالي المدارس البالغ عددها نحو ستة عشر ألف مدرسة من هذه المدارس 316 مدرسة في ( صندقة حديد وهنجر ) و357 مدرسة بدون مبنى “يعني ” في مساجد وكهوف وفي العراء ـ حسب تقرير وزارة التربية لهذا العام واستشعارا للمسئولية أنزلت الوزارة المناقصات تلو المناقصات لتحسين وضع المدارس عن طريق الترميم الذي اعتبره وكيل الوزارة لقطاع المشاريع والتجهيزات عبدالكريم الجنداري في تصريح مقتطف أنه مجرد فعل خير حيث يقول “ليس علينا ترميم المدارس وإنما المرحلة اقتضت أن نقوم بذلك ” وتأكيداٍ لذلك تقول المنسق الوطني للتعليم بالوزارة عزيزة محمد الحبابي إن الصيانة والترميم من واجبات السلطة المحلية ولكن اقتضت المرحلة أن تقوم الوزارة بالترميم ولهذا قامت بالبحث عن تمويلات جديدة فحصلت على سبعة ملايين يورو من بنك الأعمال الألماني عن طريق الصندوق الاجتماعي للتنمية وكان التمويل الثاني من الشراكة العالمية عبر منظمة اليونيسيف بقيمة 10ملايين دولار, وهذا المبلغ جزء من منحة لتطوير التعليم وقيمتها الإجمالية 83مليون دولار أما التمويل الثالث فكان من منظمة اليونيسيف التي لم تفصح عن قيمة التمويل الثالث .
وعن الآلية والمواصفات التي يتم تنفيذ المشاريع على أساسها تقول ” تقوم مكاتب التربية بإعداد تقارير باحتياجات المدارس التي تحتاج للترميم وبعد ذلك يتم تسليم التقارير إلى الجهات الممولة ” وذكرت أن عدد الطلاب والطالبات المستفيدين من هذه المشاريع يصل إلى مليون طالب وطالبة”.
نداء استغاثة
ولمعرفة واقع الترميم الذي تحدثت عنه الأرقام السابقة فهو يختلف تماما عما هو في التقارير لذا قمنا بالنزول الميداني لعدد من المدارس في أمانة العاصمة وكانت البداية من مدرسة الرماح في حي الحصبة أمانة العاصمة وهي إحدى المدارس التي أولاها قطاع المشاريع في وزارة التربية والتعليم اهتماماٍ خاصاٍ وهناك استقبلنا الحارس بتذمر شديد جراء أعمال الترميم للمدرسة حيث يقول الحارس ” كان لي منزل في باب المدرسة مكوناٍ من غرفتين وحمام ومطبخ آوي إليه أنا وأطفالي الخمسة وجاء مشروع ترميم المدرسة وانتزعوا الغرفة والحمام ليخصصوا لي غرفة لم يكن الحارس الوحيد المتضرر فساحة المدرسة كان لها رصيف أنيق وجاء الترميم وانتزعه. دورات المياه لها قصة أخرى فهي لم يطالها الترميم بشيء وهي الآن مغلقة ومثلها المعامل رغم أنه لا يوجد فيه أي محلول للتطبيق أيضاٍ النوافذ تعاني لأنها مكسرة ودون زجاج وكذا خزان المياه الذي دفن ومكرهاٍ.
هذه المدرسة كانت قد تعرضت للنهب قبل الترميم حيث فقد منها20 كمبيوتر ومستلزمات أخرى وبهذا الصدد تناشد مديرة المدرسة وزارة التربية والتعليم أن تلزم المقاول باستكمال الترميم واسترجاع ما نهب سابقاٍ وتقول ” الترميم كان عبارة عن مسحة تجميلية فقط لا غير “.
سيناريو خدع الترميم الذي كان في مدرسة الرماح مثله وأكثر في مدرسة فتح الطوقي فالساحة لم ترمم أما دورات المياه فالترميم فيها لم يستمر حتى لأسبوع واحد ـ حسب تصريح مديرة المدرسة الأستاذة أمة الله محمد التي أعادت ترميم بعض الأشياء في دورات المياه من راتبها وتقول ” رأيت المواصفات التي حْددت لترميم المدرسة ولم ينفذ منها أعشار الواحد في المائة “.
أما مدرسة الوحدة في التحرير فالفصول القديمة فيها آيلة للسقوط رغم إنزال مناقصة لترميمها ولم نر شيئاٍ من ذلك الترميم الموعود وفي الفصول الجديدة قالت المدرسة إن كل شيء فيها جديد ولم تسمح لنا بالتصوير وعند خروجنا التقطنا صور لطلاب ” اتخذوا الفصول القديمة حمامات لهم “.
مدارس أخرى عبرت عن استيائها من مشاريع الترميم التي لا تفي بالغرض وترى هذه المدارس أن تبقى بدون ترميم إذا كانت المشاريع بدون مواصفات وعلى الحكومة أن تحتفظ بهذه المبالغ أفضل من إهدارها .
الفساد المشترك
الحكمة اليمانية استغلها بعض المقاولين والمهندسين في المشاريع فالمقاول الذي يتسلم المشروع من الجهة المانحة لا يقوم بتنفيذه بل يسلمه إلى مقاول أصغر منه بعد اقتطاع نصف المبلغ أو أقل منه قليلا وهذا المقاول بدوره يسلمه إلى مقاول أصغر منه بعد إجراء نفس العملية السابقة وهكذا حتى لا يصل إلى المدرسة إلا اسم المبلغ المرصود.
من جهة أخرى يبقى بعض المهندسين يشرعنون ذلك فهم من يمررون المشروع ـ كما يقول البعض ـ فمقابل بعض النقود يرفعون تقارير ما أنزل الله بها من سلطان ـ حد وصف بعض مدراء مدارس بعض هؤلاء المهندسين لا يعرف المشروع الذي يشرف عليه فهو يقوم بتفويض فني هندسة ويبقى عليه التوقيع في النهاية .
الطالب الأول عالمياٍ
لا يختلف اثنان أن الطالب اليمني هو الأول في العالم من حيث الكفاح والدليل أنه يدخل المدرسة والقمامة هنا وهناك في الساحة وفي الفصل الدراسي والنوافذ مكسرة لتكون ممرا للأتربة إلى وجهه وعينه بينما أصوات منبه المركبات التي لا تتوقف عن إطلاق صوتها إلى أذنه وإن أراد هذا الطالب أن يدخل الحمام فسيجده مغلقاٍ بشكل مستمر ووسط هذا الزخم التعليمي الفريد تطالب الدولة الطلاب والطالبات بتقديم الأفضل وتقول إن المستقبل مرهون بكفهم .
أخيراٍ
ما لاحظناه من خلال التحقيق أن المبالغ التي رصدت للترميم لم يصل منها إلى المدارس إلا شيء بسيط والسبب المقاول والمهندس والرقابة سواء من الوزارة أو من الجهات الممولة. وواضح أيضاٍ أن عملية التواطؤ التي تتم بين بعض المهندسين والمقاولين وبين الجهات الرقابية والمهندس والمقاول من جهة ثانية هي بسبب الروتين المعروف ” كل واحد يأخذ حقه ” ويبقى المتضرر في الأول والأخير الطالب ممثلاٍ بمدرسته..